03-أغسطس-2024
قوة من الدعم السريع

في إفادة خاصة، وصفت دعاء، نازحة من ولاية سنار، الهروب الجماعي من مدينة الدندر بعد اقتحام مليشيات الدعم السريع. أوضحت دعاء أن "الخوف والهلع كانا شديدين، حيث اندفع المواطنون للخروج من المدينة بشكل هستيري، وكأنه يوم القيامة" على حد وصفها.

شهدت مناطق وسط السودان كغيرها من مناطق السودان تصاعدًا خطيرًا في الانتهاكات التي ارتكبتها الدعم السريع

شهدت مناطق وسط السودان كغيرها من بقية مناطق السودان، بما في ذلك ولاية الجزيرة، سنار، النيل الأبيض، وشمال كردفان، تصاعدًا خطيرًا في الانتهاكات التي ارتكبتها الدعم السريع. هذه الانتهاكات خليط بين السرقة والنهب المسلح، تدمير المرافق العامة، وجرائم القتل، الاغتصاب، والتهجير.

الأثر المدمر لهذه الانتهاكات واضح من خلال تقارير المنظمات الدولية، والتقارير الميدانية والشهادات التي تتحدث عن عمليات اقتحام وحصار للقرى، أدت إلى موجات نزوح جماعي للمدنيين. مع استمرار هذه الممارسات، تبرز تساؤلات موضوعية حول احتمالية ظهور مليشيات جديدة أو حركات مناطقية أو مقاومة شعبية كرد فعل لهذه الأحداث في وسط السودان.

 الانتهاكات المستمرة التي تتهم بها الدعم السريع ربما تخلق بيئة مناسبة لتشكل مجموعات مسلحة تسعى لحماية مجتمعاتها المحلية أو تحقيق أهداف مناطقية. بالتالي، فإن الوضع الحالي قد يكون مقدمة لبروز تطورات جديدة على الصعيدين العسكري والسياسي.

 في هذا التقرير، سنستعرض تأثير هذه الانتهاكات على الوضع الأمني والسياسي في وسط السودان، ونبحث في إمكانية ظهور مجموعات جديدة كاستجابة لهذه الانتهاكات.

مشهد متسارع ومعقد

في 18 كانون الأول/ديسمبر 2023، اقتحمت قوات الدعم السريع مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، بعد معارك شرسة دامت أربعة أيام شرق المدينة. أعلن الجيش السوداني انسحاب قوات رئاسة الفرقة الأولى من ود مدني، وفتح تحقيق في ملابسات الانسحاب، إلا أن نتائج التحقيق لم تُعلن حتى الآن. كانت ود مدني، التي تحولت إلى ملاذ للنازحين من حرب الخرطوم، مركزاً حيوياً للعمليات الإنسانية في البلاد، حيث كانت تستضيف 57 منظمة إنسانية. وفقًا لمنظمة الهجرة الدولية، نزح بين 250 ألفًا و300 ألف شخص خلال ثلاثة أيام فقط بعد دخول الدعم السريع للمدينة.

في 21 كانون الأول/ديسمبر 2023، سيطرت مليشيا الدعم السريع على مدينة القطينة في ولاية النيل الأبيض، التي تبعد 80 كيلومترًا جنوب الخرطوم. مع هذا، انسحب الجيش إلى منطقة الأعوج، مما زاد من تفاقم الوضع في المنطقة.

في 25 حزيران/يونيو 2024، توسعت سيطرة الدعم السريع إلى جبل موية في ولاية سنار، على بعد 296 كيلومترًا جنوب الخرطوم. هذا التوسع أدى إلى عزل ولايتي شمال كردفان والنيل الأبيض، وقد ينذر بخطر فصل كامل لولايات دارفور عن شرق السودان.

تحركت مليشيا الدعم السريع من جبل موية عبر طرق ترابية وعرة غرب سنار، مستهدفة مدينة سنجة، التي استولت عليها في 29 حزيران/يونيو 2024. حدث ذلك بعد ساعات من زيارة قائد الجيش السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، إلى الولاية، مما شكل صدمة لأنصاره.

في 2 تموز/يوليو 2024، واصلت قوات الدعم السريع تقدمها للسيطرة على مدينة الدندر، الواقعة على بعد 400 كيلومتر جنوب شرق الخرطوم، والتي تعتبر جزءًا من محمية الدندر الطبيعية. بالإضافة إلى ذلك، سيطرت على اللواء 66 مشاة بمدينة المزموم، بالقرب من الحدود مع جنوب السودان، بعد أن بث مواطنون مقطع فيديو يظهر خلو القاعدة العسكرية من الجنود.

تزامنًا مع هذه التطورات، أعلنت قوات الدعم السريع في 20 تموز/يوليو 2024 مقتل القائد الميداني عبد الرحمن البيشي، الذي كان له دور بارز في معارك جبل موية وسنجة. كما أكدت السيطرة على مدينة السوكي، شرق سنار، بينما لم يصدر الجيش السوداني تعليقًا رسميًا حول الوضع في المنطقة.

حول الوضع العسكري في وسط السودان

في إطار التحليل العسكري الراهن، نوه محلل سياسي فضل عدم ذكر اسمه، إلى أن "هناك تفاهمًا بين القيادة العليا للجيش وبيان وزارة الخارجية الأميركية الذي حث الجيش على تجنب الاصطدام المباشر مع قوات الدعم السريع". هذا التفاهم ساهم في اتخاذ قرار انسحاب الجيش من مدينة ود مدني.

وفقاً للمحلل، فإن "أول انتشار لقوات الدعم السريع خارج الخرطوم كان في مدينتي أم روابة والرهد في شمال كردفان، وهي مناطق لم يتواجد بها الجيش". يشير هنا إلى "إستراتيجية المليشيا لاكتساب الأرض كجزء من خطتها للتوسع العسكري".

محلل: بسبب الفشل في السيطرة على الخرطوم، تمكنت قوات الدعم السريع من التوسع والسيطرة على مدن جديدة

يتابع المحلل: "بسبب الفشل في السيطرة على الخرطوم، تمكنت قوات الدعم السريع من التوسع والسيطرة على مدن جديدة، لتعزيز موقفها في المفاوضات السياسية"، على حد وصفه.

إلى جانب ذلك يشير المحلل إلى أن قوات الدعم السريع تتمتع بـ "تفوق استخباراتي على الجيش بفضل زرع الخلايا ومعرفة قادتها الميدانيين لمناطقهم، مثل أبو عاقلة كيكل، هذا التفوق ساهم في قدرتها على "التخطيط الاستراتيجي".

في ذات الصدد أكد المحلل السياسي على "ضعف الدفاعات العسكرية للجيش في منطقة جبل موية، رغم الأهمية الاستراتيجية الكبيرة لهذه المنطقة التي تربط ولاية سنار بولايات النيل الأبيض وغرب السودان" مما أدى لسقوطها بشكل سريع.

فصول من معاناة شمال كردفان

منذ بداية النزاع، تعرضت مناطق شمال كردفان في السودان لعدد من الهجمات المروعة التي نفذتها قوات الدعم السريع، مما أسفر عن مقتل العديد من المدنيين ونزوح جماعي لسكان المنطقة.

في حزيران/يونيو 2023، أعلن الحزب الشيوعي بمنطقة الأبيض عن ارتكاب مجزرة في قرية الحميرة الواقعة جنوب شرق الأبيض، حيث قُتل ما لا يقل عن 55 شخصًا، بينما كان هناك عدد كبير من المفقودين والجرحى، وفقًا للبيان الصادر عن الحزب.

لاحقًا في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، شن عناصر من الدعم السريع هجومًا على قرية أبو حمرة بمحلية أم روابة، مما أدى إلى مقتل تسعة أشخاص. تلت هذه الحادثة سلسلة من الاعتداءات التي وثقتها منظمة "شباب من أجل دارفور"، حيث أفادت بمقتل 18 مدنيًا واغتصاب فتاتين في آذار/مارس 2024، إضافة إلى إصابة نحو 11 شخصًا خلال الفترة نفسها.

في 18 أيار/مايو 2024، استهدفت قوات الدعم السريع قرية الرحمانية شمال غرب أم روابة، حيث قُتل 15 شخصًا على الأقل وأصيب آخرون. الهجوم لم يقتصر على القتل، بل شمل نهب متاجر القرية وحرق أكثر من 20 منزلًا ونهب الأبقار، مما أدى إلى نزوح سكان القرية إلى المناطق المجاورة بحثًا عن الأمان.

أحداث تموز/يوليو 2024 شهدت تصعيدًا جديدًا، حيث قُتل 23 شخصًا في ولاية شمال كردفان عندما فتحت قوات الدعم السريع النار على قافلة تجارية، كما أفادت شبكة أطباء السودان.

بجانب هذه الاعتداءات، اقتحمت مليشيا الدعم السريع عشرات القرى في ولاية شمال كردفان، متسببة في عمليات نهب وقتل وانتهاكات واسعة، أدت إلى تهجير أعداد غير محددة من سكان تلك المناطق حتى الآن.

القليل مما حدث في النيل الأبيض

منذ انسحاب الجيش السوداني من مدينة القطينة في كانون الأول/ديسمبر 2023، شهدت قرى شمال النيل الأبيض انتهاكات واسعة النطاق ارتكبتها قوات الدعم السريع، وفي آذار/مارس 2024، أدانت هيئة محامي الطوارئ غير الرسمية قتل قوات الدعم السريع لمواطنين اثنين في قرية البرارة، إثر تسلل أفراد من هذه القوات ليلًا بغرض النهب.

ومع مطلع نيسان/أبريل 2024، اندلعت المجازر مجددًا في قرية الدرادر جنوب القطينة، حيث قتلت قوات الدعم السريع ستة أشخاص وأصابت العشرات في ظل انقطاع خدمات الاتصالات، وفي أيار/مايو 2024 أُعلن عن هجوم آخر أسفر عن مقتل شخص وجرح آخرين في سوق الهشابة جنوب القطينة.

وفي تموز/يوليو 2024، ارتكب الهجوم الذي شنته هذه القوات على قرية الهلبة جريمة أخرى، حيث اغتالت طبيبًا، بحسب منصة نداء الوسط، بينما في الثالث والعشرين من نفس الشهر ، قام أفراد الدعم السريع بخطف عدد من المدنيين من قرية الهلبة وتصفيتهم خارج القرية، حيث عُثر على جثثهم ملقاة في العراء، بحسب فيديوهات متداولة.

كما أكدت منصة نداء الوسط تهجير كامل لأهالي قرية قلعة ود عياد بالنيل الأبيض، مع توعد الدعم السريع الأهالي بالقتل في حال أرادوا العودة لديارهم.

أرض المحنة توشحت بالانتهاكات

في ولاية الجزيرة، بعد أن كانت الصدمة الأولى بانسحاب القوات المسلحة من مباني الفرقة الأولى مشاة، تجاوزت الانتهاكات حدود الخيال، ففي 25 كانون الأول/ديسمبر 2023، أُعلن محافظ مشروع الجزيرة عمر مرزوق عن سرقة مدخلات مشروع الجزيرة الزراعي من قبل قوات الدعم السريع، ووجه برنامج الأغذية العالمي اتهامات لهذه القوات بنهب مستودعاته التي كانت تحوي 2500 طن من المواد الغذائية كافية لإطعام حوالي 1.5 مليون شخص بينهم 20 ألف طفل يعانون من سوء التغذية.

في تقرير للمرصد السوداني لحقوق الإنسان، تم توثيق هجوم على 39 قرية في ولاية الجزيرة

وفي تقرير للمرصد السوداني لحقوق الإنسان، تم توثيق هجوم على 39 قرية في ولاية الجزيرة، مما أسفر عن مقتل 46 مدنيًا وإصابة 90 آخرين في فترة انقطاع الاتصالات الأولى، كما كشفت شبكة (CNN) في تحقيق تم نشره عن تجنيد قسري قامت به الدعم السريع لعدد 700 رجل و 65 طفل، واستخدامها الجوع كسلاح ضد غير الراغبين في الانضمام.

في آذار/مارس 2024، اتهمت وزارة الخارجية قوات الدعم السريع بمهاجمة 28 قرية وقتل 43 مدنيًا خلال أسبوعين. وفي نيسان/أبريل من نفس العام، أعلنت اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء عن مقتل 28 شخصًا وإصابة 240 آخرين في قرية أم عضام بمحلية الحصاحيصا في هجوم شنته الدعم السريع.

بعد ذلك في أيار/مايو 2024 أعلنت منظمة أطباء بلا حدود الإسبانية، عن تعليق عملها في مستشفى (ود مدني التعليمي) في ولاية الجزيرة وسط السودان بسبب المضايقات والعراقيل التي يتعرض لها موظفوها بحسب بيان صحفي لها. وقالت المنظمة إن فرق عملها تعرضت، ولمدة ثلاثة أشهر، لحوادث أمنية متكررة بما في ذلك نهب المستشفى، مما أثر في قدرتهم على تقديم الرعاية الطبية.

لم يقتصر الأمر على النهب والمضايقات فقط، ففي 5 من حزيران/يونيو 2024  قامت الدعم السريع بلفت نظر العالم الذي تجاهل لشهور عديدة أزمة وسط السودان، أرتكبت المليشيا مجزرة بمهاجمة قرية ود النورة بعدد 40 عربة قتالية وعشرات الدراجات النارية, خلف الهجوم 200 قتيل، ومئات الجرحى، ونهبت المليشيا السوق والمحال التجارية وسيارات المواطنين ومقتنياتهم الثمينة. اقتحمت المليشيا المراكز الصحية بالقرية وقتلت الطواقم الطبية والمرضى وبينهم امرأة ورضيعها.

حيث أقرت يونيسيف بمقتل ما لا يقل عن 35 طفلاً وإصابة أكثر من 20 طفلاً آخرين خلال الهجوم الذي وقع في قرية "ود النورة" في ولاية الجزيرة السودانية.

وفي سياق آخر في 22 حزيران/يونيو 2024 قتلت الدعم السريع الصحفي السوداني علاء الدين على محمد، رفقة 14 من المدنيين أثناء هجومها على قرية “عسير” جنوب ولاية الجزيرة.

في بيان لشبكة أطباء السودان 22 تموز/يوليو 2024 قالت إن الدعم السريع نهب الأجهزة والمعدات الطبية وخربت كليتي الطب والمختبرات بجامعة الجزيرة. بحسب متابعات فإن 6 مستشفيات رئيسية و 10 مستشفيات خاصة قد تم تدميرها وخروجها بالكامل في ولاية الجزيرة، بجانب تدمير وإخراج حوالي 150 مركزاً علاجياً وأخرى لتلقي الرعاية الصحية الأولية عقب اجتياح المليشيا لعدد من مدن الولاية واستباحة القرى وقتل وتهجير السكان القرويين.

وقد أكدت المسؤولة الإقليمية للمبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الإفريقي "صيحة"، هالة الكارب، توثيق (250) حالة اغتصاب وعنف جنسي على مستوى السودان، من بينها (75) حالة موثقة بولاية الجزيرة في الفترة من كانون الأول/ديسمبر 2023 حتى نيسان/أبريل 2024، بواسطة قوات الدعم السريع.

إضافة الى ذلك، في مجزرة جديدة لقوات الدعم السريع ضد المدنيين العزل بولاية الجزيرة قتل 23 مواطناً وأصيب 14 آخرين بينهم نساء وأطفال جراء اقتحام الدعم السريع لقرية العدناب بمحلية المناقل يوم "الخميس، الموافق الأول من آب/أغسطس 2024.

أبرز انتهاكات ولاية سنار

منذ توسع دائرة الحرب إلى الولاية، شهدت قرى غرب ولاية سنار انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ارتكبتها قوات الدعم السريع، والتي تضمنت القتل والتهجير والنهب، وسط ظروف صعبة بسبب انقطاع شبكات الاتصالات.

في حزيران/يونيو 2024، وقعت مجزرة بشعة في قرية الشيخ السماني شرق ولاية سنار، حيث قُتل أكثر من 26 شخصًا بينهم نساء وأطفال، وهو الهجوم الذي قوبل بإدانات محلية ودولية واسعة للدعم السريع. وفي أواخر نفس الشهر، أفاد تقرير للمرصد السناري لحقوق الإنسان بارتكاب قوات الدعم السريع مجزرة أخرى في منطقة جبل موية، حيث قُتل أكثر من 40 شخصاً رمياً بالرصاص بطريقة وحشية.

تضاعفت مشاكل النزوح بشكل كبير بعد دخول الدعم السريع للولاية، حيث ذكرت شبكة نساء القرن الأفريقي (صيحة) أن 55,440 شخصاً فروا من مدينة سنجة، ثاني أكبر مدن ولاية سنار بعد مدينة سنار، بعد أن سيطرت عليها الدعم السريع. وأكد التقرير أن العنف الجنسي كان جزءاً من الانتهاكات، حيث تم توثيق حالات اغتصاب جماعي وارتفاع كبير في عدد الأشخاص المفقودين، بما في ذلك 91 طفلًا من بين 1,000 شخص مفقود.

وفي سياق متصل ذكرت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة في بيان أن نحو 150 ألف شخص نزحوا من سنار منذ 24 حزيران/يونيو 2024.

كما أشار تقرير لمنصة "نداء الوسط" إلى وفاة أكثر من 20 مدنيًا غرقًا أثناء محاولتهم الفرار من الهجوم على قرية كريمة في محلية أبو حجار، حيث فرضت قوات الدعم السريع حصارًا على السكان وأغلقت جميع الطرق.

بعد السيطرة على سنجة ومدن أخرى، ارتكبت قوات الدعم السريع انتهاكات واسعة شملت القتل والنهب والتهجير القسري

بعد السيطرة على سنجة ومدن أخرى، ارتكبت قوات الدعم السريع انتهاكات واسعة شملت القتل والنهب والتهجير القسري، حسب تقرير المرصد السناري لحقوق الإنسان، سجلت ولاية سنار ومدينة سنجة حالات كبيرة من المفقودين تجاوزت 1,300 شخص، مع تسجيل عشرات الوفيات بسبب المسافات الطويلة التي قطعها المصابون بالأمراض المزمنة وكبار السن.

في هذا الصدد كانت ولاية سنار قد استضافت قبل تصاعد المعارك حوالي 286 ألف نازح من الخرطوم والجزيرة، حيث واجه الكثيرون خطر النزوح للمرة الثانية والثالثة. وتحدثت غرفة طوارئ الدندر عن انتهاكات واسعة قامت بها قوات الدعم السريع في المدينة وقراها، بما في ذلك طرد وتهجير سكان شمال الدندر، إلى جانب سرقة ونهب محاصيل المزارعين والآليات الزراعية بغرض "تجويع" المواطنين، في ظل انقطاع الكهرباء وشبكات الاتصالات.

كما قالت غرفة طوارئ مدينة السوكي، إن الدعم السريع استباحت مدينة السوكي وسط حركة نزوح واسعة للمواطنين تجاه قرية حمدنا الله ومدينة سنار سيراً على الأقدام. وفي تقرير للمرصد السناري لحقوق الإنسان فإن الانتهاكات بحق المدنيين، تتضمن التهجير القسري والاغتيالات ونهب ممتلكات المواطنين، وأن الدعم السريع سيطرت على قرى الريف الجنوبي التابعة لمدينة السوكي قبل اقتحامها المدينة، ونفذت عمليات نهب واسعة وتهجير قسري للسكان.

نازحة تروي تفاصيل المعاناة

بالعودة إلى إفادة "دعاء"، وهي إحدى النازحات من ولاية سنار، وصفت أن "الدعم السريع كانت قد أغلقت الكبري أمام السيارات وفتحته فقط لعبور المشاة، مما أجبرنا على السير في شكل خط سير بحذر شديد وسط الزحام".

دعاء، التي كانت برفقة أهلها، تحدثت عن كيف كانوا يمسكون بأيدي بعضهم البعض لتفادي فقدان بعضهم البعض في الزحام. وأشارت إلى حادثة مؤلمة حيث "سقطت إحدى السيدات في النيل بسبب فتحات الكبري التي يمكن أن يسقط منها شخص نتيجة الازدحام.

كما ذكرت أن "الكثيرين فقدوا في هذه الأحداث، وسط انقطاع شبكات الاتصالات، مما جعل من الصعب تتبع المفقودين أو الحصول على أي معلومات حولهم".

 وقالت دعاء: "بعد عبورنا جسر الدندر، رأينا مشاهد مؤلمة؛ الكثير من الناس كانوا يحملون أمتعتهم راجلين، وأناس آخرون كانوا يحملون كبار السن، بينما الأفراد الذين يعانون من الإعاقة يحملون على الأكتاف والدرداقات" بحد وصفها.

وأضافت: "لم يكن هناك أي طعام في الدندر لمدة يومين، سوى بسكويت وماء، وكان البسكويت والماء، إذا لم تكن قد أحضرتهما معك من المنزل، غير متوفرين، حملنا معنا ثلاث حفاظات من الماء، ولكنها نفدت في اليوم الأول، كما أن البسكويت انتهى أيضًا في اليوم ذاته".

 الدعم السريع تنفي الاتهامات

بعد كل مجزرة أو حادثة تسارع قوات الدعم السريع لتقديم روايتها بشأن الانتهاكات التي تعرضت لها ولايات وسط السودان. وقد درجت قوات الدعم السريع إلى القول بأنها قامت بشن هجمات على "عناصر من الجيش والمخابرات ومتطوعين مساندين لهما"، لكنها لم تقدم ردًا واضحًا على الاتهامات الموجهة إليها بارتكاب العديد من المجازر التي راح ضحيتها "عشرات المدنيين" كما اسلفنا الذكر.

وفي ذات السياق، تنكر الدعم السريع في العديد من البيانات على منصاتها أي استهداف للمدنيين، مشيرة إلى أن من تم استهدافهم كانوا "مستنفرين مع الجيش" وحملوا السلاح وهددوا قواتها، مما جعلهم "هدفًا مشروعًا". وتدعي الدعم السريع أن ما جرى تداوله من قتل عشرات المدنيين وسلب ممتلكاتهم ما هو إلا افتراء من صنع عناصر النظام القديم واستخبارات الجيش لتشويه صورتها.

وأكدت الدعم السريع أنها تتخذ إجراءات لمحاسبة من ارتكبوا مخالفات من عناصرها ضد المدنيين، في الوقت الذي تواصل فيه المنظمات الدولية والمحلية ومراصد حقوق الإنسان رصد وتوثيق الانتهاكات المتزايدة التي تشهدها الدولة السودانية.

قراءة قانونية لانتهاكات وسط السودان

قدم عزام عبد اللطيف، المحامي والمدافع حقوق الإنسان، قراءة قانونية حول الانتهاكات التي حدثت في وسط السودان، مشددًا على مخالفة هذه الانتهاكات للمواثيق والمعاهدات الدولية.

ووفقاً لما ذكره: "الانتهاك في سياق النزاع المسلح يعني الخرق للتشريعات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان". وأشار إلى أن الجرائم المرتكبة في وسط السودان، بما في ذلك تلك التي تستهدف المدنيين والبنية التحتية المدنية، تتعارض مع المواد 189 و190 و191 و192 من القانون الجنائي السوداني، والتي تصف هذه الأفعال كجرائم حرب.

محامي: الانتهاكات التي ارتكبت في وسط السودان تتعارض مع المادة 4 من البروتوكول الثاني لاتفاقيات جنيف، التي تحظر الاعتداء على حياة الأفراد وصحتهم وسلامتهم البدنية والعقلية

وأضاف  عزام، "الانتهاكات التي تحدث في النزاع الحالي تخالف أيضًا القانون الدولي الإنساني، الذي يطبق في حالات النزاع المسلح، سواء كان دوليًا أو غير دولي". وأوضح أن هذا القانون يشمل اتفاقيات جنيف الأربع التي تهدف إلى حماية المدنيين، والتي وقع عليها السودان، مما يجعله ملزمًا بالامتثال لهذه الاتفاقيات.

 وذكر أن "الانتهاكات التي ارتكبت في وسط السودان تتعارض مع المادة 4 من البروتوكول الثاني لاتفاقيات جنيف، التي تحظر الاعتداء على حياة الأفراد وصحتهم وسلامتهم البدنية والعقلية، بما في ذلك القتل والمعاملة القاسية مثل التعذيب".

وأضاف عزام: "شُوهِدت عمليات خطف واعتداءات على كرامة الأشخاص، بما في ذلك جلد وضرب المدنيين، كما تظهر الفيديوهات، كذلك كانت هناك حالات للرق والسلب والنهب".

وأوضح عزام أيضاً أن "الحقوق الإنسانية تشمل احترام المرضى والجرحى والكوادر الطبية، ويجب حماية المدنيين من الهجمات العسكرية وضمان عدم تجويعهم. لكن الحصار على مناطق مثل سنار والجزيرة يتناقض مع هذه المبادئ".

وأكد عزام أن "هذه الانتهاكات تمثل خرقاً جسيماً للقانون الدولي الإنساني، مما يتطلب استجابة قانونية دولية صارمة".

نداء الوسط

أعلنت منصة "نداء الوسط" عبر مكتب العمل العسكري في 16 تموز/يوليو 2024 عن بدء تشكيل الدفعة الأولى من قواتها، مشيرة إلى انتهاكات قوات الدعم السريع التي اجتاحت ولايات وسط السودان.

 في بيان نشرته عبر "فيسبوك"، قالت المنصة إن الدعم السريع "نجحت في تمويه حقيقة الحرب التي تشنها ضد الشعب السوداني"، وأن "ضعف الاستعداد الرسمي والشعبي للمقاومة مقارنة بحجم التآمر" سهل لها ارتكاب الانتهاكات ضد المدنيين.

 وأعلن عن "فتح باب التطوع ضمن الدفعة الأولى من قوات نداء الوسط"، داعيًا "كل من يقدر على حمل السلاح للالتحاق بالدفعة الأولى". كما دعت المنصة إلى "تقديم المساهمات لتجهيز المقاتلين".

قوات نداء الوسط

في تصريحاته، وضح سهيل القراي، عضو نداء الوسط، أن "نداء الوسط" ليس مجرد "مجموعة ضغط أو منظمة مجتمع مدني"، وأضاف أن "ما أُخذ بالقوة يسترد بالقوة".

وأضاف: "لا يوجد فرق بين نداء الوسط والمقاومة الشعبية؛ نحن مقاومة شعبية منظمة، نقاوم وفقاً لإستراتيجيات و خطط مدروسة لمجابهة عدو متفوق في السلاح".

عضو بمجموعة نداء الوسط: "تدريب قوات نداء الوسط يتم بالتنسيق مع القوات المسلحة وهيئة العمليات والقوات النظامية الأخرى

وأشار إلى أن "تدريب قوات نداء الوسط يتم بالتنسيق مع القوات المسلحة وهيئة العمليات والقوات النظامية الأخرى". موضحًا أن تسليحهم يعتمد بشكل كبير على "تبرعات رجال الأعمال من الإقليم ومساهمات أبناء الإقليم"، بالإضافة إلى دعم "القوات المسلحة".

وقال القراي إن "عملهم الأساسي هو خلف خطوط العدو ومن داخل القرى لأنهم أبناء المنطقة"، مؤكدًا في ذات الوقت أن "نداء الوسط" يعمل تحت "إمرة القوات المسلحة".

تحديات وتحالفات

أشار سهيل القراي إلى أن "نداء الوسط" واجه تحديات متعددة، أبرزها "مصادر التسليح النوعي" و"التنسيق مع الجهات الرسمية". وأضاف: "عبر جهد مضني، تمكنا من تجاوز هذه التحديات وشرعنا في فتح معسكراتنا في جميع الولايات الآمنة".

 أكد القراي بقوله "لا وجود لتحالفات سياسية لدينا، ولكننا تحالفنا مع كل من يحمل سلاحه ضد الجنجويد. وبين صفوفنا توجد عضوية من جميع مكونات المجتمع وتنظيماته السياسية".

الجانب الإنساني والتوثيق

قال سهيل: "أطلقنا عددًا من المشاريع العلاجية في مراكز الإيواء، كما خصصنا أرقامًا للتواصل لإجراء مقابلات مجانية (أونلاين) مع أميز أطباء السودان في مجال الطب النفسي وتخصصات أخرى للذين اختاروا اللجوء، مع دعم فاتورة علاج المعسرين".

وأضاف: "نحن حاليًا نعمل على استقبال وتوفير احتياجات النازحين الذين وصلوا إلى القضارف وخشم القربة من سنجة والدندر". في هذا الصدد نوه سهيل أن لديهم "تقرير أسبوعي يصدر عبر المكتب الإعلامي لنداء الوسط، ويشمل كافة الانتهاكات التي تم توثيقها". وذكر "نعمل حالياً على إعداد تقرير مفصل لما حدث في إقليم الوسط منذ وصول الجنجويد"، على حد وصفه.

رسالة للمجتمع السوداني والدولي

في رسالة وجهها سهيل القراي، قال: "إلى الشعب السوداني وأهلنا في وسط السودان: نحن أبناء وسط السودان قررنا طرد المليشيات المعتدية خارج إقليمنا. نظمنا أنفسنا وأعددنا العدة، ولا شيء سيقف في طريقنا". إلى المجتمع الدولي: "لن يكون إقليم الوسط جائزة تمنح للجنجويد، ولن نقبل بأي اتفاق أو وقف لإطلاق النار إذا لم ينص صراحة على خروج مليشيات الجنجويد من إقليمنا".

الجدير بالذكر أن الحرب في السودان تسببت في أكبر موجة نزوح في العالم بواقع 11.1 مليون نازح داخلي وحوالي 2 مليون عبروا الحدود بحسب المنظمة الدولية للهجرة.

وقد برزت في الساحة مؤخراً المبادرة الأميركية للتفاوض حول وقف اطلاق النار المزمع قيامها في 14 آب/أغسطس الحالي، وقد تم توجيه دعوات لكل من الجيش والدعم السريع، وافق الأخير على الدعوة بسرعة فائقة، ولم يصدر بيان من الجيش حتى الآن. إلى جانب ذلك، أشارت بعض الحركات المسلحة إلى ضرورة دعوتها إلى المفاوضات.

أظهرت الأحداث منذ نهاية العام الماضي في وسط السودان حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها المدنيون بسبب الهجمات المتواصلة لقوات الدعم السريع

أظهرت الأحداث منذ نهاية العام الماضي في وسط السودان حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها المدنيون بسبب الهجمات المتواصلة لقوات الدعم السريع. تندرج هذه الانتهاكات ضمن إطار واسع من الجرائم ضد الإنسانية، تشمل القتل، الاغتصاب، التهجير القسري، نهب الممتلكات والمحاصيل، سرقة الآليات الزراعية، وتدمير البنية التحتية الحيوية.

أشارت العديد من التقارير الدولية والمحلية إلى أن الوضع في وسط السودان أصبح لا يطاق مع موجات نزوح كبيرة، حيث يعاني السكان من نقص حاد في الغذاء والدواء، مع انتهاك حقهم في الحياة، إلى جانب انقطاع خدمات الاتصالات في غالبية مناطق وسط السودان لشهور عديدة؛ هذه الظروف قد أدت إلى معاناة إضافية لملايين الأشخاص الذين كانوا بالفعل يعيشون في ظل أثار النزاع المستمر.

ردود الفعل المحلية مثل "نداء الوسط"  تعد خطوة هامة في مقاومة الانتهاكات المستمرة والدفاع عن الأرض والعرض والمال، رغم التحديات الكبيرة التي تواجه إنسان الإقليم الأوسط بشكل خاص والسودانيين بشكل عام.

ومع ذلك، فإن الحل الجذري يكمن في إيقاف الحرب ومعالجة جراح السودانيين عبر عملية عدالة انتقالية شاملة تكشف الحقيقة وتجبر ضرر الضحايا والناجين، مع إصلاحات مؤسسية جذرية ترتكز على أصوات الضحايا لضمان عدم تكرار الانتهاكات في المستقبل، ومن ثم التوجه إلى البناء وإعادة التأهيل والإعمار.