حكايات رمضانية: شمس الصيف اللاهبة ونعمة البطيخ
21 فبراير 2025
"في تلك السنة، صادف شهر رمضان صيفًا حارًا شمسه لاهبة، ومع اقتراب أيام الصيام بدا أكثر الناس قلقين ومتوجسين، يدعون الله سرًا وجهرًا أن يلطف الأجواء قليلًا حتى يتسنى لهم الصوم دون مشقة، عدا فئة صغيرة كانت فرحة جدًا، لأنها ترى أن الصيام دون معاناة وعطش غير مكتمل أصلًا".
حسن منصور: دخل رمضان ومنذ اليوم الأول بدا وكأن الشمس كانت تنتظر فقط استيقاظنا من النوم
يحكي العم حسن منصور، وهو رجل سبعيني، لـ"الترا سودان" بعض ذكرياته مع شهر الصيام في السودان. ويضيف: "حدث ذلك في ستينيات القرن الماضي، وقتها كنت شابًا صغيرًا أفتش عن عمل في مدينة النهود في كردفان، وربما كان ذلك رمضان الثالث الذي أصومه، أما تلك الفئة فكانت عمال العتالة في السوق الكبير وبورصة المحاصيل، وأغلبهم من قبيلتي الهوسا والفلاتة المعروفين بتدينهم الشديد وعدم تفريطهم في أداء العبادات أيًا كانت الظروف، بل قيل إنهم يتمنون الشتاء القارس حتى يتحدونه في أداء صلاة الفجر، وبالطبع الصيف اللاهب في رمضان حتى يجابهونه بالصيام الشاق الخالص لله".
تعد مدينة النهود إحدى أقدم المدن السودانية الحديثة، التي ارتبطت بالنشاط السياسي والثقافي منذ أربعينيات القرن الماضي، إلى جانب نشاطها التجاري الكبير، قبل أن ينتقل مركز سوق المحاصيل منها إلى عاصمة الإقليم الأبيض، ويرى بعض سكان النهود أن الأمر لم يخلو من مؤامرة ضد المدينة ذات التاريخ السياسي المناهض للحكومات بما فيها الاستعمار، مشيرين إلى أن الأمر أو المؤامرة تكررت مرة أخرى في عهد الإنقاذ حين قسمت الأقاليم إلى ولايات وأقصيت النهود أيضًا من أن تكون عاصمة لولايتها رغم عراقتها.
يقول العم حسن:"لم أجد وقتها عملًا أساعد به نفسي وأسرتي إلا الالتحاق بمجموعة العتالين في سوق المدينة الكبير وبورصة المحاصيل، كنت صاحب بنية قوية وأعرف بعضهم بحكم الجيرة، فقبلوني بينهم، وصرت أعمل باجتهاد وأكسب جيدًا إلى أن جاء ذلك الرمضان الذي صادف صيفا حارقًا وشمسًا لاهبة".
يؤمن قطاع كبير من السودانيين أن شهر رمضان المعظم هو شهر الخيرات وفيه تفتح أبواب الرزق والكرم الإلهي، لذا يجتهد الجميع خلال الشهر الفضيل، لاسيما من يعملون في الأسواق والمهن الحرة، لتحقيق أكبر مكاسب السنة خلال أيام رمضان، ويضحي أكثرهم بميزة الإفطار الرمضاني المنزلي، مفضلين إفطارات "الضرا الجماعية" في الشوارع والأسواق، وذلك حتى يستثمروا أكبر قدر من الوقت اقتناصًا للرزق الرمضاني الطيب.
يتابع العم حسن قص حكايته ويقول: "دخل رمضان، ومنذ اليوم الأول بدا وكأن الشمس كانت تنتظر فقط استيقاظنا من النوم. الصباح نار لاهبة، والنهار حرارته يمكن أن تشوي اللحم مصحوبة بسموم حارق يدمع العينين".
ويردف: "ذهبنا إلى السوق مبكرًا، وكما توقع زملائي العتالة وصل الرزق، وجدنا عشرات الشاحنات في انتظارنا، إما لتفريغ البضائع القادمة من دارفور أو شرق السوق، أو لشحنها ببضائع محلية إلى أنحاء البلاد المختلفة".
ذلك يوم لا ينسى يقول العم حسن ويضيف: "عند منتصف النهار بالضبط أحسست بأن جسدي استنفد كل طاقته وكل الماء الذي بحوزته، جلست على الأرض وأنا أفكر بالهروب من هذا المكان بينما أرى الرجال من حولي يتحركون في نشاط وسعادة وهم يرددون أهازيج العمل، وأذكر منها (الله والنبي يا وليه طلقيني)، وأفكر أنا في طلاق هذه المهنة إلى الأبد وليس في رمضان وحده، حينها اقترب مني شيخ العتالين وأمسك يدي وقال (ما بتمشي أي مكان، دا الموسم، موسم ربح المال والحسنات). جذبني بقوة من يدي ودفعني نحو جوالات العرديب والذرة والصمغ لأحملها على ظهري وأهرول نحو الشاحنات".
تعد بورصة النهود للمحاصيل ثاني أكبر سوق لمحصول الصمغ العربي في السودان بعد سوق الأبيض، وإضافة إلى الصمغ العربي، تشتهر سوق مدينة النهود بمحاصيل الفول السوداني وحب البطيخ والسمسم، وتعد مركزًا رئيسيًا للمنتجات الزراعية بولاية غرب كردفان وبعض أجزاء ولاية شمال دارفور المتاخمة.
يتابع العم حسن سرده، ولا يزال في اليوم الأول من رمضان ذلك الصيف اللاهب، يقول: "حين انتصف النهار وأصبح الجميع وكأنهم كائنات تقطر ماء. العرق ألصق الملابس بالأجساد وحرق العيون بالملح، وبينما الجميع يترنح وأنا على وشك السقوط، صرخ شيخ العتالين (بطيخ، البطيخ)".
يقول العم حسن إنه لم يفهم لحظتها ما المقصود بصراخ شيخ العتالين وإشارته إلى شاحنة قدمت للتو محملة بالبطيخ الكردفاني الشهي. هل هي دعوة للإفطار وتناول لب البطيخ الحلو وشرب مائه؟ أم هي مناداة لإفراغ شحنة البطيخ بعد أن لم يعد في الجسد طاقة لرفع حبة سمسم؟
يؤمن قطاع كبير من السودانيين أن رمضان هو شهر الخيرات وفيه تنفتح أبواب الرزق والكرم الإلهي
يصمت العم حسن لثوانٍ، يستدعي الذكريات ضاحكًا وكأنه يرى المشهد أمامه، يقول: "رأيت أغرب منظر في حياتي، هجم العتالة على شاحنة البطيخ، وكل واحد منهم يأخذ بطيخة ويقسمها على قسمين، ويضع قسمًا على رأسه والقسم الآخر على رأس أقرب زميل له".
يقهقه العم حسن ويقول: "حين وضعت شغفة البطيخ على رأسي وسال ماؤها متحدرًا على عنقي وظهري وصدري، أحسست وكأن برودة القطب الشمالي حلت على المكان، مشيعة حيوية غير متصورة في سائر أنحاء جسدي الذي كان ميتًا من الإنهاك قبل قليل فقط".
الكلمات المفتاحية

سيارات القصر الجمهوري… مُحركات شاهدة على تقلبات السودان
في مرأب يحيطه الإطار الزجاجي بالقصر الجمهوري الذي تفصله الحواجز الحديدية الشاهقة عن شارع الجامعة وسط العاصمة الخرطوم، تقبع سيارات باهظة الثمن في المتحف بعضها تعود إلى عامي 1934 و 1984، أُهديت من الدول والزعماء إلى الرؤوساء السودانيين الذين حكموا البلاد طوال السنوات الماضية.

ديربي وادي النيل: الهلال في نزال شرس ضد الأهلي المصري
يخوض فريق الهلال السوداني مساء اليوم الثلاثاء 8 نيسان/أبريل 2025، عند التاسعة مساء بتوقيت السودان، مباراة شرسة ضد فريق الأهلي المصري، في دور المجموعات من منافسة البطولة الأفريقية للأندية الأبطال.

حلويات العيد السودانية.. وصفات مختلفة ونكهات خاصة
قبيل الأعياد في السودان، عادة ما تعبق الطرقات برائحة حلويات العيد السودانية، لا سيما الكعك الذي يحمل رائحة مميزة ارتبطت في أذهان السودانيين بصباحات العيد المبهجة.

دوري السلام السوداني الرمضاني في أوغندا.. الكرة في مواجهة اللجوء
شهد دوري السلام السوداني في العاصمة الأوغندية كمبالا مشاركة واسعة من الشباب السودانيين اللاجئين، في أجواء رمضانية مفعمة بالحماس والتآخي الكروي، في حدث رياضي يعكس روح الوحدة والتعايش السلمي، خفف من مآسي الحرب واللجوء. البطولة التي ينظمها شباب سودانيون من اللاجئين في أوغندا

عامان من القتال: المجازر الكبرى والصغرى في حرب السودان
مع اختتام العام الثاني للحرب في السودان، ودخول العام الثالث، شهدت مناطق واسعة من ولاية شمال دارفور مجازر عنيفة ارتكبتها قوات الدعم السريع، التي تسعى لفرض سيطرتها على الإقليم المنكوب بالحروب والمجاعات، في ظل فساد الساسة والقادة.

بعد عامين من الحرب... إلى أين يتجه المشهد العسكري في السودان؟
تدخل حرب السودان عامها الثالث، وسط توقعات باشتداد وتيرة العمليات العسكرية في غرب البلاد وجنوبها، مع انخفاضها في الوسط، مما يؤكد استمرارها، لا سيما في ظل عدم وجود حل سلمي يلوح في الأفق لإيقاف القتال الذي خلف آلاف القتلى وشرد ملايين النازحين واللاجئين.

السودان… أزمة إنسانية واقتصادية على أعتاب حرب ثالثة
على أعتاب العام الثالث من حرب السودان تتنامى التحذيرات من موجات نزوح جديدة، وتفشي المجاعة في مناطق أكثر هشاشة بإقليم دارفور وكردفان، مع احتدام الصراع بين الجيش والدعم السريع خلال الشهر الماضي.

لاجئون سودانيون يبدأون رحلات شاقة لمغادرة مصر إلى بلادهم
مع عودة آلاف اللاجئين السودانيين من المدن المصرية تشهد المعابر حركة واسعة للحافلات وفق متابعة متطوعين في غرف الطوارئ بالولاية الشمالية، بينما رجح عاملون في تنسيق هذه الرحلات عودة نصف مليون لاجئ سوداني خلال هذا العام من مصر إلى بلدهم إثر سيطرة الجيش على العاصمة الخرطوم، وعودة الحياة بشكل متدرج.