سواكن.. فوضى الميناء تهدد اقتصاد السودان
9 مارس 2025
نظرات ندم وحزن اعتلت عيني "أحمد بابكر" العائد إلى السودان، بعد خمس سنوات قضاها مغتربًا بالمملكة العربية السعودية، منبع هذه الأحاسيس ما تعرض له في ميناء سواكن، من معاملة أقل ما توصف بأنها سيئة من قبل بعض العمال الذين سرقوا أمتعته وخربوا أشياءه بصورة فظة، مثلما قال لـ"الترا سودان".
أطلق مغتربون في السعودية تحذيرًا بعدم العودة إلى البلاد عبر ميناء سواكن تجنبًا للنهب والابتزاز
ما حدث مع أحمد بابكر هو نموذج لما يشهده ميناء عثمان دقنة في مدينة سواكن بولاية البحر الأحمر "شرقي السودان".
فالشكوى تتردد عن حالات نهب وابتزاز وتهديد، بسبب بعض العمال في الميناء الذين يفرضون رسومًا تعجيزية على المسافرين والعائدين على مرأى ومسمع السلطات.
يقع ميناء سواكن على الساحل الغربي للبحر الأحمر، ويبعد عن مدينة بورتسودان العاصمة الإدارية الجديدة 60 كيلو مترًا، وعن العاصمة الخرطوم نحو 560 كيلو متر، ويمثل مركزًا تجاريًا، استخدمه الفراعنة والإغريق والرومان، والعرب في العصور الوسطى، ومن بعدهم العثمانيون في القرن السادس عشر، قبل أن يتم تطويره ليصبح المعبر الوحيد لنقل الحجاج من شرق ووسط وغرب أفريقيا.
نهب وابتزاز
في الأيام الماضية ترددت شكاوى من بعض العائدين إلى الوطن عبر بوابة ميناء سواكن، بسبب استغلالهم من بعض ضعاف النفوس من العاملين في الميناء وسط غياب واضح للرقابة الأمنية والإدارية.
وأطلق بعض العاملين في المملكة العربية السعودية تحذيرًا بعدم العودة إلى البلاد عبر ميناء سواكن، تجنبًا للنهب والابتزاز وفقدان الأموال .
وتداول ناشطون عبر مواقع التواصل عشرات القصص المتشابهة عن وقوع جرائم سرقة ونهب وتهديد وابتزاز، وصل بعضها للتعدي على أحد المسافرين بالطعن داخل الميناء بعد رفضه دفع مبلغ 2000 ريال سعودي نظير حمل أمتعته، دون تدخل من الجهات المختصة.
غياب الرقابة
وبدوره، شكا المغترب في السعودية محمد عمر، من تعرضه لعملية نهب مماثلة عند عودته إلى زيارة والده الذي يرقد في أحد مستشفيات البحر الأحمر، إذ فقد بعض الأمتعة وفيها أدوية تخص والده كانت معدومة في السودان.
وقال عمر لـ"الترا سودان": إن "غياب الرقابة الصارمة أثرت على سمعة الميناء، وعكست صورة سيئة عند أغلب المغتربين في المملكة العربية السعودية، وفضل عدد كبيرة منهم العودة إلى البلاد عبر مطار بورتسودان والشمالية حتى لا يصيرون عرضة للسرقات والابتزاز.
رسوم الخدمة
على الرغْم من تردي الخدمات وانعدام بعضها إلا أن إدارة ميناء سواكن تفرض رسومًا طائلة على المسافرين عبر بوابة السودان الشرقية.
ويقول مصدر محلي لـ"الترا سودان"، إن الميناء أصبح مرتعًا للفساد والفوضى، وأن إدارة الميناء تفرض على الخدمات المعدومة رسومًا تقدر بـ(43) ألف جنيه سوداني، أيّ ما يعادل (17) دولارًا.
وأوضح المصدر أن المبالغ المفروضة عبارة عن دمغة سياحة (100) جنيه، ودمغة إيصال (400) جنيه، ورسوم إيصال (500) جنيه، ودمغة الصحة (2000) جنيه، ورسوم تحسين شبكة 5000 جنيه، وخدمات أمنية (5000) جنيه، والدعم الفني (5000) جنيه، إضافةً إلى رسوم المغادرة (25000) جنيه.
وأشار المصدر إلى أن الخدمات المذكورة في الايصال أغلبها غير موجود.
وطالب بضرورة حصر العمال، وإلزامهم بارتداء زي رسمي موحد يكتب عليه اسم العامل، لمساعدة العملاء في التعرف على الموظفين بسهولة، في حال تعرضهم لأي عملية احتيال أو ابتزاز يبلغ الإدارة باسم العامل، بالإضافة إلى تحديد سعر ثابت لحمل أمتعة المسافرين.
ظواهر سالبة
وظل المسافرون والتجار العابرين عبر ميناء سواكن لفترات طويلة يتعرضون لعمليات نهب وابتزاز، ولم يتم القضاء على تلك الظاهرة بالرغْم من المجهودات الكبيرة التي بذلتها الجهات المختصة، مما أدى إلى إحجام عدد كبير من المواطنين عن السفر عن طريق ميناء سواكن.
إغلاق الميناء
في مطلع يناير 2025 أغلق عمال الشحن ميناء سواكن احتجاجًا على عدم منحهم رواتبهم نقدًا وتحويلها إلى الحسابات المصرفية، بناءً على قرار مجلس الوزراء رقم (149) الخاص بتنظيم الصرف، الذي ألزم به جميع الوحدات والهيئات العامة والشركات الحكومية بصرف استحقاقات العاملين فيها عبر الحسابات البنكية فقط وألا يتم الصرف نقدًا، كما تم إخطار جميع العاملين الذين ليس لديهم حسابات بنكية بفتح حسابات مرتبات بالبنوك المختلفة.
ودرجت جهات عمالية وأهلية وسياسية على إغلاق الموانئ مع كل احتجاجات مطلبية، وبدأت هذه الاحتجاجات في عام 2021 وقادت بشكل مباشر إلى إسقاط حكومة الفترة الانتقالية برئاسة عبد الله حمدوك.
إجراءات قانونية
أمس السبت 8 آذار/مارس 2025 وجه مشرف القطاع الشرقي بهيئة الشرطة، اللواء سامي حامد بتنفيذ كافة التدابير التي تضمن أمن وسلامة المسافرين عبر الميناء، وحسم كافة المظاهر المخالفة للقانون واتخاذ الإجراءات القانونية في مواجهة المتورطين وإحكام التنسيق بين القوات العاملة في الميناء والعمل على تجويد الخدمات المقدمة للمواطن.
تضخيم وتهويل
من جهتها، قالت هيئـــة الموانئ البحرية إن ما دار بشأن ميناء سواكن في الميديا والأسافير أضخم مما حدث على أرض الواقع، وأكدت في "بيان" اليوم الأحد 9 آذار مارس 2025 أن ما تتناقله الوسائط وبعض الناشطين تم بصــــورة مضخمة ومبالغ فيها، وتهويل يتجاوز نوايا النقد البناء إلى أغراض أخرى ذات علاقة باستهداف ولاية البحر الأحمر، واستهداف موانيها التي لا يستطيع أحد إغفال دورها في إسناد الدولة والقوات المسلحة في سنين الحرب العجاف والمؤامرة الكبيرة على البلاد".
وأشار البيان إلى أن العمل بميناء سواكن ينساب الآن بصــــــــورة طبيعية سلسة دون عوائــــق أو مشكلات أو تعقيدات.
وقالت إن الجهات المختصة اتخذت ما يلزم من تدابير أمنية وإجراءات حاسمة وصارمة تضع حدًا لأي تفلتـات أو تجاوزات يحاول البعض استغلالها لإثـــــارة الفوضى أو استهداف ولاية البحر الأحمر أو أهلها أو موانيها.
معالجة السلبيات
وبدورها، تقول الصحفية والخبيرة الاقتصادية نازك شمام، لـ"الترا سودان"، إن "الميناء يحتاج إلى معالجة كثير من السلبيات منها طريقة شحن وتفريغ بضائع المسافرين البدائية، ففي زمن السير والمناولة الآلية يتم التعامل مع أشياء المسافرين بعبثية وعدم اكتراث، وهناك أشياء غالية الثمن داخل هذه الأمتعة وقابلة للكسر ولا يصح رميها بإهمال.
وأوضحت نازك، أن عمال المناولة والتفريغ يمكن حل مشاكلهم بوضع تعريفة للكيلو، واعتماد نقابة عمال وبطاقات لكل داخل إلى الميناء وصالة وصول العفش والمسافرين.
وطالبت شمام، المسؤولين في الميناء بضرورة تفعيل القوانين وتقديم مسيري الفوضى إلى محاكمة عادلة حتى يكونوا عظة لغيرهم، وأن لا تترك مثل تلك التفلتات تذهب دون محاسبة، لأنها ستؤثر على سمعة الموانئ السودانية.
وقالت إن الميناء يعد موردًا اقتصاديًا مهمًا للسودان، خاصة بعد توقف أغلب المطارات بسبب الحرب وارتفاع تذاكر الطيران بشكل جنوني، ولا يستطيع أغلب المغتربين أصحاب الرواتب المتدنية السفر عبر خطوط الطيران.
شيطنة العمال
فيما قلل أحد العمال مما يحدث داخل الميناء، وقال لـ"الترا سودان"، إن مجموعة محدودة من العمال يقومون باستغلال المغتربين القادمين عبر ميناء سواكن بعد توصيل "عفشهم" من الميناء إلى الفندق، ويطلبون مبالغ مالية كبيرة بالريال السعودي، خلاف ما تم الاتفاق عليه في ميناء سواكن، مضيفًا أن "هذا الاستغلال يحدث خارج ميناء سواكن".
مطالب بحصر العمال وإلزامهم بارتداء زي موحد يكتب عليه اسم العامل لمساعدة العملاء في التعرف على الموظفين
واتهم جهات - لم يسمها - بأنها لديها غرض، وتعمل على شيطنة عمال الموانئ، واتهام مكون قبلي معين بأنه ينهب ويبتز داخل ميناء سواكن بغرض إشعال نار الفتنة في شرق السودان.
وأشار إلى أن إنسان شرق السودان فطن لهذا السيناريو ولن ينجر وراء تلك الشائعات لتفويت الفرصة على من وصفهم بـ "ضعاف النفوس" أصحاب الغرض، مضيفًا: "وسنخرس ألسنة دعاة الفتنة الذين لا يريدون للسودان السلام والاستقرار".
وشدد على أن العاملين بالميناء من أبناء سواكن سيتجاوزن هذه الأزمة وسيعود الميناء كمان كان، موردًا اقتصاديًا مهمًا، يساعد في تعافي الاقتصاد السوداني الذي تأثر بالحرب".
الكلمات المفتاحية

ترتيبات لبدء عملية استبدال العملة في ولايتي الخرطوم والجزيرة
ترأس عضو مجلس السيادة الانتقالي، مساعد القائد العام الفريق مهندس إبراهيم جابر، اليوم، اجتماع لجنة استبدال العملة، بحضور وزير مجلس الوزراء المفوض بمهام رئيس الوزراء، إلى جانب عدد من الوزراء وممثلي الجهات الاقتصادية والأمنية ذات الصلة.

وزارة المالية تبحث إعفاء ديون السودان في اجتماعات صندوق النقد الدولي
قالت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي إن وفدًا حكوميًا يشارك في واشنطن في اجتماعات صندوق النقد الدولي، ومن أبرز الملفات المطروحة بالنسبة للسودان إعفاء الديون الخارجية

الخدمات تنهار.. عامان من الحرب يثقلان كاهل السودان
بملامح يعلوها القلق، تراقب هند هاتفها النقال بين الفينة والأخرى، أملًا في أن تجد رسالة تطمئنها على عائلتها في أم درمان، بعد انقطاع التيار الكهربائي عن المنطقة لنحو سبعة أيام.

عامان من القتال: المجازر الكبرى والصغرى في حرب السودان
مع اختتام العام الثاني للحرب في السودان، ودخول العام الثالث، شهدت مناطق واسعة من ولاية شمال دارفور مجازر عنيفة ارتكبتها قوات الدعم السريع، التي تسعى لفرض سيطرتها على الإقليم المنكوب بالحروب والمجاعات، في ظل فساد الساسة والقادة.

بعد عامين من الحرب... إلى أين يتجه المشهد العسكري في السودان؟
تدخل حرب السودان عامها الثالث، وسط توقعات باشتداد وتيرة العمليات العسكرية في غرب البلاد وجنوبها، مع انخفاضها في الوسط، مما يؤكد استمرارها، لا سيما في ظل عدم وجود حل سلمي يلوح في الأفق لإيقاف القتال الذي خلف آلاف القتلى وشرد ملايين النازحين واللاجئين.

السودان… أزمة إنسانية واقتصادية على أعتاب حرب ثالثة
على أعتاب العام الثالث من حرب السودان تتنامى التحذيرات من موجات نزوح جديدة، وتفشي المجاعة في مناطق أكثر هشاشة بإقليم دارفور وكردفان، مع احتدام الصراع بين الجيش والدعم السريع خلال الشهر الماضي.

لاجئون سودانيون يبدأون رحلات شاقة لمغادرة مصر إلى بلادهم
مع عودة آلاف اللاجئين السودانيين من المدن المصرية تشهد المعابر حركة واسعة للحافلات وفق متابعة متطوعين في غرف الطوارئ بالولاية الشمالية، بينما رجح عاملون في تنسيق هذه الرحلات عودة نصف مليون لاجئ سوداني خلال هذا العام من مصر إلى بلدهم إثر سيطرة الجيش على العاصمة الخرطوم، وعودة الحياة بشكل متدرج.