17-سبتمبر-2024
طلاب سودانيون

بعد اندلاع الحرب في السودان، توقفت العملية التعليمية تمامًا، وترك معظم الطلاب والمعلمين مناطق الصراع، بينما اختار البعض البقاء، لكن دون أي تعليم. وبعد عام من الصراع، أعلنت السلطات إعادة فتح المدارس في المناطق الآمنة، ولم يتوقف الأمر على ذلك، بل أعلنت عن إمكانية إجراء امتحانات الشهادة السودانية قبل نهاية العام.

 هذا القرار أثار العديد من التساؤلات حول كيفية ضمان نزاهة الامتحانات في ظل الانفلات الأمني المستمر وغياب الاستقرار.

القيادية في لجنة المعلمين السودانيين، قمرية عمر، لـ"الترا سودان": قرار انعقاد امتحانات الشهادة السودانية قرار غير مسؤول

ووصفت القيادية في لجنة المعلمين السودانيين، قمرية عمر، قرار انعقاد امتحانات الشهادة السودانية بأنه "غير مسؤول"، قائلة إنه لا توجد ولايات آمنة، حيث تأثرت جميعها بالصراع، لافتةً إلى وجود تحديات أخرى تتمثل في الأمراض والأوبئة والمجاعة وغيرها.

وقالت قمرية في حديثها لـ"التراسودان" إن الوضع مزرٍ ولا يصلح لإجراء أي امتحانات، وأضافت أن في زمن السلام كانت الامتحانات تفتقر للنزاهة، وحدث تسريب رغم التشدد الأمني آنذاك، ناهيك عن زمن الحروب، مشيرةً إلى أن الامتحانات تحتاج إلى تأمين عالٍ، واعتبرت أن الوقت الراهن لا يصلح لإجراء الامتحانات.

وأوضحت القيادية في لجنة المعلمين السودانيين، قمرية عمر، لـ"الترا سودان"، أن هذا قرار حكومة الأمر الواقع، وهدفه الادعاء في مواجهة الطرف الآخر بأن السودان آمن، وأن الحياة تسير بصورة طبيعية.

قرار سياسي

أما المعلمة بولاية النيل الأبيض، سنية أشقر، فتقول إن امتحانات الشهادة السودانية مشكلة مقلقة، مؤكدة أنها مع استمرار العملية التعليمية لأن الطلاب ليس لهم ذنب فيما يحدث بالبلاد، موضحة أنها لا تريد أن يصبح الطلاب ضحية للحرب، وحقهم في التعليم يعلو على جميع الحقوق.

وأشارت سنية في حديثها مع "الترا سودان" إلى أن امتحانات الشهادة السودانية تحتاج إلى مقومات وآليات، بجانب الإجراءات التأمينية، واعتبرتها قضية أمن دولة. وتساءلت عن كيفية إجراء امتحانات الشهادة في بلد غير آمن، بالإضافة إلى عدم ضمان استمرار الامتحانات وغياب القوة الأمنية التي تحرس هذه الامتحانات.

وترى أن ولاية النيل الأبيض بين الحين والآخر تشهد قصفًا بالمسيرات في مدن مختلفة، وهناك محلية كاملة محتلة من قبل قوات الدعم السريع، وهي محلية القطينة. وأضافت أن محلية أم رمتة في ذات الولاية غير مستقرة أمنيًا. وتساءلت هذه المعلمة عن كيفية انعقاد امتحانات الشهادة السودانية في ولاية تعاني حدودها من وضع أمني حرج؟

وتعتقد سنية أن هناك معاناة كبيرة للطلاب، ففي الأعوام 2020م - 2023، وكان هناك (600) ألف طالب وطالبة من المفترض أن يعقدوا امتحاناتهم منذ ذلك الحين، والآن سيكون هناك أكثر من (600) ألف، باعتبار أن كل عام يزيد عدد الطلاب الممتحنين. ولفتت إلى أن طلاب ولاية الخرطوم يشكلون حوالي (54)% من مجمل طلاب السودان؛ بعضهم لجأ إلى دول الجوار، وربما لن يستطيعوا الجلوس للامتحانات بسبب التكاليف العالية التي وضعت في الخارج كرسوم لامتحانات الشهادة السودانية.

معلمة: حتى المدارس التي توجد في الولايات الآمنة أصبحت مراكز إيواء للنازحين

وأضافت أن بعض طلاب ولاية الخرطوم ما زالوا في مناطقهم لعدم قدرتهم المالية على الخروج. وطالبت سنية أشقر بتحقيق العدالة في التعليم، مشيرةً إلى عدم وجود أماكن مهيأة لجلوس هؤلاء الطلاب في الولايات الآمنة نظرًا لأن معظم المناطق تدمرت في مناطق النزاع، وحتى المدارس التي توجد في الولايات الآمنة أصبحت مراكز إيواء للنازحين. وأوضحت أن الطلاب أنفسهم تحولوا إلى عمالة يومية نظرًا لظروف أسرهم الاقتصادية الصعبة، وأضافت أن الطلاب مشتتون بين البحث عن الغذاء أو احتمال تعرضهم للقصف داخل الفصول.

ووصفت قرار انعقاد امتحانات الشهادة السودانية بأنه قرار سياسي ومرتجل، وأن حكومة الأمر الواقع تريد إيصال رسالة بأنها مسيطرة وقادرة على عقد الامتحانات. وأكدت أن كثيرًا من الطلاب لن يستطيعوا الجلوس للامتحانات، وأن معظمهم حياتهم مهددة، وأن الامتحان نفسه لن يكون له أي معنى وسيتعرض للتسريب.

وشددت على ضرورة جلوس جميع الطلاب للامتحانات، ولكن بالطرق السلمية التي تضمن حياتهم واستقرارهم الدراسي والنفسي والمادي، لافتة إلى أن الحق في الحياة مقدم على الحق في التعليم في الظروف التي يعيشها السودان.

مجازفة خطيرة

ويرى مدير مدارس عوض الدنقلاوي في ولاية الخرطوم، عوض خليفة، أن قرار انعقاد الشهادة الثانوية في ظل استمرار المعارك يدل على أن الحكومة تريد أن تثبت للمواطن أن الامتحانات يمكن أن تُعقد في الولايات الآمنة، وأن الطلاب الذين ما يزالون في مناطق النزاع سيتم وضع امتحان مؤجل لهم، بذات المعايير والقياس والتقويم للامتحان.

ووصف خليفة في حديثه مع "الترا سودان" القرار بـ"الصعب"، مؤكدًا أنه يحتاج إلى متابعة دقيقة من النواحي الأمنية، لأن تسريب الامتحان قد يكون مدخلًا للدعم السريع لضرب الحكومة والإضرار بسمعة الشهادة السودانية. وطالب بضمان الجانب الأمني، من حيث التخزين والحراسة قبل الشروع في انعقاد الامتحانات، مشددًا على ضرورة إجرائها.

وأضاف أن بعض الأسر هاجرت خارج السودان من أجل تعليم أبنائها، فما ذنبهم إذا دفعوا الأموال وبعد ذلك لم تُعقد الامتحانات؟ وشدد على ضرورة تقييم الوضع، وعلى إدارة التعليم أن تسمح للطلاب في مناطق النزاع بالجلوس لامتحان مؤجل وذلك بكشف ملحق، ولكنه عاد ليقول: "في نهاية الامر يعتبر هذا القرار مجازفة خطيرة جدًا".

تهديدات وتحديات

ويقول المعلم بمدارس دار المنهل الثانوية الخاصة في أم درمان، والمقيم في القاهرة حاليًا، محمد ناصر، إن رسوم طلاب المدارس الثانوية في القاهرة تبدأ من الحد الأدنى عشرة آلاف جنيه مصري والحد الأقصى (30) ألف جنيه مصري. وأضاف أن معظم الطلاب الموجودين في القاهرة لاجئون، وبعض أسر الطلاب فقدت مصادر دخلها.

ويرى ناصر في حديثه مع "الترا سودان" أن الرسوم الدراسية في مصر قليلة جدًا، ولكنها صعبة على الأسر التي لديها عدد من الأطفال. وقال إن الشيء المزعج هو أن توثيق الشهادة السودانية في السفارة السودانية بمصر يكلف (3300) جنيه مصري، ويعادل هذا المبلغ (200) ألف جنيه سوداني، علمًا بأنه في بورتسودان لا يتجاوز تكلفتها (12) ألف جنيه سوداني.

وأشار إلى أن عقد امتحانات الشهادة السودانية هذا العام مستحيل لعدة أسباب، منها أن معظم الطلاب موجودون في الولايات غير الآمنة، بجانب أن بعض الطلاب في مراكز الإيواء، والهم الأول للنازحين هو السكن والإعاشة، وليس لديهم ما يمكن أن يساعدهم على الوصول إلى مراكز الامتحانات، كما أنهم لا يستطيعون توفير الدعم المالي اللازم لمواصلة العملية التعليمية، مما يشكل تهديدات تعيق إجراء امتحانات الشهادة السودانية.

المعلم بمدارس دار المنهل الثانوية الخاصة في أم درمان، محمد ناصر لـ"الترا سودان": عقد امتحانات الشهادة السودانية هذا العام مستحيل لعدة أسباب

وأضاف ناصر أنه لا يضمن تأمين هذه الامتحانات حتى في الولايات الآمنة، وبالتالي يصعب إجراؤها نظرًا لأن الامتحانات مهددة بالخطر في جميع مراحلها، بدءًا من كتابتها وتوزيعها، مرورًا بعملية الجلوس لها، وصولًا إلى إعادة الامتحانات إلى المركز وتصحيحها، بالإضافة إلى رصد النتائج.

ويقول ناصر إن الشهادة السودانية تعرضت للتسريب والكشف عدة مرات في السابق، أشهرها كان في عام 2003، ويتساءل: فكيف الحال في الوضع الراهن؟ ليجيب: من المستحيل ضمان استمرار وتأمين الامتحانات في أي مرحلة من مراحلها. وأشار إلى وجود تمييز، حيث يشعر الطلاب في الولايات غير الآمنة بأن رصفاءهم في ولايات آمنة قد جلسوا للامتحان، مما يولد شعورًا بالغضب ويؤسس لحروب قادمة، حد قوله.