مجتمع

كرورو.. قرية تحول أهلها من الزراعة إلى جمع الحطب بسبب الحرب

7 أكتوبر 2025
الاحتطاب في كرورو
الاحتطاب في كرورو
جوليوس الجيلي
جوليوس الجيليصحفي من السودان

في قرية كرورو بالجبال الستة، التي تبعد نحو 7 كيلومترات شرق كرتالا، رئاسة الوحدة الإدارية التابعة لمحلية هبيلا بولاية جنوب كردفان، لم يكن المواطن سعد حمدين عامل حطب من قبل، بل كان مزارعًا يزرع الذرة والسمسم في موسم الخريف، ويقتات منهما في الصيف، ويبيع جزءً من محصوله لتوفير النقود.
وهكذا كان حال أغلب سكان قرية كرورو، باستثناء قلة منهم يهتمون بتربية الماشية، أما المزارعون فعادة ما يقضون فترة بداية الخريف في مشاريع الزراعة الآلية بهبيلا لتوفير المال، ثم يعودون محمّلين بالتقاوي (التيراب) والوقود اللازم للزراعة.
لكن مع اندلاع حرب 15نيسان/ أبريل، تدهور الوضع الأمني إلى درجة لم يعد معها بإمكان المواطنين الخروج إلى أراضيهم الزراعية، كما أدى إغلاق الطرق إلى عرقلة وصول التقاوي والوقود الزراعي، وتوقف مشاريع هبيلا التي كانت توفر فرص عمل لأهالي كرورو والجبال الستة عمومًا.

مع اندلاع حرب أبريل تدهور الوضع الأمني إلى درجة لم يعد معها بإمكان المواطنين الخروج إلى أراضيهم الزراعية

كل هذه العوامل دفعت سعد حمدين وغيره من المزارعين في كرورو إلى التحول من مزارعين إلى "حطّابة" — عمال فحم. وفي إفادة لـ"الترا سودان"، يقول سعد: "قبل الحرب، من لا يعمل بالزراعة يكون راعيًا وصاحب ماشية، لكننا اضطررنا لبيع أبقارنا بسبب تكرار السرقات والنهب، كما أن الماشية أصبحت عبئًا أثناء الحرب لأنها تقيّد صاحبها في حالات الهجوم، فكان من الأفضل التخلص منها لتسهيل الحركة."
ويضيف: "نذهب ونقطع الأشجار مثل الطلح وأم سنين، ثم نجمعها ونرصّها ونحرقها لإنتاج الفحم. الآن أصبحت هناك كمائن فحم ضخمة في الجبيلات، وشرق وغرب المنطقة."
وأوضح أن جوال الفحم في كرورو يباع بـ17 ألف جنيه لتجار قادمين من الأبيض والرهد، أما الحطب (جوال 50 كيلو) فسعره 5 آلاف جنيه، بينما يتراوح سعر حطب الصَّبَاخ (البخور) بين 25 و30 ألف جنيه للجوال. وختم سعد قائلًا: "كل ما نكسبه نشتري به الذرة، ولا يتبقى شيء لأي طارئ مثل العلاج أو غيره."
بدائل مؤقتة
وكغيرها من قرى جبال النوبة، تظل الجبراكة — وهي مساحة صغيرة بمحاذاة المنزل تُزرع في أول الخريف — بمثابة احتياطي غذائي للأهالي، وتنضج محاصيلها في أواخر سبتمبر.

لم يكن أهالي كرورو استثناءً، إذ زرع معظمهم الجبراكة، لكن إنتاجها لا يكفي لأنها محدودة المساحة


ولم يكن أهالي كرورو استثناءً، إذ زرع معظمهم الجبراكة، لكن إنتاجها لا يكفي لأنها محدودة المساحة، ولا يتجاوز إنتاجها جوالين (عبوة 30 ملوة).
وكانت الزراعة سابقًا تسد حاجة السكان من تموز/يوليو حتى كانون الأول/ ديسمبر، لكن بغيابها اضطر الناس للبحث عن سبل أخرى لشراء الذرة، ولم يجدوا سوى قطع الأشجار وتحويلها إلى فحم كمصدر دخل وحيد.
تداعيات بيئية
يقول الأستاذ طلال حقار، وهو مدرس من أبناء المنطقة، إن هذا التحول سببه غياب الأمن في الأراضي الزراعية من جهة، وقلة الإمكانيات وارتفاع أسعار التقاوي والوقود من جهة أخرى.
ويضيف: "كل الأهالي اتجهوا الآن للعمل في قطع الحطب وصناعة الفحم في منطقة الجبيلات وشرق وغرب كرورو."
لكنه حذّر من أن القطع الجائر للأشجار سيؤدي إلى أضرار بيئية تقلل من معدلات هطول الأمطار في الأعوام المقبلة، مشيرًا إلى غياب الرقابة الحكومية، إذ اختفت الهياكل الإدارية منذ سيطرة قوات الدعم السريع على هبيلا — وهي رئاسة المحلية ومحاولاتها لدخول المنطقة.
وأضاف طلال أن محلية هبيلا تحوّلت إلى منطقة عمليات عسكرية، ولم تعد تمارس مهامها الإدارية، بينما تقتصر رئاسة الوحدة الإدارية في كرتالا على التحصيل من الأسواق والعربات المحمّلة بالبضائع.
وختم بالقول إن الوضع في كرورو "لا بأس به"، لكنه حذّر من أن الفترة القادمة تحتاج إلى معونات إنسانية، لأن المواطنين لم يزرعوا "الهدب" (الهضبة)، بل اكتفوا بزراعة "الجباريك" فقط، وهو غير كافٍ لتغطية احتياجاتهم الغذائية طوال العام.
تجارة غير عادلة
يجدر بالذكر أن سعر جوال الفحم في مدينة الأبيض يتراوح بين 45 و50 ألف جنيه، لكن أهالي كرورو يضطرون لبيعه محليًا بسعر يتراوح بين 15 و17 ألف جنيه، لعجزهم عن تحمل تكاليف الترحيل والشحن إلى الأبيض أو الرهد، والتي تصل إلى 15 ألف جنيه للجوال الواحد، إضافة إلى أجور العتالة (التحميل والتنزيل)، والمبالغ الصغيرة التي يدفعها سائقو اللواري في نقاط التفتيش والارتكازات الأمنية.
تشير عبارة "الجبال الستة" التابعة لمحلية هبيلا بولاية جنوب كردفان، والواقعة شرقها، إلى مجموعة جبال تسكنها قبائل الأجانج، وتضم: كرتالا (مقر الوحدة الإدارية)، كرورو، الكدرو، كافيرا، كلدجي، والدباتنا. وتشتهر هذه القرى بالزراعة المطرية وإنتاج الذرة بأنواعها، والسمسم، والدخن، إلى جانب الثروة الحيوانية.
الجدير بالذكر أنه منذ انسحاب القوات المسلحة من منطقة كرتالا في 26 كانون الثاني/ يناير 2024 عقب أحداث هبيلا، حينما دخلتها قوات الدعم السريع، انسحبت حامية القوات المسلحة المتواجدة في كرتالا واتجهت إلى دلامي، وحينها تصدت المقاومة لقوات الدعم السريع التي حاولت دخول المنطقة.
ومنذ ذلك الحين تولى شباب الجبال الستة (كرتالا، كرورو، كافيرا، الكدرو، الدباتنا، كلدجي) مهمة حماية وتأمين الطرق بأنفسهم ضمن ما يعرف بـ"قوة المقاومة".

 

الكلمات المفتاحية

نساء سودانيات

أم روابة بين الهدوء والقلق.. بداية موسم الحصاد

في ظل تصاعد النزاعات في شمال كردفان وسيطرة قوات الدعم السريع على محليتي بارا وأم دم حاج أحمد في أواخر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، يعيش سكان أم روابة حالة من الهدوء الحذر. المدينة، التي لم تشهد عمليات عسكرية مباشرة، ما زالت توازن بين استمرار الحياة اليومية من الأسواق والمزارع، وبين الخوف من تمدد النزاع نحو مناطقها الزراعية الحيوية.


نازحو الفاشر

نازحو الفاشر في الدبة.. مأساة الفقد والتشريد

"زار رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، مراكز إيواء منطقة الدبة شمالي السودان، حيث يقيم نازحو مدينة الفاشر الفارون من الاشتباكات المسلحة. وأظهرت صور انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي أمس السبت هذا اللقاء أثناء الاطلاع على أوضاع النازحين.


الطبيب السوداني جمال الطيب

صمد لـ 30 شهرًا.. طبيب سوداني يُضيء الظلام بالحصول على جائزة دولية

بعد 30 شهرًا، توّجت منظمة أورورا الدولية الطبيب السوداني جمال الطيب بطلًا للقطاع الطبي والصحي والإنساني، من بين 900 شخصية حول العالم نافسوا على الجائزة التي أُعلن عنها الخميس 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2025.


النازحون في طويلة

السودان.. النزوح ترفُ الناجين من المذابح في بارا والفاشر

أدّت هجمات قوات الدعم السريع خلال نهاية تشرين الأول/أكتوبر ومطلع تشرين الثاني/نوفمبر 2025 إلى نزوح قرابة 100 ألف شخص من مدينتَي بارا والفاشر في كردفان ودارفور، إضافةً إلى القرى والبلدات الصغيرة التي تشعر بالتوتر من تهديد هذه القوات في شمال كردفان.

الفاشر أقمار صناعية.jpeg
أخبار

مرصد حقوقي: أكثر من 11 ألف قتيل و32 ألف جريح في هجمات الدعم السريع على الفاشر

أعلن مرصد مشاد لحقوق الإنسان أنه وثّق مقتل أكثر من 11,700 مدني وإصابة نحو 32,000 آخرين خلال ما وصفها بـ"المجازر الواسعة" التي شهدتها مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور، عقب سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة في تشرين الأول/ أكتوبر 2025.

والي الخرطوم ووزير الصحة
أخبار

الخرطوم وكسلا تعلنان فتح المعسكرات لمساندة الجيش في المعارك

أعلنت ولايتا الخرطوم وكسلا تجهيز معسكرات التجنيد لدعم الجيش السوداني في الحرب ضد قوات الدعم السريع، في المعارك الجارية غربي البلاد.


Recep Tayyip Erdoğan
أخبار

أردوغان: نواصل الجهود لوقف الصراع السوداني ولن نكتفي بالمتابعة

قال أردوغان، في تصريحات نقلتها وكالة الأناضول: "سنواصل جهودنا الدبلوماسية لضمان السلام والأمن في السودان ولا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري هناك".

بابنوسة
أخبار

غرفة طوارئ: مدينة بابنوسة خالية من السكان تمامًا

قالت غرفة طوارئ بابنوسة بولاية غرب كردفان إن المدينة خالية من السكان بنسبة 100% بعد نزوح قرابة 177 ألف شخص جراء الاشتباكات المسلحة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ كانون الثاني/يناير 2024.

الأكثر قراءة

1
مجتمع

أم روابة بين الهدوء والقلق.. بداية موسم الحصاد


2
مجتمع

نازحو الفاشر في الدبة.. مأساة الفقد والتشريد


3
أخبار

الجيش يصد هجومًا عنيفًا على الفرقة 22 بابنوسة


4
أخبار

شبكة أطباء السودان: الدعم السريع أقدمت على حرق الجثث في الفاشر


5
أخبار

رحلة محفوفة بالمخاطر.. والي شمال دارفور يصل إلى بورتسودان