لا تزال أزمة التعليم والمدارس السودانية في مصر ماثلة للعيان، حيث تواجه العشرات من المدارس أوامر الإغلاق وخطر سحب الترخيص الحكومي، خاصة في القاهرة والإسكندرية.
باحث: قضايا اللاجئين السودانيين في مصر قابلة للانفجار
في مطلع هذا العام، اشتدت الإجراءات التي اتخذتها السلطات المصرية بحق مئات الآلاف من اللاجئين السودانيين في أراضيها، الذين زاد عددهم خلال الحرب بين الجيش والدعم السريع. وعبر مليون شخص الحدود إلى مصر بصورة رسمية، بينما تشير إحصائيات غير رسمية إلى أن حوالي أربعة ملايين سوداني يقيمون هناك.
تخفيف مؤقت
مصر خففت القيود على الحملات بحق اللاجئين السودانيين مؤخرًا، عقب صدور فترة سماح من القصر الرئاسي في القاهرة. وكانت قد مصر قد أعادت حوالي ستة آلاف سوداني إلى بلدهم عبر النقل البري خلال الشهرين الماضيين بحجة مخالفة قوانين الإقامة في أراضيها.
وكانت شبكات التواصل الاجتماعي قد نشرت قضية شاب سوداني ألقت السلطات المصرية القبض عليه لوضعه خريطة تضم مثلث حلايب السوداني على محله التجاري في القاهرة، مع أنباء أشارت إلى أنه أبعد إلى السودان.
تجددت أزمة المدارس السودانية مع وزارة التربية في مصر والسلطات منذ أسبوعين، حيث اشترطت الأخيرة تقنين أوضاعها كشرط لاستمرار أنشطتها، أو مواجهة الإغلاق. وتشمل الإجراءات استخراج ملفات من السلطات المصرية مع الانتظام في سداد الضرائب والرسوم المترتبة على الأنشطة التجارية داخل مصر.
مثلث حلايب
يقول محمد عبده، المتابع لقضايا السودانيين في مصر، لـ"الترا سودان" إن السلطات المختصة طلبت تقنين أوضاع المدارس السودانية ومنعت إنشاء المؤسسات التعليمية دون المرور بسلسلة من الإجراءات، بما في ذلك الخريطة التي ستدرس في المنهج السوداني، لمعرفة ما إذا كانت تضم مثلث حلايب إلى الجانب المصري أم السوداني. وأضاف: "أتوقع أن لا تتجاهل مصر هذا البند في الموجهات التي تصدرها إلى المدارس السودانية".
يقع مثلث حلايب وشلاتين شمال شرق السودان، وقد سيطرت مصر على أجزاء منه منذ العام 1995، فيما تقدمت الخرطوم بشكوى إلى الأمم المتحدة حيال هذه المنطقة، يتم تجديدها سنويًا. ويعتبر المثلث غنيًا بالذهب والثروة البحرية كونه قريبًا من البحر الأحمر.
وأضاف: "كل هذه الإجراءات تهدف إلى الحصول على ضرائب من المدارس السودانية والحصول على التزامات بالتقيد بالموجهات المصرية عامة، بما في ذلك تفاصيل خريطة السودان بشأن تبعية مثلث حلايب".
على الجانب المصري، وداخل أروقة وزارة التربية الحكومية، فإن الإجراءات بحق المدارس السودانية جاءت لتنظيم الوضع ومنع التحايل على أولياء الأمور، خاصة وأن بعض المستثمرين في قطاع التعليم السوداني لا يلتزمون بالمعايير والجودة.
أزمة قابلة للانفجار
ورغم ذلك، تُلقي الأزمة بين البلدين حول مثلث حلايب بظلالها على وضع اللاجئين في مصر، البلد الذي يجاور السودان من الجهة الشمالية، والذي يربطهما طريق بري انحسرت عبره حركة المواطنين بسبب القيود المشددة على إجراءات التأشيرة من الجانب المصري عقب الحرب في السودان.
فيما تنشط حركة الشاحنات التي تنقل السلع المستوردة بقيمة تتجاوز مليار دولار خلال الحرب، بعدما كانت تبلغ نصف مليون دولار قبلها، بينما يتوقع خبراء اقتصاديون أن تقفز الصادرات المصرية إلى السودان إلى ملياري دولار العام القادم.
ناشط: هناك سلسلة من القيود التي تضعها مصر أمام اللاجئين السودانيين
يوضح محمد عبده لـ"الترا سودان" أن هناك سلسلة من القيود التي تضعها مصر أمام اللاجئين السودانيين، مما دفع مجموعات كبيرة منهم للعودة إلى بلدهم، خاصة مع الوضع الاقتصادي المتردي وارتفاع إيجارات المساكن في القاهرة. وتداول موضوع السودانيين على شبكات التواصل الاجتماعي بنوع من الرفض.
وتابع: "هناك رأي عام يتشكل في مصر بأن السودانيين هم سبب الغلاء، لكن هذا غير صحيح، لأن هذا البلد انتقل إلى أزمة اقتصادية بالتدريج قبل الحرب في السودان بثلاثة أعوام".
قلق السودانيين
من جانبها، دعت السفارة السودانية في مصر المدارس السودانية إلى إكمال الاشتراطات الصادرة من السلطات والتقيد بالموجهات، والالتزام بالقوانين واللوائح السارية على العملية التعليمية.
حالة من القلق انتابت اللاجئين السودانيين مع اشتداد الحملات التي نفذتها السلطات المصرية في الشهرين الماضيين، قبل أن تمدد مهلة توفيق الأوضاع إلى 30 أيلول/سبتمبر القادم. وقد وجهت منظمات حقوقية انتقادات لاذعة للجانب المصري، داعيةً إلى التوقف عن الحملات بحق اللاجئين السودانيين.
لا تقتصر معاناة اللاجئين على الحملات التي في بعض الأحيان تستهدف الحفلات العامة أو الأسواق أو المقاهي والمراكز التجارية التي يتواجد فيها السودانيون، بل إن عشرات الآلاف منهم وصلوا إلى هذا البلد عبر صحراء شاسعة ودرجات حرارة عالية، وقد شهدت مآسٍ قد تستمر فصولها مدى الحياة مع عائلات الضحايا، حيث توفي ما لا يقل عن (70) سودانيًا بسبب العطش في الفترة بين نيسان/أبريل وأيار/مايو الماضي، إثر توهان شاحنات المهربين في الصحراء وانعدام المياه والطعام.
ويرى معتز عبد الرحمن، الباحث في قضايا اللاجئين، أن أوضاع السودانيين داخل مصر تُعتبر أزمة كامنة. إذا لم تتوقف الحرب ويعودوا إلى بلدهم، ربما تنفجر يومًا في ظل اشتداد الأزمة الاقتصادية في مصر، ومحاولة الأنظمة، كما جرت العادة، رمي فشلها على "الأجانب واللاجئين"، خاصة في الشرق الأوسط وأفريقيا. وقد نلاحظ انتشار خطابات تحرض ضد اللاجئين على الشبكات الاجتماعية، التي تعتبر الأرض الخصبة لنشر الكراهية.
وقال عبد الرحمن لـ"الترا سودان" إن قضية اللاجئين السودانيين في مصر هي مسؤولية الأمم المتحدة والمنظمات الدولية. ويجب أن تُمارس الضغوط على السلطات للكف عن الحملات، كما أن وكالات الأمم المتحدة لا تكترث لأهمية تسريع الإجراءات وتقنين وضع اللاجئين، على الرغم من أنهم فروا من بلد يشهد أسوأ حرب على مستوى العالم، ولا تقل عن الحرب على قطاع غزة.
تقاعس الأمم المتحدة
وتابع: "الاتحاد الأوروبي يتعامل مع السلطات المصرية ووعد بمشاريع سخية مقابل إغلاق الحدود أمام حركة المهاجرين إلى الشواطئ الأوروبية. لقد تحولت قضية اللاجئين إلى أوراق ضغط بيد الأنظمة التي تعاني من اقتصادات مترنحة".
وأضاف: "الوضع الطبيعي، إذا كان هناك بلد مجاور يشهد صراعًا مسلحًا وتدفقًا للاجئين، هو إنشاء مخيمات على الحدود وتوفير خدمات التعليم والصحة والطعام عبر القسائم الشهرية".
وأكمل عبد الرحمن قائلًا: "تمول هذه الخطط عادة عبر الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، لكن هذا لم يحدث لأسباب متعددة. وقد يكون في أذهان السودانيين أن اللجوء يستمر لفترة مؤقتة ويعودون بعدها إلى بلدهم ومنازلهم. لكن مع تطاول الحرب في السودان والأزمة الاقتصادية في مصر، فإن الأزمة في طريقها إلى الانفجار".
ويرى معتز عبد الرحمن أن السلطات المصرية لديها الحق في منع الأنشطة التي تضر الاقتصاد، مثل التجارة في العملة أو فتح المدارس السودانية دون الالتزام بالإجراءات الإدارية. ومع ذلك، فإن هذه القضايا لا تخص غالبية اللاجئين السودانيين الذين يواجهون في بعض الأحيان إجراءات الإبعاد أو التحريات.
ويشكو اللاجئون السودانيون من الطوابير الطويلة في مكاتب مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في القاهرة والإسكندرية. وتضطر بعض المجموعات إلى المبيت قرب هذه المقار للوصول إلى نوافذ الخدمة.
لاجئة سودانية في مصر: حتى إذا حصلنا على مدارس حكومية مصرية مجانية، لا يمكننا تدبير المصروفات الجانبية
ورغم انتشار المدارس السودانية في مصر، إلا أن أغلب اللاجئين لم يرسلوا أطفالهم إلى التعليم نتيجة تدهور أوضاعهم المالية، واعتمادهم على الإعانات التي تأتي من الأصدقاء أو الأقارب، وإنفاقها على الإيجار والطعام.
في هذا الصدد، سأل مراسل "الترا سودان" فاطمة (36 عامًا)، وهي لاجئة سودانية تقيم في القاهرة ولديها ثلاثة أطفال، عن الأسباب التي حالت دون ذهابهم إلى المدرسة. أجابت بشكل مقتضب، عازية ذلك إلى عدم وجود المال.
وأضافت: "حتى إذا حصلنا على مدارس حكومية مصرية مجانية، لا يمكننا تدبير المصروفات الجانبية. نحن هنا نعاني معاناة يومية. إذا حصلنا على الطعام، يكون يومنا جيدًا. لذلك، أحيانًا يصبح التعليم نوعًا من الترف، رغم القلق الذي يساورنا بأن الأطفال يكبرون بعيدًا عن مقاعد المدارس".