لا يمكن النظر إلى لقاء رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بمنتجع عنتبي بضواحي العاصمة الأوغندية كمبالا مساء الإثنين، بمعزل عن الاشتراطات الأمريكية للخرطوم، التي تملي عليها أن شطب اسم السودان من قائمة الإرهاب يمر عبر بوابة تل أبيب.
من الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية لن ترفع اسم السودان من قائمة الإرهاب دون تطبيع الخرطوم مع تل أبيب وهذه الشروط ستمتد إلى جميع دول المنطقة
لقاء البرهان ونتنياهو كان مفاجئًا للسودانيين لكنه لم يكن مفاجئًا لمكتب رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك والطاقم المعاون له، خاصة أن المكون العسكري حريص على سلامة خطواته لتجنب الانتقادات وعدم الاستعداد لفقدان آخر كروته، خاصة مع شعبيته المتدنية للغاية بسبب مجزرة فض اعتصام القيادة العامة في حزيران/يونيو الماضي.
من الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية لن ترفع اسم السودان من قائمة الإرهاب دون تطبيع الخرطوم مع تل أبيب، وهذه الشروط ستمتد إلى جميع دول المنطقة، إذ إن الإدارة الأمريكية مثلًا نقلت لدولة المغرب اشتراطات بالاعتراف بتل أبيب في سبيل تعزيز صفقة القرن مقابل اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء المتنازع عليه. ثم إن البرهان ليس أول من ينضم إلى نادي التطبيع مع إسرائيل، فقد سبقت السودان دول مثل مصر التي تستورد الغاز من إسرائيل وعقد الرئيس عبد الفتاح السيسي لقاءات مع نتنياهو، وسلطنة عمان التي زارها نتنياهو عام 2018.
اقرأ/ي أيضًا: لقاء البرهان ونتنياهو.. تبييض لصورة العسكر وتشويه متعمد للثورة
وأظهرت التغريدات التي كتبها نتنياهو على حسابه الشخصي في تويتر بعد لقاء البرهان الإثنين، ادعاءه أن السودان "يريد العودة إلى خارطة العالم" وهذا يعني بشكل واضح أن نتنياهو نقل بشكل واضح للزعيم السوداني أن المرور إلى "العالم" يمر عبر البوابة الاسرائيلية.
وقد شملت أجندة اللقاء بين رئيس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء الإسرائيلي طلب تل أبيب من الخرطوم السماح للطائرات القادمة من أمريكا اللاتينية بالمرور فوق الأجواء السودانية، وفي المقابل طالب البرهان بشطب اسم السودان من قائمة الإرهاب، ما يعني أن اللقاء كان مشروطًا بتنفيذ مطالب ملحة للسودان وهي بالدرجة الأولى قائمة الإرهاب التي تعيق اقتصاده، وتؤدي إلى ضائقة معيشية غير مسبوقة .
غير أن السودانيين عمومًا، إضافة إلى رفضهم التطبيع من ناحية المبدأ، يرون أيضًا أن الشروط الدولية تجاه بلادهم غالبًا ما تنتهي إلى خدمات مجانية بلا مقابل للجانب السوداني، وهم في ذلك ينظرون إلى تجربة نظام البشير الذي سعى إلى إقامة علاقات مع إسرائيل حين لم يشفع له الأمر بالبقاء في الحكم، ولم يؤد إلى إصلاحات اقتصادية حتى تهاوى حكمه تحت وطأة الاحتجاجات الشعبية.
السلطة المدنية خارج الصورة
السلطة المدنية القائمة في السودان والتي تتقاسم السلطة مع قادة الجيش علقت على لقاء البرهان ونتنياهو بعدم معرفتها ترتيبات اللقاء، وذكرت وزيرة الخارجية السودانية أسماء محمد عبدالله أنها لم تكن محاطة بشأن الاجتماع السري في عنتبي الواقعة ضواحي العاصمة كمبالا.
متحدث مجلس الوزراء السوداني، وهي السلطة التنفيذية المدنية، فيصل محمد صالح أصدر بيانًا في وقت متأخر من مساء الإثنين قال فيه إن الحكومة السودانية لم تكن على علم باللقاء، وإنها تفاجأت به من وسائل الإعلام، فيما أشارت تقارير صحفية إلى أن مجلس الوزراء قد دعا إلى اجتماع طارئ على غرار المجلس السيادي السوداني الذي سينخرط في اجتماع طارئ خلال اليوم.
التيارات الإسلامية في السودان لم تصدر ردود أفعال حول اللقاء ومن الواضح أنها تحتفظ بالود للمكون العسكري خشية فقدان تحالف مقبل بين الطرفين، فهي تيارات لم تيأس بعد من العودة إلى السلطة، خاصة مع تزايد الانتقادات التي تلاحق قوى التغيير الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية، والحكومة نفسها بسبب الأداء الضعيف.
تشعر القوى المدنية التي تقود الحراك الشعبي في السودان بالقلق من أن يكون التطبيع مع الكيان الصهيوني مدخلًا لتثبيت مجموعات جديدة في هرم السلطة وتقويض الديمقراطية التي تتلمس خطواتها الأولى في السودان، فمثلًا تعاونت الإدارة الأمريكية مع نظام البشير المخلوع لأقصى درجات التعاون الأمني دون أن تشطب اسم السودان من قائمة الإرهاب، وقدم البشير خدمات مجانية لواشنطن وحصد اقتصادًا منهارًا أطاح به بعد 30 عامُا في السلطة، في نيسان/أبريل الماضي، بالاحتجاجات الشعبية أدت إلى تدخل الجيش للإطاحة به.
المطلوب من القوى المدنية
لا يبدو العالم الآن مكترثًا بالثورات الشعبية التي تطيح بالأنظمة الباطشة، بل لا يستحي أن يطرح شروطه أمام القوى المدنية الصاعدة لتحقيق الديمقراطية، ولا يتورع المجتمع الدولي عن مساندة الأطراف العسكرية والأمنية في الدول الهشة؛ خشية انفلات الأوضاع أو صعود الإصلاحيين، فكلاهما يشكل خطرًا على مصالح الدول الكبرى. إزاء هذه المخاطر، ما هي الخطوات المتبقية أمام القوى المدنية التواقة إلى الديمقراطية في السودان؟
اقرأ/ي أيضًا: اتّفقا على التعاون وتطبيع العلاقات.. البرهان يلتقي نتنياهو بأوغندا
أولًا: من المعروف أن القوى المدنية في جميع المؤسسات؛ مجلس الوزراء، والمكون المدني بالمجلس السيادي، وقوى التغيير كلها تعاني من ضعف شديد ولا تجري تنسيقًا محكمًا لمعالجة الأزمات، وبالتالي إن لم ترتق هذه الأطراف إلى مستوى المسؤولية فإنها ستؤدي إلى خسارة أوراق هائلة من الرصيد الثوري، وستكون سببًا في تقويض الديمقراطية.
تشعر القوى المدنية التي تقود الحراك الشعبي في السودان بالقلق من أن يكون التطبيع مع الكيان الصهيوني مدخلًا لتثبيت مجموعات جديدة على رأس السلطة وتقويض الديمقراطية الوليدة في البلاد
المطلوب من رئيس الوزراء عبد الله حمدوك إقالة الوزراء الذين تعثروا في تنفيذ المهام وأن لا يتردد في ذلك لأنه لا يملك الكثير من الوقت، وإذا استمر بهذه الطريقة فإنه لا يضمن الاستمرار لشهرين، بالتالي لا بد من قرارات ثورية سريعة.
كلما ارتفع أداء السلطة المدنية، فإنها ستتمدد في مساحات شاغرة تشغلها الآن أطراف أخرى معروفة لدى الجميع، بالتالي على قوى التغيير الانخراط في اجتماع عاجل مع حمدوك لتقييم الأوضاع وحثه على إقالة الوزراء المتعثرين.
اقرأ/ي أيضًا: