يحتفظ ساحل البحر الأحمر في شرق السودان، بالمباني ذات النمط المعماري الساحلي، وتتطابق في الشكل مع بعض المقار في مدينة جدة بالسعودية، وهي منطقة ساحلية على البحر الأحمر، ما يعني أن ثمة نقل المعمار الهندسي بين المنطقتين الساحليتين.
وكان المعماري البريطاني ديريك إتش ماثيوز، قد نشر مقالة له في العام 1953، حمل اسم نمط البحر الأحمر "the red sea style"، وتحدث المقال حول مبنى واحد في ساحل البحر الأحمر، بينما طرح فيه فكرة الثقافة المعمارية المشتركة والاتساق البصري، قائلًا: إن "هناك عددًا من المدن الواقعة على ساحل البحر الأحمر، كجدة في السعودية، ومصوع في إرتريا، وسواكن في السودان تتشارك في ذات الشكل والنسق".
ظهرت هندسة معمارية، تعرف باسم "هندسة البحر الأحمر"، جاءت استجابة للحالة الموجودة، وتتشاركها عدة مدن ساحلية
والجدير بالذكر، أن رحلات الحج التي ربطت البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي، جعلت رقعة المعمار الساحلي تنتشر حول العالم، وينقسم النمط السوداني المعماري الساحلي إلى أربعة أنماط، ويعود ذلك للتعدد العرقي الذي تتميز بها المنطقة التي شهدت التصاهر الكبير بين القبائل.
ووصف المعماري البريطاني ماثيوز، في مقاله مدينة سواكن بأنها ذات طابع عربي، وبالرغم من ذلك لم تخل المدينة من الطابع الأجنبي، الذي يعود إلى الأجانب الذين استقروا على الشواطئ في الماضي لأغراض التجارة أو الفتوحات العسكرية، والذين كانوا يحملون الجنسيات التركية والإيطالية والبريطانية والهندية.
مدينة سواكن
تختلف الهندسة المعمارية التقليدية التي طورتها المجتمعات بمرور الوقت استجابة للظروف البيئية وتوافر المواد من مكان لآخر، وذلك بحسب الظروف المناخية للمنطقة. ويشار إلى أن المناخ على طول ساحل البحر الأحمر، يتباين بين درجات الحرارة المرتفعة والرطوبة أثناء النهار وأشعة الشمس القوية والليالي المنخفضة الحرارة، فيما يمكن التنبؤ بحدوث العواصف الرملية والأمطار النادرة والغزيرة.
وتُعرف الهندسة المعمارية الخاصة التي تم تطويرها استجابة لهذه الظروف بشكل جماعي باسم نمط البحر الأحمر، وتعد مدينة سواكن أحد المواقع النموذجية القليلة الواقعة على الساحل السوداني، وفي أعقاب القرن الماضي تعرض عدد كبير من المنازل بالمدينة لأضرار بالغة، وذلك بسبب هجرة أهلها إلى بورتسودان حاضرة ولاية البحر الأحمر في العام 1909، حسبما ورد في مقال الباحث جاكي فيليبس، وما زالت بعض الدراسات تجري على معماريات المدينة، والتي تقوم في ذات الوقت بترميمها.
وتأخذ مدينة سواكن الشكل البيضاوي، وهي جزيرة مرجانية تقع على بحيرة عند نهاية قناة بحرية طويلة في البحر الأحمر، إذ يصل ارتفاع المدينة ما يقارب (3.1) متر فوق سطح البحر، وكان قد نشرت خريطة لمدينة سواكن في العام 1541 أظهرتها وهي تزدحم بالمباني الحجرية، وكانت تلك المباني مبنية من عدة طوابق، وبها أبراج مرتفعة تشبه المداخن.
صممت هذه المنازل على أن تكون واجهاتها مطلة على شاطئ البحر الأحمر، والتي عادة ما تتسم بها المنازل المنسوبة إلى طراز البحر الأحمر، وجدير بالذكر أن 279 منزلًا من هذه المباني ما زالت مملوكة لأفراد حتى الآن.
ملامح المباني
استخدم الحجر الجيري المرجاني المسامي، في بناء المنازل التي تعود إلى النمط الساحلي للبحر الأحمر، ويتم تشكيل هذه الحجارة إلى كتل متساوية الحجم، وعادة ما تتكون من طابقين إلى ثلاث طوابق، وكانت المياه العذبة تخزن في صهاريج مخصصة لمياه الشرب.
وقد احتوت آن ذاك على أنظمة مصممة للصرف الصحي، واعتمد هذا النظام على أعمدة رئيسية تصل بين السقف وباطن الأرض.
وتشير الأبحاث، إلى أن أساسات المباني كانت صغيرة بعض الشيء، ولكنها أظهرت الاستقرار والثبات العالي، بينما استخدمت الحجارة ذات الملمس الناعم من الشعاب المرجانية الداخلية في البنايات المركزية والهيكلية، كما استخدمت أيضًا في أعمال الديكور الخارجية، لتفضي جمالًا صاخبًا على المنازل في سواكن.
وأكثر ما يميز مباني نمط البحر الأحمر هي الرواشين التي تثبت على النوافذ، وتأخذ شكل "شيش" مقارنة بالمنازل الحديثة الآن، والغرض الوظيفي لها دخول الضوء والتهوية إلى المنزل، وجدير بالذكر أن الرواشين تثبت في الطوابق العلوية فقط، كما أنها تصنع من الألواح الخشبية التي يتم تجميعها بصورة معقدة، وتطلى باللونين الأخضر والأبيض.
استخدم الحجر الجيري المرجاني المسامي، في بناء المنازل التي تعود إلى النمط الساحلي للبحر الأحمر
واتبعت المنازل التقاليد الإسلامية، من حيث الفصل الداخلي بحيث يكون هناك أماكن مخصصة للنساء وأخرى للرجال، وتحتوي الغرف على جدار واحد على الأقل مقابل مساحة مفتوحة. أمّا بالنسبة للمخازن التجارية فقد كانت تبنى في الطابق الأرضي فقط.
وأكدت دراسة أن جميع المباني بسواكن قد تم ترميمها، مع عمل بعض التعديلات عليها، بحيث كانت هذه العمليات تتم بشكل مستمر في الحقبة الزمنية الماضية.