ثقافة وفنون

النقد الأدبي في السودان: غياب وتساؤلات

19 أبريل 2025
الناقد السوداني معاوية محمد نور
الناقد السوداني معاوية محمد نور (1907 - 1941)
عبدالرحيم حمدالنيل
عبدالرحيم حمدالنيل كاتب من السودان

الإنتاج الأدبي في السودان في العقد الأخير كان غزيرًا، خاصة في مجالي الرواية والشعر، فقد زحمت العناوين الجديدة المكتبة السودانية؛ ساهم في ذلك نهضة في مجال النشر، وقيام العديد من الجوائز التي حفزت على الإنتاج الأدبي؛ لكن رغم ذلك لا زالت حركة النقد تتقاصر دون هذا الإنتاج، بل يبدو أن ثمة غياب كامل للنقد الأدبي في السودان في العقود الأخيرة، واقتصرت التجارب والمغامرات النقدية على النقاد المسرحيين المتخصصين في نقد المسرح والدراما، فلماذا غاب صوت الناقد، واختفى أثره ودوره، إلى هذه الدرجة رغم كثافة الإنتاج الأدبي، "رواية، شعر، قصة"؟

الشاعر محجوب كبلو يقول لـ"الترا سودان": "لعله من المجازفات الفكرية العريضة اعتبار أن للنقد السوداني والعربي عمومًا دورًا أساسيًا في الإنتاج الإبداعي والأدبي، ذلك لأن النقد في مهامهنا المحلية والعربية صادر عن ثقافة متراجعة دخلت في عصر ظلامها الألفي، وبصورة أكثر إطباقًا وعمقًا وفداحةً في الحالة السودانية.

محجوب كبلو: من حسن الحظ أن عزلتنا الألفية واجهت حدثين فكريين هائلين كسرا طوق عزلتنا المجيدة

 

ويردف كبلو: "ومن حسن الحظ أن عزلتنا الألفية واجهت حدثين فكريين هائلين؛ كسرا طوق عزلتنا المجيدة ودمجا عقلنا بعقل العالم، وهذان الحدثان هو الوجه الإيجابي للاستعمار، ثم ثورة الاتصالات التي غطت الكرة الأرضية ونصبت محطاتها خارجها في فضاء الله الواسع، ولا أعتقد أن هنالك حاجة لتطور فكري إقليمي أو محلي بعد أن توحد الجميع في المظان العملاقة والأوعية الكبرى للمعرفة الإنسانية المشاعة على طريقة: (عندك خت، ما عندك شيل) لكل قاطني كوكبنا اللطيف".

الروائي الدكتور عاطف الحاج سعيد يقول لـ"الترا سودان": "ليس من الدقة وصف الإنتاج الأدبي السوداني في العقد الأخير (2015م ــــ  2024م) بالغزارة، فقد بلغ الإنتاج الروائي السوداني مثلًا خلال هذا العقد نحو خمسمائة رواية، وفقًا لدراسة ببليوغرافية أجريها حاليًا وتغطي هذه الفترة، وهو ما يعادل متوسط عدد الروايات التي تصدر في فرنسا كل عام. وحتى إذا قارنا الإنتاج الروائي السوداني مع دولة من الإقليم عرفت كتابة الرواية بعد سنوات من كتابتها في السودان، وهي المملكة العربية السعودية، فنجد أنه خلال العام 2024م أصدر الكتاب السعوديون 317 رواية بينما أصدر الكتاب السودانيون فقط نحو 75 رواية. إذًا يمكن القول، بدلًا عن ذلك، إن كتابة الرواية في السودان شهدت طفرة خلال العقد الأخير (2015م ــــ  2024م)، فقد صدر خلاله نحو 485 رواية، وهو ما يساوي تقريبًا جميع ما صدر من روايات خلال 67 عاماً (1948م ــــ 2015م)، وهي الفترة التي رصدها نبيل غالي في كتابه "ببليوغرافية الرواية السودانية" الصادر في العام 2016م".

عاطف الحاج: كثير من المهام التي كانت ملقاة على عاتق الناقد الأدبي في عصر ما قبل الإنترنت أصبح يتصدى لها بفاعلية قراء متمرسون 

 

ويردف الروائي عاطف الحاج سعيد قائلاً: "تتطلب مني مقاربة مسألة الناقد الأدبي الذي اختفى وتقاصر عن مواكبة كثافة الإنتاج الأدبي في السودان صياغتها على النحو التالي: ما الذي نتوقع أن يقوم به الناقد الأدبي بوصفه فاعلًا ضمن المشهد الأدبي والثقافي؟ إذا كنا نتوقع منه أن يقوم بالتنويه بالأعمال الجديدة وتقديمها للقراء، مثلما ظل يفعل ما يعرف بالنقد الصحفي منذ عقود، فإن تكنولوجيا الاتصالات أتاحت لجمهور واسع من القراء/النقاد طرقاً أكثر فعالية وسرعة للقيام بهذا الدور عبر مواقع مراجعة الكتب مثل

(قوود ريدرز)،  أو عبر الصفحات الشخصية في منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر وانستغرام وغيرهم. أما إذا كنا نتوقع من الناقد الأدبي أن يرشِّح الأعمال الجيدة ويزكِّيها للقراء، مثلما ظل يفعل النقاد في الملاحق الثقافية للمجلات والصحف، فإن هذا الدور تقوم به الآن، على نحو كبير، الجوائز الأدبية بمختلف أساليب إشهارها من قوائم طويلة وقصيرة، وهي قوائم تنتقيها لجان تحكيم مكونة من نقاد ومختصين ومهتمين بالأدب".

ويواصل عاطف الحاج سعيد إفادته مضيفًا: "وكثير من قراء العربية يعدون قوائم تسوُّقهم بناءً على قوائم هذه الجوائز رغم التحفظات الكبيرة على لجان تحكيم هذه الجوائز، وأساليب عملها، وسياسات الجهات الراعية للجوائز. أما إذا كنا ننتظر من الناقد أن يجري دراسات نقدية محكمة للإصدارات الأدبية، فإن هذا الدور يقوم به الناقد غالبًا ضمن إطار بحثي أكاديمي لا يُلاحق الإنتاج الأدبي اليومي؛ بل ينظِّر لهذا الإنتاج في سيرورته وكلياته، وأظن أن النقاد السودانيين يؤدون هذا الدور على نحو مرضٍ ومنهم الدكتور هاشم ميرغني الذي أصدر قبل وقتٍ قريبٍ كتابًا مهمًا حول السرد السوداني وسماه بــــ "اقتفاء الأثر: مقاربات في السرد السوداني"، كما لا ننسى كتابه الحاصل على جائزة كتارا مؤخرًا عن فئة النقد "الرواية مسرحًا لجدل الهويات وإعادة انبناءها"، ومنهم الناقد المثابر أبو طالب محمد الذي أصدر في هذا العام 2025م كتابه "مقاربات تطبيقية في نقد الرواية السودانية" الذي جمع فيه مقالاته التي نشرها في منابر مختلفة خلال العقد الأخير".

ويتابع: "أريد أن أقول إن كثيرًا من المهام التي كانت ملقاة حصرًا على عاتق الناقد الأدبي في عصر ما قبل الإنترنت، أصبح يتصدى لها بفاعلية قراء متمرسون بدوافع مختلفة. يمكنك الآن أن تخضع عنوان الكتاب الذي ترغب في قراءته للبحث على الإنترنت فتحصل على نتائج كثيرة تساعدك على تكوين رأي أولي عنه، وأن الأعمال الأدبية الآن تحظى باهتمام كبير لم تنل مثله أعمال أدبية مهمة في عصر سابق؛ فروايات سودانية مهمة جدًا، وتعتبر علامات في تاريخ السرد السوداني طواها النسيان رغم أن الإنتاج الأدبي السوداني وقت صدورها في ثمانينيات القرن المنصرم كان ضئيلًا للغاية، ومنها مثلًا رواية "الوجيه كمال" لبابكر علي ديومة، ورواية  "مسرة" لبشرى هباني".

الروائي عماد البليك له رؤية مغايرة لعاطف الحاج سعيد؛ حيث يقول لـ"الترا سودان": "واقعيًا لم يكن لدينا حركة نقدية في السودان منذ الأساس، البعض يؤسس لحركة النقد بكتابات معاوية محمد نور، التي شكَّلت بداية في مرحلة مبكرة. لكن معاوية لم يبنِ مشروعًا كليًا، كانت مقالات متجاورة نهضت بأسئلة مهمة في حينها وكشفت عن عبقرية لم تكمل الرحلة، لربما رأينا شيئًا مختلفًا لو أنها مضت. هناك أسماء في ذات المرحلة كحمزة الملك طمبل في أسئلته النقدية المفتوحة على مسائل الهوية والثقافة السودانية، حيث كان من أوائل الذين تكلموا عن ذلك قبل أن يأتي بها لاحقًا في فكرة السودانوية أحمد الطيب زين العابدين، الذي كان له مشروع جمالي في سؤال الحياة السودانية، لكن أيضًا مشكل هذا السؤال أنه لم يخلق الإطار الرؤيوي الكلي، وهذه هي جوهر الأزمة النقدية السودانية. أيضًا يمكن الإشارة لجهود محمد عبد الحي ومساءلاته الرائعة مع نثر التيجاني يوسف بشير، وهو أيضًا مشروع لم يكتمل. مشكلتنا هذا النقص المستمر. في التصور الثاني أنا شخصيًا لا أنظر إلى النقد بوصفه مرتبطًا بالعملية الإبداعية كتصور روائي أو مسرحي أو قصصي أو شعري، بل ببناء نظريات جمالية كبيرة في صلب سؤال الوجود بما في ذلك المعاش، كما أشرت لذلك في بذور مشروع زين العابدين، وهنا اسم آخر أغفله الكثيرون، الدكتور قيصر موسى الزين الذي أسس للنقد العرفاني الذي جسّر المسافات بين الأدب والدين والتصوف، في قراءات أيضًا لم تكتمل. لهذا فسؤال النقد في السودان متماس بشكل كبير مع سؤال الهوية الإبداعية، كيف نفهم الإبداع في حد ذاته؟ وهل لدينا مفاهيم كبيرة للتخييل الإبداعي والتصورات الجمالية التي تجعل من العمل النقدي يقوم على توليد المنهج وتحريكه إلى المرحلة التي يكون له فيها أن يعيد صياغة المشهد الأدبي والفني، ولا يكون مجرد رافد له فحسب. فثمة تصور معاكس عندنا أن النقد يبدأ بعد أن يكون النص قد انتهى، وهذا كلام قاصر. فالنقد يؤسس جماليًا، في تجربة معاوية نور رأينا هذا التصور، في وقت لم يكن فيه ثمة مشروع أدبي سوداني. فكتاباته كانت تسعى لأن تخلق هذا الفضاء المُوحي والسماء التي تتيح التأمل. لا أريد أن أدخل في الحلول السهلة للأسئلة، على شاكلة لا توجد مؤسسات أكاديمية، أو أندية ترعى ذلك، أو مسابقات... إلخ".

عماد البليك: سؤال النقد في السودان متماس بشكل كبير مع سؤال الهوية الابداعية

ويختتم البليك قائلًا: "كل ذلك مهم في تطوير المشهد النقدي، لكن قبل ذلك فالنقد هو سؤال حياة ومنهج إبداع كما يشتغل عند أسماء مثل الناقد البريطاني "تيري إيغلتون" كما في كتابه "معنى الحياة"، أو المسائل الأبعد فلسفيًا في مناوشة الأدب والفنون والسينما كما عند الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز في "سياسات الرغبة" وغيرها. لا يوجد مشاريع كهذه ولن توجد في مثل الوضع الثقافي الراهن المشغول بالمسطحات ولا ينفذ إلى جوهر الأزمة، وليس من أفق واضح للحل طالما ظل النقد الآن مجرد محاورات شللية تعتقد جازمة أنها تمتلك ناصية الحقيقة المطلقة. حتى ما أشرت له في النقد الدرامي والمسرحي، فهو محل شك لأن تجربة الدراما والمسرح حاليًا تخضع لاختبار حضور ونقدها لا يخلو من العوار الذي أشرت إليه".

الكلمات المفتاحية

الكاتبة سلمى عبد العظيم

مفروش في كمبالا … روايات على أرصفة اللجوء 

بمبادرة من تحالف المعرفة نظم أعضاء في منظمات المجتمع المدني وجهات ثقافية وفنانون ومؤلفو روايات معرض مفروش بالعاصمة الأوغندية كمبالا، بصالة مبنى "الهوم تور"، قُبالة جامعة ماكيريري السبت 10 أيار/مايو 2025.


شباب - ليل - قمر.jpg

بُعد ثالث لأسطورة ضائعة

صغيرًا كان..
تنام الشمس في عينيه
ويعبد صوته القرآن..


قصص قصيرة مترجمة للإنجليزية (غلاف)

مترجمة إلى الإنجليزية: مختارات من القصص القصيرة السودانية

أصدر المترجم والناقد السوداني ناصر السيد النور كتاب (مختارات من القصة السودانية)، وضم عدداً من النصوص القصصية لكتاب القصة القصيرة من مختلف الأجيال.


الكاتب أيمن هاشم

سودانيان يفوزان بمنحة المورد الثقافي في الأدب والسينما

ضمن قائمة تضم 33 فائزًا من أصل 450 متنافسًا على مستوى الوطن العربي، نال السودانيان إبراهيم عمر وأيمن هاشم منحة المورد الثقافي العربي للعام 2025، في الأدب والسينما.

عامان على الحرب في السودان
سياسة

السودان… أزمة إنسانية واقتصادية على أعتاب حرب ثالثة 

على أعتاب العام الثالث من حرب السودان تتنامى التحذيرات من موجات نزوح جديدة، وتفشي المجاعة في مناطق أكثر هشاشة بإقليم دارفور وكردفان، مع احتدام الصراع بين الجيش والدعم السريع خلال الشهر الماضي.

مجابهة الكوليرا بالولاية الشمالية.jpg
أخبار

مركز الطوارئ: 2323 إصابة بالكوليرا في السودان خلال 3 أسابيع 

كشف اجتماع مركز عمليات الطوارئ، المنعقد اليوم الثلاثاء بمدينة كسلا، عن تسجيل 2323 حالة إصابة بالكوليرا خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، بينها 51 وفاة، مشيرًا إلى أن 90% من الإصابات والوفيات سُجلت في ولاية الخرطوم، تحديدًا في محليتي كرري وجبل أولياء.


شيخ كهنة السودان
أخبار

كنائس تنعى شيخ كهنة السودان الأب فيلوثاوس فرج 

نعت كنيسة الشهيد العظيم الأمير تادرس الشطبي وعدد من الكنائس السودانية الأخرى، اليوم الثلاثاء، الموافق 20 أيار/مايو 2025، الأب الدكتور القمص فيلوثاوس فرج، شيخ كهنة السودان، الذي توفي في العاصمة المصرية القاهرة عن عمر يناهز الثمانين عامًا.

البرهان-4_0.jpg
أخبار

بوتين يوجه دعوة رسمية للبرهان للمشاركة في القمة الروسية العربية

تلقى رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول الركن عبدالفتاح البرهان، دعوة رسمية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للمشاركة في القمة الروسية العربية .

الأكثر قراءة

1
سياسة

الخرطوم.. الجيش يسيطر وأحلام العودة تراود السكان


2
رأي

لأول مرة منذ 12 عامًا.. الدعم السريع خارج ولاية الخرطوم 


3
أخبار

التقاء القوات المسلحة في ولايتي الخرطوم والنيل الأبيض 


4
أخبار

الجيش يعلن استعادة السيطرة الكاملة على ولاية الخرطوم


5
أخبار

الحارث: مخرجات جلسة مجلس الأمن الأخيرة لم تلبِّ تطلعات السودان