يعرّف التداخل الدوائي بأنه: "التفاعل الحاصل بين دواءين أو أكثر عند مزجهما مع بعضهما، فقد ينجم عن هذا التفاعل فقدان في الفاعلية أو زيادة في السمية أو ظهور آثارٍ جانبيةٍ أو قد يتكون مركبٌ أشد فاعلية مما لو كان كل مركب على حدة".
وبالرغم على أن التعريف اقتصر على التداخلات ما بين الأدوية فقط، لكن هناك العديد من الحالات التي من الممكن أن تتداخل فيها أدوية مع أطعمة بعينها، أو أعشابٍ بعينها.
لحسن الحظ فإن التداخلات الدوائية مع الأطعمة قليلة ومرصودة، كما أن الأطباء عادةً ما يقومون بالتنبيه لها، لكن تبقى المعضلة الأساسية بخصوص تداخل الأدوية مع بعضها البعض
فربما تصاب بسعال، فتتوجه إلى إحدى العيادات الخاصة أو المستشفيات، فيقوم الطبيب بوصف دواءٍ مخفف للسعال. بعده بكل بساطة قد تذهب إلى المنزل، وقد يقوم أحد أفراد الأسرة بإعداد عصير "جريب فروت" لك، فتتناوله بأمل الشفاء.
اقرأ/ي أيضًا: دخلوا أحياء وخرجوا موتى.. كوفيد-19 يلحق أضرارًا بالغًة بمستشفيات الخرطوم
ساعتها، وخلافًا لنواياك الجيدة ونوايا من أعد لك عصير "الجريب فروت" قد تكون قد وضعت نفسك في خطرٍ يقارب الموت. فبحسب تقارير طبية، فإن عصير الجريب فروت قد يتداخل بشكل يهدد الحياة عند تناوله مع قائمةٍ طويلةٍ لعددٍ من الأدوية المتنوعة، كأدوية خفض نسبة الكوليسترول، وعلاجات ضغط الدم العالي وعلاجات مشاكل القلب، وعلاجات القلق، وعلاجات ضعف الانتصاب، وغيرها.
ولحسن الحظ فإن التداخلات الدوائية مع الأطعمة قليلة ومرصودة، كما أن الأطباء عادةً ما يقومون بالتنبيه لها، لكن تبقى المعضلة الأساسية بخصوص تداخل الأدوية مع بعضها البعض، فبعض الأدوية الاعتيادية والمتناولة بكثرة، قد تحمل أكثر من (400) تفاعلٍ خطرٍ مع أدوية أخرى.
والغالبية في مجتمعاتنا، بالذات من المرضى كبار السن، الذين يعانون من أمراضٍ متعددةٍ ويتعاطون عددًا من الأدوية المختلفة، لا يلقون بالًا للتداخلات الدوائية والتي قد تصل خطورتها درجة تهديد الحياة، بالإضافة أن الكثير منا لا يكلف نفسه عناء قراءة التعليمات المكتوبة على النشرة الدوائية المصاحبة للدواء.
وبالرغم من أن أي طبيب يحمل رخصة رسمية لمزاولة مهنة الطب، يكون بالضرورة قد نال قسطًا من التثقيف الصيدلاني بحكم أنها واحدة من متطلبات التخرج من كليات الطب، لكن في العادة، وفي المستشفيات الخاصة أو الحكومية، فالعديد من الأطباء لا يجدون الزمن الكافي تحت ضغط العمل وتكدس المرضى، لتمضية وقتٍ كافٍ مع المريض لمعرفة تاريخه المرضي والدوائي، كما أن المريض قد لا يضع بالًا لضرورة تنبيه الطبيب إلى أنه يتناول علاجات أخرى.
يعلق الطبيب عمر محمد فرح، نائب أخصائي الطب النفسي والعصبي، بهذا الخصوص لـ"ألترا سودان" فيقول: "إن واحدة من المشكلات في هذا المجال هو عدم إدراك المريض أو المرافقين لخطورة هذه التداخلات". ويضيف: "حتى وفي حالات توقف المريض عن تعاطي دواء لفترة من الزمن، فهناك ضرورة لمعرفة ذلك، لأن بعض الأدوية تتواجد في الجسم لفتراتٍ طويلة"، مشيرًا إلى أنه في مجال تخصصه، الطب النفسي والعصبي، فإن بعض الأدوية حين تناولها مع بعضها، قد تعطي أثرًا سالبًا يضر بالصحة العقلية والعصبية للمريض، كما أنه في بعض الحالات قد يكون التداخل الدوائي قاتلًا كما في كحالة الجمع بين عقاري الأميتربتلين والميرتازابين شائعي الاستخدام في علاجات الاضطرابات النفسية، فهناك مخاطر قد تصل درجة الموت.
ويشير فرح إلى أن الانتقال من أحد الأدوية إلى الآخر، يحتاج أيامًا وأسابيع تحسب بدقة، وبحسب حجم الجرعة التي كان يتناولها المريض، لضمان انسحاب أحدهما من الجسم.
ويضيف: "حاليًا مع الانفتاح المعلوماتي الذي حدث، فإن إمكانية الوصول إلى معلومات حول الدواء واحتمالية تداخله مع علاج آخر سهلةٌ نسبيًا بالنسبة للطبيب، بل حتى للمريض أو المرافق، وهي لا تأخذ أكثر من البحث عبر أجهزة الموبايل الشخصية في الإنترنت، في المواقع العلمية الموثوقة عن احتمالية تداخل الدواء مع أدوية أخرى".
يشار إلى أن عددًا من المواقع، وعددًا من تطبيقات الهواتف الجوالة، والتي نالت مصداقية معقولة، توفر خدمة مقارنة تداخل دواءين أو أكثر، مع تنبيه هذه المواقع دائمًا لأن هذه المعلومات لا تغني عن زيارة الطبيب أو الجهة المختصة.
وعلى مدى أكثر من عام وبمجهود منفرد وذاتي، ينشط الصيدلاني، الدكتور عمر ركابي، عبر صفحة طبية متخصصة على موقع فيسبوك، في محاولة عرض المخاطر الصحية للاستخدام العشوائي للأدوية، وذلك بالاستعانة بأسلوب طريف يقوم فيه بتصوير الأدوية وخصائصها على شكل شخصيات كاريكاتورية تتجاور مع بعضها، مستخدمًا في ذلك مهارته في الرسم، باستخدام بعض برامج الرسم الحديثة.
ويقول الناشط في مجال التوعية بمخاطر استخدام الدواء، والحاصل على ماجستير في الصيدلة السريرية، ركابي، لـ"ألترا سودان" إن من المهام الصميمة للصيدلاني هي الشرح الوافي والمُفصل للمريض بمخاطر الدواء وتداخلاته، كما تقع على عاتق الصيدلاني مهمة التعرف على التاريخ الدوائي، مشيرًا إلى أن ما يعيق ممارسة الصيدلة في السودان بشكلها الاحترافي والمناط بها تأديتُه هي جملة الظروف المحيطة بالمهنة، من بيئة العمل، أو الزحام في الصيدليات.
وعن ضرورة الثقافة الطبية لدى المرضى طالبي الدواء علّق ركابي قائلًا: "من الضروري أن يعرف المواطن خصائص الدواء الذي يأخذه".
اقرأ/ي أيضًا: حوار| محمد قرشي: كورونا ليس مُصنعًا واحتمال متفائل بالوصول لعلاج بنهاية العام
وعن المواقع الإلكترونية التي تقوم بعرض التداخلات الدوائية، كموقع drugs.com يقول ركابي إن مثل هذه المواقع جيدة جدًا، لكنها في ذات الوقت لا تغني عن زيارة الجهات المتخصصة، كما تعلق وتنبه هذه المواقع نفسها على المعلومات التي تقدمها للجمهور.
الركابي: مركز المعلومات بإدارة الصيدلة الولائية يضم مجموعة من خيرة الصيادلة السودانيين المحترفين الذين يمتلكون مواردًا للمعلومات من الممكن أن تساهم في رفع درجة الوعي الدوائي للمواطن، في حال وجد المركز الانتباه من الجهات الرسمية
وأطلق ركابي مناشدة عبر "ألترا سودان" إلى الجهات الرسمية والمجتمع المدني، لتقديم الدعم والسند إلى مركز المعلومات بإدارة الصيدلة الولائية، التابع إداريًا لوزارة الصحة ولاية الخرطوم، والذي قال إنه يضم مجموعة من خيرة الصيادلة السودانيين المحترفين الذين يمتلكون مواردًا للمعلومات من الممكن أن تساهم في رفع درجة الوعي الدوائي للمواطن، في حال وجد المركز الانتباه من الجهات الرسمية، بالإضافة إلى الدعم المجتمعي.
ويشار إلى أن المركز المذكور، قام في الفترة الماضية طوال أسابيع حظر التجوال، بتخصيص أرقام للرد على استفسارات المواطنين حول المعلومات الطبية والدوائية بخصوص الجائحة العالمية.
اقرأ/ي أيضًا
الحكومة ومصانع الأدوية وشركات الاستيراد.. معركة كسر العظم
محلل اقتصادي يرسم صورة قاتمة للاقتصاد ويدعو للتفاوض مع المنظومة الدفاعية