مجتمع

عائدون إلى الديار... كيف خيبت الأوضاع آمالهم؟

25 أبريل 2025
عودة اللاجئين
عودة اللاجئين
منصور الصويم
منصور الصويم كاتب من السودان

بعد تمكن الجيش من بسط سيطرته على مدينة بحري في ولاية الخرطوم، في أواخر العام الماضي 2024، قررت المحامية ندى أحمد، مغادرة أرض اللجوء في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، والعودة إلى السودان.

تقول ندى أحمد، لـ"الترا سودان": "كنت قد وصلت إلى آخر مراحل اليأس، فكل مدخراتي نفدت، والإيجار ومصروفات الإقامة تحتاج إلى مبالغ طائلة في إثيوبيا، لذا بمجرد إعلان الجيش سيطرته على بحري قررت العودة".

يبقى الحل الأسلم لمعالجة أزمتهم وأزمات البلاد عامة في إخماد صوت الرصاص، وإنهاء الحرب

يواجه الكثير من اللاجئين في الدول المجاورة للسودان ظروفًا ضاغطة بعد مرور عامين منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023، ففرص العمل ضئيلة جدًا في هذه الدول، ومن كان يعتمد على مدخراته الخاصة لابد واستنفدها مع استمرار الصرف دون دخل، أما المغتربون في دول الخليج والسعودية والمهاجرون في أوربا وأميركا، فقد أرهقوا وباتت أوضاعهم مشابهة لأحوال أقاربهم ومعارفهم من اللاجئين جراء الحرب.

معاناة العودة

في الشهر الأول بعد عودتها تقول المحامية ندى، إنها لم تحس بحجم المعاناة التي تنتظرها، فقد كانت فرحة إلى الحد الذي جعلها تتعامى عن كل منقص حياتي مهم. تقول: "على العكس أكثرت في تلك الفترة من نشر الصور، والكتابة على مواقع التواصل الاجتماعي مبدية سعادتي بعودتي، وحث الآخرين على ذلك". تضيف ندى: "تكشفت المعاناة بعد ذلك، انعدام الخدمات، قطوعات الكهرباء، قلة المواد الغذائية، كثرة الأمراض وخطورتها، وفوق ذلك وأكثرها قسوة غياب الماء.. لم أستطع الاحتمال وحزمت حقائبي مرة أخرى، وسافرت هذه المرة إلى القاهرة".

ليس لكل اللاجئين السودانيين في دول اللجوء القدرة على العودة إلى السودان، ومن ثم مغادرته مرة أخرى، فالبعض يرغب في العودة بعد أن تقطعت به السبل، لكن "الظروف المادية" القاهرة تعجزه عن ذلك مثلما يقول الطيب زين العابدين، المقيم في كمبالا الأوغندية، ويضيف لـ"الترا سودان": نعم أدرك حجم المعاناة الآن في السودان، سواء في المناطق المشتعلة بالمعارك أو داخل الولايات المستعادة والآمنة، لكن برغم ذلك أرى أن المعاناة داخل بلادي أرحم مليون من مرة من مقاساتها في بلاد الآخرين، حيث لا أحد يهتم بك أو يلتفت إليك".

سيد أحمد الخزين يقول إنه عاد من القاهرة إلى بلدته كسلا بعد أن خرج المؤجرون من منزله وفشل في إيجاد بديل لهم، يقول: "عاد أكثر النازحين إلى مناطقهم، لاسيما القادمين من ولاية الجزيرة، كنا نعتمد على إيجار المنزل في تسيير شؤوننا في القاهرة والآن لا أعرف ماذا أفعل". يستدرك الخزين ويضيف لـ"الترا سودان": "نعم عدت وحدي وتركت أفراد أسرتي في القاهرة، رأيت أن أعود لاستكشف الوضع أولًا، وما أراه أمامي يدفعني إلى الرجوع مرة أخرى إليهم، وقبل ذلك البحث عن مؤجر آخر للمنزل".

يرجع الخزين قرار العودة مرة أخرى إلى القاهرة إلى عدة أسباب، أهمها في رأيه أن تهديد الحرب لا يزال مستمرًا، ففي أية لحظة قد تتعرض كسلا أو غيرها من المدن إلى هجوم المسيرات، مثلما يحدث في كل يوم الشمال والشرق، كما أن تفشي الأمراض أحد الأسباب الرئيسية التي تجعله يفكر ألف مرة قبل أن يعيد أطفاله.

مطالبات بالعودة

أصدرت حكومة ولاية الخرطوم الأيام الفائتة قرارًا يلزم موظفي الحكومة بالعودة فورًا لممارسة أعمالهم من داخل الولاية، مبررة ذلك بأن الأمن استتب في الخرطوم، وليس هناك ما يدعو إلى غياب الموظفين والعمال.

فدوى البشير، الموظفة بمحلية جبل أولياء، تقول إنها لا تمانع في العودة إلى السودان، بل هذا ما تتمناه، وتضيف في إفادتها لـ"التر سودان": "لكن أين سأسكن؟ فبيتنا في منطقة الكلاكة تعرض للسرقة ونهب كل شيء حتى سقوف الغرف". وتزيد متسائلة: "وإن فرضنا إن الولاية يمكنها أن توفر لي السكن، باعتباري وحدي، هل ستغطي تكاليف علاجي من الأمراض وحمايتي من المهددات الأمنية؟".

تشكو مناطق واسعة داخل ولاية الخرطوم من انقطاع متصل للكهرباء والمياه، مع ارتفاع حاد في نسبة الأمراض القاتلة مثل الملاريا والكوليرا وحمى الضنك، كما يعاني مواطنو الولاية من شح كبير في الأموال النقدية وندرة في المواد التموينية، لاسيما في المناطق المستردة حديثًا عن طريق القوات المسلحة.

الموظف بإحدى منظمات الأمم المتحدة العاملة في السودان، غازي عبدالرحيم، يقول لـ"التر سودان": "رغم أن المنظمة توفر السكن وراتبًا شهريًا جيدًا، إلا أنني بعد عودتي، فضلت أن يظل أطفالي في كمبالا وألا يعودوا إلى السودان، فهناك على الأقل أضمن لهم استقرارًا في الدراسة ونظامًا صحيًا متصلًا، بعكس ما يحدث في البلدة التي أعمل فيها".

ويردف عبدالرحيم: "بعد كل ثلاثة أشهر أسافر إليهم، أبقى معهم لمدة قد تمتد إلى عشرين يومًا أو أقل وبعدها أعود مرة أخرى إلى السودان، وهذا أفضل وآمن بالنسبة لهم".

يرجع الخزين قرار العودة إلى القاهرة إلى عدة أسباب أهمها في رأيه أن تهديد الحرب لا يزال مستمرًا 

في مباحثاته الأخيرة مع البنك الدولي، صرح وزير المالية جبريل إبراهيم، الخميس 24 نيسان/أبريل 2025، إنه طلب مساعدة السودان في عمليات احتواء ومكافحة مخلفات الحرب، المتمثلة المقذوفات غير المتفجرة والألغام وغيرها، إضافة إلى جمع وإعادة دفن آلاف الجثث المنتشرة بشكل خاص في ولاية الخرطوم، وتشكل تهديدًا بيئيًا وصحيًا كبيرًا للمواطنين.

يظل حلم العودة إلى البلاد هو الحلم الرئيسي لكل اللاجئين السودانيين في الدول المجاورة، ويبقى الحل الأسلم لمعالجة أزمتهم وأزمات البلاد عامة في إخماد صوت الرصاص، وإنهاء الحرب التي قضت على كل شيء.

الكلمات المفتاحية

الطقس 2.jpg

السودان… وسائل بدائية للاحتماء من حرارة الطقس 

قاربت درجة الحرارة في مدن شمال وشرق البلاد من 50 درجة مئوية يومي الجمعة والسبت 17 أيار/مايو 2025، ولجأ المواطنون إلى ظلال الأشجار والأغطية المصنوعة من القش لتفادي حرارة الطقس مع قطوعات الكهرباء.


العاصمة السودانية الخرطوم وغرف الطوارئ

ما هي تداعيات قرار منع العمل الطوعي بالخرطوم دون تسجيل؟

القرار الحكومي، الذي نشرته حكومة ولاية الخرطوم في بيان رسمي على موقع وكالة الأنباء السودانية، توعد المخالفين بإجراءات قاسية، الأمر الذي يهدد العشرات من غرف الطوارئ


الخرطوم بحري

الخرطوم بحري.. مدينة لم تُروَ مأساتها بعد

في الشوارع الخلفية والأسواق الصغيرة بالخرطوم بحري، تشاهد ركام المعارك، والأواني المبعثرة، وقصصًا مأساوية لم يُروَ نصفها


اقتصاد السودان سوق.jpg

مهداوي أم درمان... الحياة تقاوم في عتمة الحرب

ظلام دامس يحيط بضاحية المهداوي في بعض الأوقات، ومع ذلك هنا تشعر بصخب المدينة البعيدة عن الحرب في قلب أم درمان.

عامان على الحرب في السودان
سياسة

السودان… أزمة إنسانية واقتصادية على أعتاب حرب ثالثة 

على أعتاب العام الثالث من حرب السودان تتنامى التحذيرات من موجات نزوح جديدة، وتفشي المجاعة في مناطق أكثر هشاشة بإقليم دارفور وكردفان، مع احتدام الصراع بين الجيش والدعم السريع خلال الشهر الماضي.

مجابهة الكوليرا بالولاية الشمالية.jpg
أخبار

مركز الطوارئ: 2323 إصابة بالكوليرا في السودان خلال 3 أسابيع 

كشف اجتماع مركز عمليات الطوارئ، المنعقد اليوم الثلاثاء بمدينة كسلا، عن تسجيل 2323 حالة إصابة بالكوليرا خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، بينها 51 وفاة، مشيرًا إلى أن 90% من الإصابات والوفيات سُجلت في ولاية الخرطوم، تحديدًا في محليتي كرري وجبل أولياء.


شيخ كهنة السودان
أخبار

كنائس تنعى شيخ كهنة السودان الأب فيلوثاوس فرج 

نعت كنيسة الشهيد العظيم الأمير تادرس الشطبي وعدد من الكنائس السودانية الأخرى، اليوم الثلاثاء، الموافق 20 أيار/مايو 2025، الأب الدكتور القمص فيلوثاوس فرج، شيخ كهنة السودان، الذي توفي في العاصمة المصرية القاهرة عن عمر يناهز الثمانين عامًا.

البرهان-4_0.jpg
أخبار

بوتين يوجه دعوة رسمية للبرهان للمشاركة في القمة الروسية العربية

تلقى رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول الركن عبدالفتاح البرهان، دعوة رسمية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للمشاركة في القمة الروسية العربية .

الأكثر قراءة

1
سياسة

الخرطوم.. الجيش يسيطر وأحلام العودة تراود السكان


2
رأي

لأول مرة منذ 12 عامًا.. الدعم السريع خارج ولاية الخرطوم 


3
أخبار

التقاء القوات المسلحة في ولايتي الخرطوم والنيل الأبيض 


4
أخبار

الجيش يعلن استعادة السيطرة الكاملة على ولاية الخرطوم


5
أخبار

الحارث: مخرجات جلسة مجلس الأمن الأخيرة لم تلبِّ تطلعات السودان