بزيارتهِ إلى السُودان؛ يكون الرحّالة اليمني "أحمد عبده القاسمي"، قد زار (52) دولة، في قارتين. بدأ رحلاته قبل ما يقرب من (30) عامًا، تعرّف فيها على العديدِ من الثقافات، والأجناس والطباع. تعرّض فيها لمخاطر الطبيعة، والإنسان، والحيوان. وخرج من مخاطر محقّقة، بقُدرته على فهم طبائع البشر، وحِيلهِ الواسعةِ التي اكتسبها من رحلاته، وإنْ لم تسعفه كل هذه؛ فالعنايةُ الإلهية حاضرةٌ، وهي ما أخرجه من هذه وفيات عديدة، بحسب ما روى قصصه من الخرطوم لـ"الترا سودان".
سبب اختيارهُ للجمال في رحلاته، هي رغبته في التميُّز عن بقيّة الرحّالة في العالم، بجانب قُدرة الجِمال على التحمُّلِ.
يقول القاسمي، وهو يحتسي القهوة السُودانية "الجبنة"، خفيفة السُكّر، بأنّ سبب اختيارهُ للجمال في رحلاته، هي رغبته في التميُّز عن بقيّة الرحّالة في العالم، بجانب قُدرة الجِمال على التحمُّلِ. ويُضيف القاسمي: "الجَمَل، سُمّي جَمَلًا، لأنّه يحوي عددًا من الصفات الجميلة التي أعانتني في رحلاتي. من ذلك أنّ لها القُدرة العالية على تحمّل تعب المسير، وشدّة العطش". وهي أيضًا تحميه من مخاطر الطبيعة، أثناء رحلاته الطويلة؛ الأمر الذي لا يتوفّر في الدرّاجات الناريّةِ والسيّارات مثلًا، فهي تحتاجُ للوقود وتغيير الإطارات، فضلًا عن الأعطال في صحراء ينعدمُ فيها ميكانيكي.
اقرأ/ي أيضًا: غناء "الراب" في السودان.. ألحان على إيقاع الثورة
ويسرد القاسمي عددًا من المخاطرِ التي واجهته في رحلاته التي قطع فيها أكثر من (41) ألف كيلو متر، ويستدعي حينما اعترضهُ سبعة من قُطّاع الطُرق، بمدينة "موجي"، على الحدود الإثيوبية الكينيّة. ولصوصًا في موزمبيق، وآخرين في الصومال، وغيرهم، وغيرهم.
قصصٌ فيها من المأساةِ والملهاة الكثير، لكن القاسمي يخرجُ منها كلها، بحيلهِ العديدةِ؛ التي أكسبتها إياهُ كثرة الرحلات. لكن أقساها –فيما يرى- ما تعرّض له بدولة جنوب السودان، إذْ اتهمه رجال الحدود فيها بالتخابر لصالح دولة السودان. ثم أودعوه السجن، لكنهم أصروا على ادعائهم حتى عندما رأوا صحفًا بلغاتٍ عديدةٍ، وصورًا عُدة يحملها معه، لأُناسٍ من دولٍ وقاراتٍ مختلفةٍ. ولم يتمكن من إقناعهم إلا عندما أراهم صورًا له مع زُعماء من دولةٍ جنوب السودان.
صفاتٌ عديدةُ كسبها القاسمي، وهو يتنقّلُ من مكانٍ لآخر، ومن مُجتمعٍ لآخر. أبرزها: قُدرته على تمييز ملامح الناس، وملبسهم، وكذا طِباعهم. ما أن يُجالسهُ أحدٌ إلا وخمّن أنّه من إقليمِ كذا، في دولة كذا، أو قبيلة كذا، وعشيرة كذا. ويصفُ السودانيين بكونهم أظهر المجتمعات التي زارها؛ في بساطتهم، ورغبتهم المُلحّة في التطوّع لخدمة الغريب والضيف. وهو ما لاحظه في رحلاته الثلاثة إلى السودان في الأعوام (1994)، (2016)، و(2020). ويقول: "الذي تغيّر في طباع السودانيين هو: "زيادة بياض قلوبهم، واشتداد كرمهم". ربما كان الرجل يجامل كثيرًا في حديثه كعادة المرتحلين، لكن حالة التضامن الجماعي كانت هي من الأشياء التي ازدادت أثناء وبعد الثورة التي بثت الأمل في قلوب الكثير من الناس.
اقرأ/ي أيضًا: بعد 40 عامًا على رحيل "منى الخير".. "عيون المها" ما تزال تغازل وجدان الناس
الرحلة الأولى للرحالة القاسمي إلى السودان، التقى فيها بشخصياتٍ عديدةٍ، وما تزالُ غالب صِلاته معهم ممتدة. لكن يُشير بطرافةٍ إلى لقاءٍ جمعه في زيارته الثانية، بالعميد "يوسف عبد الفتّاح"، أحد منفّذي الانقلاب وقيادات الإنقاذ. يقول القاسمي وهو يضحك: "التقيتْ "عبد الفتّاح" وعرّفته بنفسي، لكنّه أنكرني، وهو يعرفني. ذكّرته بصُحبتي له، بإستاد الخرطوم، وبإستاد مدينة شندي، لحُضور مباراتين لكرة القدم، حيث أمر بغلظةٍ بقطعهما الإثنين مع آذان المغرب والمباراتان لم تنتهِيا، ليأمر الجميع بأداء فريضة الصلاة، وأمّهم جمعًا في الصلاة جَبْراً في أرض ملعب كُرة القدم، ثمّ عقب الصلاةِ، أمر مرةً أخرى باستئناف اللعب".
يعكف الرحالة اليمني الآن على طباعة كتابه السادس في أدب الرحلات، والذي أسماهُ "من اليمن إلى المغرب".
يطوفُ القاسمي في رحلاته، وهو على ظهر جَمَلٍ، يحملُ معه أعشابًا لهُ ولجمله، لتمدّهما بالطاقة. وحقيبة فيها عسل النحل، والمؤن التي تقيه شر التقلصات العضليّة، والأوبئة والحشرات والزواحف. كما يحمل في حقيبةٍ متوسطةٍ، ناموسية، ومظلّة تقيهِ شدة الشمس، وزخات المطر. ثم يتركُ لعينيه الدقيقتين المساحة الرّحبةِ للتأمُّلِ، وقراءة عُيون البشر في المجتمعات التي يحلُ عليها مرتحلًا.
وبرأيه فإنّ العين هي أكثر مدخلٍ لقراءةِ نَفْس الإنسان، وعبر هذه القراءة يتوقّع كيف سيتعامل معه الناس.
يعكف الرحالة اليمني "أحمد عبده القاسمي"، الآن على طباعة كتابه السادس في أدب الرحلات، والذي أسماهُ "من اليمن إلى المغرب". فالرجل بخلاف أنه يعشق الرحلات، هو كاتب ومدون لرحلاته، ويأمل أنْ يُكمل رحلاته حول العالم، وهو على ظهر جمل.
اقرأ/ي أيضًا