احتجزت الشرطة عددًا من النساء والفتيات الموقوفات في موكب الـ30 من حزيران/ يونيو الخميس الماضي في قسم شرطة الخرطوم شمال "في مخالفة صريحة للقانون" بعد قرار وكيل النيابة المختص بإطلاق سراحهن، قبل أن يتم تحويل الموقوفات إلى سجن النساء بأم درمان – بحسب بيانٍ لمحامي الطوارئ.
عضوة بمحامي الطوارئ: منعتنا الشرطة من الاقتراب من أقسامها وأبعدتنا بطريقة مهينة ولم تسمح لنا بالعمل حتى في حضور وكيل النيابة
وطالب بيانٌ لمجموعة محامي الطوارئ النائب العام بالتدخل من أجل إنهاء ما أسمته "المهزلة القانونية". وحذّر البيان الذي حصل عليه "التر سودان" السلطة الانقلابية من تكرار مثل هذه الحوادث، متوّعدًا باتخاذ إجراءات قانونية في مواجهة مرتكبيها.
في صباح اليوم السبت، رفضت شرطة قسم الخرطوم شمال إطلاق سراح الموقوفات من "مليونية 30 يونيو" على الرغم من صدور قرار بإطلاق سراحهنّ من وكيل النيابة المختص "في سلوكٍ يخالف صريح القانون ويعبر عن حالة من الكيد تمارسها الشرطة على الثائرات المنتصرات من أجل هزيمتهن" - وفقًا لبيان محامي الطوارئ.
الخميس الماضي، كشفت مجموعة محامي الطوارئ عن اعتقال أكثر من ألف متظاهرٍ/ة من مواكب "مليونية 30 يونيو" في سجون "النظام الانقلابي" معظمهم من ولاية الخرطوم.
وشكت عضوة المجموعة حنان حسن من سلوك منسوبي الشرطة، وقالت في تصريحات لـ"الترا سودان" إن القوات الشرطية منعتهم من الاقتراب من محيط أقسام الشرطة يومي الخميس والجمعة بمبررات أن هذه "مناطق عسكرية"، وأبعدتهم "بطريقة مهينة" ولم تسمح لهم بمباشرة إجراءات إطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات. وأضافت أن منسوبي الشرطة أبعدوا المحامين وأسر المعتقلين من المنطقة باستخدام العصي والهراوات.
وأوضحت حنان أنهم نقلوا تصرفات الشرطة إلى وكيل النيابة المناوب بنيابة القسم الشمالي، وذكرت أنه لم يتمكّن من السماح للمحامين بممارسة مهامهم الطبيعية. وأفادت حنان بأنهم حتى بعد عودتهم إلى القسم مع وكيل النيابة لم يسمح لهم العساكر بمقابلة المعتقلين بحجة أن هذه أوامر اللجنة الأمنية لولاية الخرطوم، ما يبعث على الاستغراب –بحسب حنان- خصوصًا بعد إعلان السلطات عن إلغاء حالة الطوارئ بالبلاد.
وفي تقريرٍ ميداني، كشفت لجنة الأطباء "المركزية" عن تسجيل أكبر حصيلة إصابات يومية في أوساط المحتجين منذ استيلاء الجيش على السلطة في 25 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، خلال مواكب 30 يونيو.
وأعلنت اللجنة في تقريرها عن رصد (629) إصابة وارتقاء تسعة شهداء في مواكب الخميس. وكشف التقرير عن تنوع كبير في أساليب القمع، شمل (35) إصابة بالرصاص الحي و(64) حالة إصابة بعبوات الغاز، و(23) بالطلق المتناثر، بينما دُهس (10) متظاهرين بمركبات تتبع للقوات الأمنية، إلى جانب حالة طعن واحدة، علاوةً على تسجيل حالات عديدة للاختناق بالغاز والضرب بالعصي والهراوات.
واستباقًا للمواكب التي دعت إليها لجان المقاومة، أصدرت الشرطة بيانًا صحافيًا أكدت من خلاله التزامها باستخدام الأدوات المدنية في فض التجمعات في حال لم تلتزم بالسلمية. وأعلنت عن مرافقة وكلاء النيابة للقوات في الشوارع، ما يطرح سؤالًا حول دور النيابة في الحفاظ على أرواح المحتجين وضمان تقيّد القوات الأمنية بالقانون عند التعامل مع الاحتجاجات؟
وأبدى عددٌ من وكلاء النيابة عدم رضاهم عن التدخل السياسي في أداء النيابة العامة، إلى حد أن بعضهم طالب بإغلاق النيابة العامة وتحويلها إلى متحف.
وتأسّف وكيل عبدالرحيم الخير على "عجز النيابة العامة التام عن أداء مهامها في ظل الكم الهائل من القتل وإراقة الدماء" وفي ظل الدولة التي وصفها بـ"البوليسية التي لا تحترم القانون".
واستنكر الخير في منشورٍ له على صفحته بفيسبوك رصده "الترا سودان" ترك أمر حبس/ إطلاق سراح الموقوفين بيد والي الولاية ولجنته الأمنية لتأمر وتنهى فيه حتى عقب صدور "قرارٍ قانونيٍّ بالإفراج" الذي قال إنه "حق أصيل للنيابة" ومع ذلك لن ينفذ في ظل "الفوضى القانونية" التي تشهدها البلاد – على حد تعبيره. وأضاف الخير: "أصبح الأمر في غاية الخطورة التي يستوجب معها وقف هذا العبث"، وقائلًا إنّ "الأوجب أن تغلق النيابة أبوابها وتصبح متحفًا تاريخيًا" – على حد قوله. وأبدى أسفه من على ما آل إليه حال النيابة العامة في ظل حكم عسكري ينهى ويأمر النيابة "صاحبة الأمر" – على حد وصفه.
وفي منشور على صفحتها بفيسبوك تأسفت وكيلة النيابة وفاء دفع الله على عجز النيابة العامة عن كبح جماح الانتهاكات التي تقوم بها القوات العسكرية تجاه المتظاهرين السلميين من تسبيب للموت واستعمال مفرط للقوة واعتقالات تعسفية طالت حتى الأطفال – على حد قولها.
وكيلة نيابة: واجبنا المهني والأخلاقي يحتم علينا أن نرفع صوتنا جهورًا لوقف هذا العبث والمطالبة بضرورة قيام النيابة العامة بدورها كاملًا غير منقوص
وأضافت وفاء: "إن واجبنا المهني والأخلاقي يحتم علينا أن نرفع صوتنا جهورًا لوقف هذا العبث والمطالبة بضرورة قيام النيابة العامة بدورها كاملًا غير منقوص في حماية حقوق الإنسان والحريات وتحقيق العدالة". وتابعت: "هذا أو نضع أقلامنا ونخرج بحثًا عن مكان لنا بين الجموع التي خرجت هادرة تنشد العدالة والحرية والكرامة".
ومنذ انقلاب 25 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تلاحق النيابة اتهامات بالتماهي مع السلطة الحاكمة والخضوع لما تطلبه قياداتها بعيدًا عن القانون وواجباتها، مع اتهامات لمنسوبيها بالوقوف ضد الثورة لصالح أجندة النظام المخلوع.
وكتبت سارة حسبو إحدى الموقوفات على ذمة المشاركة في "مليونية 30 يونيو" على صفحتها بفيسبوك: "أنا ورفيقاتي خارج أسوار السجن، أخيراً تم تنفيذ قرار وكيل النيابة المختص بإطلاق سراحنا".
بعد شدٍّ وجذبٍ ووماطلة، تحررت المعتقلات من السجون؛ فهل تتحرّر النيابة العامة من قيود السياسة التي تكبل القانون؟