مشعل النيران الذي يحلم بجوائز السلام
25 سبتمبر 2025
لا غرو أن العالم يعيش عصر الانحطاط والبذاءة التي تمظهرت في كافة معالمه، بعد أن وصل الإنسان قمة التطوُّر التكنولوجي، والصناعي؛ لكن استخدام محصلة النبوغ البشري كانت في جانب تطوير السلاح وكيفية القتل أكثر من تطوير ما يجعل من حياة البشر أكثر رفاهاً وسهولةً، لذلك لا غرابة أن يصعد على قمة السياسة في هذا العصر أمثال ترامب ونتنياهو، اللذان يمثلان واجهة ملائمة لهذه الحقبة الكئيبة والوحشية من عمر التجربة البشرية.
يلهث ترامب خلف جائزة نوبل للسلام التي وللمفارقة يرشحه لها مجرم حرب مطلوب للمحكمة الجنائية مثل نتنياهو
في خطابه الأخير أمام المناقشة العامة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة الذي جاء متسقاً مع شخصيته، الذي استغرق ساعة كاملة، تبجح ترامب رئيس الولايات المتحدة الأميركية التي يمكن تسميتها بأمة المهاجرين، بأنه أطلق يد الحرس الوطني على المهاجرين غير الشرعيين الذين يحاولون التسلل إلى الولايات المتحدة وإعادتهم إلى بلادهم، وقتلهم إن استدعى الأمر، ملقيًا باللوم على الأمم المتحدة التي قال إنها تساعد المهاجرين وتستخرج بطاقات لهم وتمنحهم الطعام والمسكن، ورغم دوره الواضح في تأجيج عمليات القتل خارج القانون التي تتم في غزة ومساعدة الكيان المحتل على سحل وتجويع الفلسطينيين ودعمهم بالسلاح والسياسة، إلا أنه تبجح في الجلسة الأخيرة بأنه أوقف سبع حروب، لا يمكن لأي شخص استدعاء اسم دولة واحدة باتت تنعم بالسلام بفضل ترامب، الذي وصفه السيناتور الأميركي تيد كروز في 2016 بأنه "نرجسي على مستوى لا أعتقد أن هذا البلد قد رآه على الإطلاق من قبل".
الساعة التي كانت عمر خطاب ترامب أمام المناقشة العامة للأمم المتحدة، كانت أكثر الخطابات وضوحًا وتبيينًا للسياسة العامة لرئيس الولايات المتحدة الأميركية، التي بدأها بمدح نفسه ومدح أميركا في عهده، وقال إن أميركا تعيش عصرًا ذهبيًا وذلك بفضله وفضل سياساته، عبر جلب استثمارات ببلايين الدولارات ومكافحة الهجرة غير الشرعية والتركيز على مصلحة أميركا والأميركيين.
لا يخفي ترامب عنصريته الواضحة، يفتخر بذلك، هجومه المستمر على المهاجرين، وعلى أصول الأميركيين الذين يخالفون سياساته والتنمُّر المستمر على بلدانهم الأصلية، مثلما فعل مع النائبة الديمقراطية عن ولاية مينيسوتا في الكونغرس الأميركي إلهان عمر، التي قال عنها "هل هي من الصومال؟ هل لديهم رئيس أو شرطة؟".
يشارك في دعم القتلة، يبرر للكيان المحتل مجازره ويدعمه؛ ويحلم بجائزة نوبل للسلام بل ويتكلم عنها كل مرة ولعابه يسيل من أجلها.
وسؤال الصحفيين عن بلدانهم، بل إنه في إحدى المرات قال لرؤساء أربع دول كانوا في زيارة إلى البيت الأبيض، وهم جلوس أمامه في مكتبه "رجاء ذكر اسمك وبلدك".
شخصية ترامب كرئيس هي تعبير عن الأزمة التي يعانيها العالم، وهي مؤشر لما وصل إليه المشروع الرأسمالي ككل، فتاجر العقارات الذي تولى ادارة أعمال العائلة في بداية السبعينيات يصبح أكثر الرجال المزعجين في الكوكب، يتحدث ويغرِّد صباح مساء، أحاديث عنصرية مستفزة، وخطابات تعبِّر عن المزيج الفريد بين النرجسية الشخصية عندما تلتقي بسياسات الهيمنة الاستعمارية.
يلهث ترامب خلف جائزة نوبل للسلام التي وللمفارقة يرشحه لها مجرم حرب مطلوب للمحكمة الجنائية مثل نتنياهو؛ السلام الذي لم يبصر عافيةً منذ قدم إلى رئاسة أميركا، فأعلن حروبًا ودعم حروبًا، وأرسل أسلحةً لقتل مدنيين أبرياء في غزة، وكل هذا لتعزيز تضخُّم الذات الذي يعانيه، لذا احتشد خطابه أمام المناقشة العامة بالأكاذيب، بل إن الإسلاموفوبيا دفعته للادعاء أن عمدة لندن فرض الشريعة الإسلامية، وهي كذبة واضحة لا تحتاج إلى أدلة لتفنيدها، لكن ترامب يطلق المزاعم ويلاحق الصحف ومؤسسات الإعلام التي تفضح دعاويه، فهو لا يؤمن بالديمقراطية نفسها التي أتت به رئيسًا للمرة الثانية لأميركا، لذلك هاجم داعموه مبنى الكابيتول حين لم يفز وهو يترشح أمام بايدن.
لا أعتقد أن هنالك خيرًا يمكن أن يجنيه السودان والعالم العربي والأفريقي من وراء ترامب، فلم تك الإدارة الأميركية في يومٍ ما داعمة للشعوب أو للتحول الديمقراطي، بل إنها سعت دائمًا لتقويض الديمقراطية والتحول الديمقراطي في السودان تحديدًا في كل مرة قام السودانيون فيها بثورة كانت أميركا تتدخل لتحويل مسار التغيير الذي تعرف أنه لن يدعم مصالحها.
لا يمكن أن يتحول مشعل نيران كترامب إلى راعٍ للسلام في العالم، فالقوة التي يؤمن بأنها الحل في كل الأزمات لا تكون نتيجتها السلام بل النار والحرب، وهو ما أبصرناه نتيجة لسياساته التي زعم قبلها أنه جاء ليوقف الحروب التي حدثت في عهد سلفه الذي لا زال يلاحقه باللعنات، والتنمُّر، بل إنه لا يقبل الرأي الآخر وحرية التعبير التي هي ما يباهي به الأميركيون، فها هو يلاحق مؤسسة إعلامية ويطالبها بتعويض قيمته مليارات الدولارات لزعمه أنها تحاول إشانة سمعته.
لا يمكن لمتطرف أو عنصري أو منحاز إلى فكرة الاستعمار والاحتلال بطبعه أن تكون سياساته يومًا ما في مصلحة البشرية، فترامب الذي يهدد بغزو واحتلال كندا، ويعتقد أن دولة الكيان المحتل صغيرة للامعان في موافقته على تمددها، لن يصبح حمامة سلام حتى لو منحته نوبل جائزة كل يوم، لا مرة واحدة في العمر، لا يستحقها.
لا أعتقد أن هنالك خيرًا يمكن أن يجنيه السودان والعالم العربي والأفريقي من وراء ترامب
لم يسلم حلفاؤه من شره، دعك من خصومه؛ فهو لا حليف له غير نفسه، يجيد لعبة الابتزاز، والبجاحة التي تجعل لسانه مسلطًا على الأصدقاء قبل الأعداء في عرفه، يتحدث عن كل شيء حتى تلك الأمور التي ظلت تفعلها أميركا تحت الطاولة ولا تجعل منها سياسة معلنة؛ لكنها في عهد ترامب باتت هي المانفيستو الذي يحدد أولويات مشعل النيران الأكثر شهرة في الكوكب هذه الأيام.
- المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"
الكلمات المفتاحية

نزوح الفاشر إلى الدبة.. حين تضغط الجغرافيا وتنكسر السياسة
الآثار الكارثية لما وقع في الفاشر لن تمحي قريبًا. الآلاف قتلوا وشردوا وانتهكت أعراضهم في واحدة من أسوأ مشاهد الحرب الدائرة في السودان، بل هي مأساة مكتملة،

"أبو لولو" كمرآة لعنف الدعم السريع
تجاوز ظهور المجرم المدعو "أبو لولو" في مقاطع الفيديو الأخيرة من الفاشر كونه مجرد واقعة دموية جديدة في سجل الحرب السودانية، الى كونه حدثًا إعلاميًا مُحمَّلًا بالرموز، استُخدم - بوعي أو دون وعي - لصرف الأنظار عن المنهجية الأعمق للعنف داخل الدعم السريع.

مجزرة الفاشر.. حقيقة الحرب وجوهرها
سيتذكر السودانيون في المستقبل أن قوةً شبه نظامية تمردت على الدولة، وجمعت أشتاتًا من القتلة واللصوص من السجون والمليشيات، استأجرتها إحدى الدول لتحطيم السودان ونهبه وتجيير موارده لها. سيتذكرون تلك الليلة التي سقطت فيها أكثر المدن مقاومةً للغزو، وكيف أقاموا فيها مجزرةً لا أول لدمويتها ولا آخر لوحشيتها. وستكون هذه الذكرى هي الحصانة التي ستحمي السودانيين والدولة السودانية من تكرار أخطاء الماضي، بكل…

هل ما زال في السودان متسع للعقلاء؟
قبل أيام، اهتزت ولاية شمال كردفان على وقع حادثة مأساوية باغتيال الناظر سليمان جابر جمعة، زعيم قبيلة المجانين، إلى جانب واحد وعشرين من أعيان وشباب منطقته في المزروب بسقوط طائرة مسيرة. وتبادل على إثرها الاتهامات بين مجلس السيادة والدعم السريع وقوىً سياسية مختلفة. مع العلم أن الكارثة وقعت بعد أسابيع من توترات محلية واشتباكات محدودة بالمنطقة، ومثلت ضربةً موجعةً للإدارة الأهلية التي فقدت أحد أبرز…

مرصد حقوقي: أكثر من 11 ألف قتيل و32 ألف جريح في هجمات الدعم السريع على الفاشر
أعلن مرصد مشاد لحقوق الإنسان أنه وثّق مقتل أكثر من 11,700 مدني وإصابة نحو 32,000 آخرين خلال ما وصفها بـ"المجازر الواسعة" التي شهدتها مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور، عقب سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة في تشرين الأول/ أكتوبر 2025.

الخرطوم وكسلا تعلنان فتح المعسكرات لمساندة الجيش في المعارك
أعلنت ولايتا الخرطوم وكسلا تجهيز معسكرات التجنيد لدعم الجيش السوداني في الحرب ضد قوات الدعم السريع، في المعارك الجارية غربي البلاد.

أردوغان: نواصل الجهود لوقف الصراع السوداني ولن نكتفي بالمتابعة
قال أردوغان، في تصريحات نقلتها وكالة الأناضول: "سنواصل جهودنا الدبلوماسية لضمان السلام والأمن في السودان ولا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري هناك".

غرفة طوارئ: مدينة بابنوسة خالية من السكان تمامًا
قالت غرفة طوارئ بابنوسة بولاية غرب كردفان إن المدينة خالية من السكان بنسبة 100% بعد نزوح قرابة 177 ألف شخص جراء الاشتباكات المسلحة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ كانون الثاني/يناير 2024.
