معنى أن نرجع.. ولماذا؟
27 أبريل 2025
في صبيحة 15 نيسان/أبريل 2023 اندلعت الحرب بين الجيش ومليشيا قوات الدعم السريع من العاصمة الخرطوم. ورغم الإرهاصات والمظاهر الواضحة التي سبقت اندلاعها إلا إنها كانت مفاجئة بالنسبة للكثيرين، فيما خمن البعض ممن يتابع السياسة بأنها ستكون حرب خاطفة، وشبيهة بالعملية العسكرية التي جرت حين تمردت (هيئة العمليات التابعة لجهاز الأمن) في يناير 2020 وتم حسمها عسكريًا في ثلاثة أيام.
لقد خيبت الحرب تخمينات كثيرة، وسرعان ما خلقت حالة إرباك في التعامل مع أصوات الرصاص والانفجارات العنيفة. في بادئ الأمر، التزم الناس بيوتهم. ومع إمعان الحرب في الاستمرار اختاروا بدلًا عن ذلك الابتعاد قليلًا إلى الأحياء البعيدة من المعارك، ثم نازحين في إلى الأقاليم الآمنة، ثم إلى خارج البلاد في رحلة لجوء قاسية ومذلة.
أغلب اللاجئين المتحمسين للعودة أصابهم الملل من فكرة الوجود "خارج المكان" بكل ما في الخروج من اغتراب وتوهان وفقدان قيمة
وتقول معتمدية اللاجئين في السودان إن 10 ملايين من السودانيين نزحوا منذ بدء الحرب، منهم مليونا لاجئ عبروا الحدود إلى دول الجوار.
حتى بعد مرور 24 شهرًا لم تنته الحرب، ولم تنتف أسبابها، وما زالت حبلى بالتداعيات، فما يزال الجيش يقاتل من أجل السيطرة على مناطق أوسع لتنضاف إلى العاصمة الخرطوم، وولاية الجزيرة، وبقية المناطق التي استعادها من سيطرة مليشيا قوات الدعم السريع. لكن مع ذلك انطلقت النداءات من أجل العودة إلى الوطن، خصوصًا إلى العاصمة الخرطوم. وقرر البعض الاستجابة لهذه النداءات. فماذا يعني أن يرجع الناس؟
إذا كان هذا السؤال موجه إلى فئة اللاجئين والنازحين العريضة، علينا أن نتذكر أن نصف هذه الفئة من اللاجئين والنازحين لا يمكنهم العودة بأي حال من الأحوال، لأنهم فقط من إقليم دارفور.
في الواقع، لن تكون هناك إجابة مكتملة، وليس من المتاح تكوين رأي عام حول العودة لأن البعض ممن تتاح لهم الفرصة ما زالوا مترددين حولها. لقد قرر البعض العودة ليس من أجل شيء مكتمل، ومن الأرجح أن الغالبية من المتحمسين أصابهم الملل من فكرة وجودهم "خارج المكان" بالمعنى الأعمق لمقولة المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد وما فيها اغتراب وتوهان وفقدان قيمة.
يقول اللاجئ يس أمين لـ (الترا سودان) إنه "مصاب بهاجس أن تبتعد في ذهنه فكرة العودة إلى الوطن وتصبح بالتالي غير ممكنة"، ويضيف وهو يتحدث من إحدى الدول الأفريقية التي لجأ إليها مع أسرته: "اللجوء تجربة معقدة، تكتشف فيها عوالم متعددة ليس من بينها دفء الوطن.. أن نعود هو حلمنا المرجو لكن أخاف أن تصبح العودة خيارًا بعيدًا".
بطريقة أو بأخرى، واجه السودانيون مماطلة غير متوقعة لدى المؤسسات المعنية بمساعدة اللاجئين، فضلًا عن الكثير من المتاعب المتعلقة بالدخول والخروج والإقامة في بلدان اللجوء، مثل المعضلة الإنسانية المؤلمة التي واجهت بعضهم في الغابات الإثيوبية مما اضطرهم للعودة قسرًا من حيث أتوا. وإذا كانت الشعوب التي لجأ إليها السودانيون تعد من الشعوب الصديقة فإن "المؤسسات التي تدير هذه الشعوب لم تكن كذلك، ولا السياسة المتبعة سمحت بتمتين علاقة الصداقة" كما يقول يس.
وعلى العكس من اللاجئ يس، قرر البعض العودة إلى بيوتهم المدمرة كليًا، وإلى الشوارع التي لم تعد هي الشوارع نفسها، وإلى حالة أمنية ليست في أفضل مستوياتها. ومع ذلك، لا تتبين في الأفق أي نوايا واضحة أو ملمح لخطة سياسية لتحفيز وإنقاذ الاقتصاد اليومي المعدوم و(نتيجة للحرب المستمرة، لم تتمكن الحكومة من الإعلان عن معدل التضخم، لكن هناك ارتفاع كبير في أسعار السلع والخدمات وانقطاع شبه دائم للكهرباء). ولم تبد مؤسسات الضمان الاجتماعي، على سبيل المثال، استعدادًا للمسارعة بتعويض المتضررين. ففي الواقع ما زالت الدولة منشغلة بالحرب في المناطق التي لم يسيطر عليها الجيش بعد، وهنا سيغيب النقاش حول أي التزام يمكن أن يطالب به الناس؛ فعمليًا، كل شيء موجه "للقضاء على التمرد ومن ساعده وعاونه."
قرر البعض العودة في ظل مثول الحقائق التالية: انكماش الناتج الإجمالي المحلي بنسبة تصل إلى أكثر من 20.3% كما يقول تقرير صندوق النقد الدولي، وهي نسبة أعلى من 18.3% المسجلة للعام 2023، مع توقعات بانكماش إضافي. إلى جانب ذلك، أدت الحرب إلى زيادة معدلات البطالة التي وصلت إلى 46% في العام 2023 ومن المتوقع أن تصل إلى 58% منذ نهاية العام 2024. وتضرر القطاع الصناعي في الخرطوم بشكل غير مسبوق، حيث تم تدمير حوالي 80% من البنية التحتية للقطاع، مما أدى إلى محو الكثير من فرص العمل في هذا المجال.
قبل أن تندلع الحرب وتشل قدرة الدولة، لم تكن المؤسسات سخية في تقديم الخدمة الكافية لجمهورها من المواطنين، وقلما تعتبرهم أصحاب حق. ولأكثر من نصف قرن أو يزيد، كان تاريخها هو تاريخ من التسويف والمماطلة وانعدام المحاسبة.
يتحق معنى الرجوع إلى الوطن حين يجد العائد من يستقبله فرحًا بعودته ويعطي رجوعه دلالة
لقد عبر السياسيون كثيرًا عن هذا الانهيار للمؤسسات، وكُتبت آلاف الدراسات الأكاديمية والمواقف السياسية حول إصلاح مؤسسات الدولة. وبالطبع يعرف المواطنون أكثر من غيرهم معنى انهيار المؤسسات، لقد عايشوه كفاحًا. كل هذا كان يحدث قبل أن تندلع الحرب على نطاق واسع وتدمر ما قيمته 200 مليار دولار، طبقًا لبعض التقديرات، وقد شمل التدمير أجزاء واسعة من البنية التحتية والمؤسسات، بما فيها المستشفيات والمصانع والجسور.
إذا تركنا الكثير من الترف المرجو بشأن العودة فإن تجربة الرجوع إلى الأوطان تحقق معناها حين يجد الراجع من يستقبله فرحًا برجوعه ويمهد له بما يعطي رجوعه دلالة ومعنى، وإلا فإن الأمر سيكون معلقًا في عبارات اللاجئ عبد الرحيم حميدة الذي لا يتهيب فكرة الوطن البديل: "وطنك هو المكان الذي يتوفر فيه الأمان وأساسيات الحياة".
- المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"
الكلمات المفتاحية

لأول مرة منذ 12 عامًا.. الدعم السريع خارج ولاية الخرطوم
أخيرًا في عاصمة مساحتها تتراوح بين 150 كيلو مترًا طوليًا ونصفها عرضيًا، تمكن الجيش من السيطرة الكاملة على حدودها، واضعًا قوات الدعم السريع في أقصى شمال كردفان، على بعد 600 كيلو متر عن ولاية الخرطوم.

السودان.. ما الذي ينتظر كامل إدريس في رئاسة الوزراء؟
يُعد قرار تعيين كامل إدريس تحوّلًا في رؤية قائد الجيش لمستقبل السياسة القريب في السودان، وهو تحوّل لا يمكن التنبؤ بمآلاته نظرًا لاستمرار الحرب، وحالة الاستقطاب، وغموض الصلاحيات الممنوحة لرئيس مجلس الوزراء الجديد.

السودان بين الخراب والانقسام: كيف نتفادى المصير الأسوأ؟
يخوض السودان اليوم واحدة من أعقد وأقسى مراحله منذ نشأته الحديثة. ليست الحرب وحدها هي التي تفتك بالوطن، بل ما هو أخطر: النزعة المتزايدة نحو الانقسام الفعلي، لا الجغرافي فقط، بل السياسي والاجتماعي وحتى الوجداني. فالبلد الذي حلم أبناؤه منذ الاستقلال ببنائه وطنًا يسع الجميع، بات مهددًا بأن يتحول إلى جزر معزولة تتنازعها المليشيات والطموحات الإقليمية، بينما المواطن العادي يتآكل تحت وطأة الجوع، والنزوح…

السودان… أزمة إنسانية واقتصادية على أعتاب حرب ثالثة
على أعتاب العام الثالث من حرب السودان تتنامى التحذيرات من موجات نزوح جديدة، وتفشي المجاعة في مناطق أكثر هشاشة بإقليم دارفور وكردفان، مع احتدام الصراع بين الجيش والدعم السريع خلال الشهر الماضي.

مركز الطوارئ: 2323 إصابة بالكوليرا في السودان خلال 3 أسابيع
كشف اجتماع مركز عمليات الطوارئ، المنعقد اليوم الثلاثاء بمدينة كسلا، عن تسجيل 2323 حالة إصابة بالكوليرا خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، بينها 51 وفاة، مشيرًا إلى أن 90% من الإصابات والوفيات سُجلت في ولاية الخرطوم، تحديدًا في محليتي كرري وجبل أولياء.

كنائس تنعى شيخ كهنة السودان الأب فيلوثاوس فرج
نعت كنيسة الشهيد العظيم الأمير تادرس الشطبي وعدد من الكنائس السودانية الأخرى، اليوم الثلاثاء، الموافق 20 أيار/مايو 2025، الأب الدكتور القمص فيلوثاوس فرج، شيخ كهنة السودان، الذي توفي في العاصمة المصرية القاهرة عن عمر يناهز الثمانين عامًا.

بوتين يوجه دعوة رسمية للبرهان للمشاركة في القمة الروسية العربية
تلقى رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول الركن عبدالفتاح البرهان، دعوة رسمية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للمشاركة في القمة الروسية العربية .