أطلق نشطاء سودانيون في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، هاشتاج #اعرفي_حقك وذلك لوقف التحرش بحق النسوة السودانيات.
وتنوه مطلقة الهاشتاج إيمان متوكل وهي شاعرة شابة مدافعة عن قضايا المرأة، إلى أن الحكايا المفزعة -حد توصيفها- والتي يجري تداولها في أقبية المجتمع النسوي السوداني عن حوادث الاغتصاب والتحرش في ظل تجريم شبه تام للمرأة وسكوت مجتمعي مريب حيال الجناة؛ دفعها لإطلاق الهاشتاج عساه يكون صرخة تشق وادي الصمت.
الأفدح في مسألة التحرش بالسودان يرجع إلى كون معظم القصص يجري طمرها فلا تصك مسامع أحد وذلك نتيجة لمفاهيم مجتمعية خاطئة تجرم الضحية
صفحة مساندة
في الأثناء، تم تدشين صفحة بذات اسم الهاشتاج (اعرفي حقك) على "فيسبوك"، واهتمت الصفحة بتقديم جرعات مفاهيمية على نحو تعريف التحرش: "مضايقة أو فعل غير مرحب به من النوع الجنسي الذي يتضمن مجموعة من الأفعال والانتهاكات البسيطة إلى المضايقات الجادة التي يمكن أن تتضمن التلفظ بتلميحات جنسية أو إباحية وصولاً إلى النشاطات الجنسية. ويعتبر التحرش شكلاً من أشكال التفرقة العنصرية غير الشرعية وهو شكل من أشكال الإيذاء الجسدي والجنسي والنفسي والاستئساد على الغير".
وتنبه الصفحة إلى أن المتحرش في سلوكه المشين لا يفرق بين المرأة المتحجبة وتلك المتبرجة كما ولا يفرق بين متزوجة وآنسة بل والأنكى أن التحرش تتعرض له حتى الطفلات.
حماية
يقترح الهاشتاج عددًا من الوسائل التي يمكن أن تشكل حماية للمرأة السودانية من التحرش. وسائل من ضمنها الجاد، وفي طياتها المضحك، ولكن حتى وإن انفرجت أساريرك فمؤكد أنها تلك الطرائق مجربة وتؤتي أكلها.
لكن غدير شيخنا -هي شاعرة كذلك- تغرد بأن السلاح الأقوى حيال التحرش هو المعرفة وعدم الصمت والشجاعة.
طرق جدية
معظم حالات التحرش تتم في المركبات العامة، وقد تصل إلى حد تحسس جسد المرأة، وبالتالي صدرت من متداخلي الهاشتاج بعضًا من المقترحات التي يمكن أن تكون مفيدة في هذا الخصوص.
تحرض عُلا علي النسوة بحمل (دبوس) في حقائبهن واستخدامه لشك كل من يقترب منهن بغرض التحسس فتكون النتيجة أن يكف عن المضايقة مكتفيًا بالألم ومعرفة أنه قصد الفتاة الخاطئة التي يمكن أن تثير له المشاكل حال قرر المضي قدمًا.
ونجد أن علا رفعت من سقف الحماية بحثّ النسوة على حمل (مطوة) في حقائبهن وذلك لمقابلة الحالات الطارئة، وهو أمر أكدت زميلات صحافيات أنه حادث بحكم معرفتهن بمحتوى الحقائب النسائية.
وسيلة الحماية الأطرف جاءت على لسان عبد الله زين، إذ طالب الفتيات اللاتي يتعرضن للتحرش بالصراخ بنداء الاستغاثة المعروف ضد اللصوص (حرامي) وهو نداء عادة ما يدفع أصحاب النخوة للاستجابة له وإدراك الفتاة المستغيثة والتكفل بإعطاء المتحرش حصة وافرة من الضرب بحسبانه لصًا وضيعًا يستهدف النساء.
أشكال عنف
الأفدح في مسألة التحرش بالسودان راجعة إلى كون معظم القصص -أو قل الغصص- يجري طمرها فلا تصك مسامع أحد وذلك نتيجة لمفاهيم مجتمعية خاطئة تجرم الضحية وتشدد إنها تعرضت للتحرش جراء مسببات قوية صدرت عنها.
وتمثل تغريدة رسالة عبد الرحيم دليلًا قاطعًا على العنف الممارس ضد المرأة من رصيفتها المرأة، إذ تعزو رسالة -اسم المغردة- التحرش إلى لباس المرأة أو تعطرها أو لشكل تعاملها مع الشباب.
ولأن للرجال النصيب الأوفر من العنف، وصف وائل محمد التحرش بأنه أمر اعتيادي في ظل الكبت الجنسي الذي يعانيه السودانيون -حد تعبيره- ولذا اقترح المغرد حلاً عبقريًا مفاده "إن لم تستطع المرأة مقاومة التحرش .. إذاً فلتستمع به!".
مدافعة
لا شك أن من أسباب حملة اعرفي_حقك ما دافعه تهديم المبررات الواهية التي تساق كتبرير لفعل جريمة التحرش.
يعترض علي جمال وهو مغرد ذائع الصيت وداعم لحملة اعرفي حقك على سوق مبررات من شاكلة لبس المرأة كسبب للتحرش ويدعو لأن (يمسك الرجل) نفسه حتى وإن كانت المرأة عارية ربما مصداقًا للتساؤل هل تكمن المشكلة في عقل الرجل أم في جسد المرأة؟
على ذات القضبان نشرت صفحة (مبادرة عشانّا) تغريدة تلفت فيها الأنظار إلى عدد من الذرائع الشهيرة التي تساق كبواعث للتحرش من شاكلة "البنات بيكونوا مبسوطات لما يتعاكسوا، لا أعاكس وإنما أعبر عن جمال امرأة"، وتصر التغريدة على أن ذلك كله محض تلاعب، إذ إن الأمر في النهاية انتهاك للخصوصيات وتحرشًا لا مراء فيه.
معظم حالات التحرش الواقعة ضمن إطار الأسرة السودانية يجري التستر عليها مخافة الوصمة المجتمعية التي تطال المرأة المتعرضة للتحرش وتقلل من فرص زواجها
ظلم أولي القربى
شأن الإرهاب تمامًا في الإعلان التلفزيوني ذائع الصيت، فالتحرش لا دين له. بالتالي فإن معظم حالات التحرش الواقعة ضمن إطار الأسرة السودانية يجري التستر عليها لسببين: الأول مخافة الوصمة المجتمعية التي تطال المرأة المتعرضة للتحرش وتقلل من فرص زواجها والثاني لكون كثير من الأسر تقدم آصرة الأسرة الكبيرة على حساب الحماية الأبوية الفطرية وبموجب ذلك تسكت كثير من النساء على هذا النوع من التصرفات مع محاولة دفعه -وحيدات- ما استطعن لذلك سبيلًا.
رأي الهاشتاج النازع إلى ضرورة خلع حالة السكوت وإبدالها بالصوت العالي على أمل إنهاء التحرش كسلوك أو ضمان حصول فاعليه على عقوبات رادعة؛ يمكن أن ننتزعه من تغريدة ميادة علي والتي تعكس منهاجًا تربويًا ينبغي إشاعته في المجتمع بضرورة التبليغ عن حالات التحرش كافة وإن صدرت عن أقرب الأقربين.
جدوى الحملة
السؤال الأهم مرتبط دون شك بجدوى الحملة. جلّ الإجابات نجدها عبارة عن تغريدات مساندة للهاشتاج وتتوقع أن ينتهي بترك أثر إيجابي كما فعل الإعلامي السوداني الشهير بقناة العربية خالد عويس والذي يرى أن الحملة معزز لحفظ وصيانة حقوق المرأة السودانية.
لكن خذْ/ي بعضًا من الإجابات الغرائبية التي تتوقع أن تكون محصلة الهاشتاج صفرية، حيث تستبعد إسلام طه في معرض تعليقها على الهاشتاج أن يحدث تغييرًا في الواقع، وتوضح أن المتحرش وحال امتلك وعيًا وحسًا يؤهله للنقاش الهادف والتنويري الذي يتبناه رواد الهاشتاج، لما تجرأ في الأساس على إتيان فعل التحرش.
لا شك أن من أسباب حملة اعرفي_حقك ما دافعه تهديم المبررات الواهية التي تساق كتبرير لفعل جريمة التحرش
أما أحمد يوسف فيشير إلى بون شاسع بين ما يكتبه الذكور على الوسم وما يضمرونه في دخيلة أنفسهم. ويتساءل إن كان كل الشباب السوداني في "فيسبوك" ضد التحرش فهل يا ترى هم هؤلاء المتحرشون شباب السودان في "إنستغرام"؟
أشد التغريدات لؤمًا بحق الهاشتاج صدرت عن طه كباشي والذي اختزل كل الفكرة في ضرورة توليد نقاشات لا يستفيد منها سوى مؤسس "فيسبوك".
دور حكومي
لن يفوت على فطنة القارئ/ة كما ولن يفوت على رواد الهاشتاج -كذلك- غياب حلول تنادي باللجوء إلى الشرطة أو القانون.
أما السبب فمتمثل في كون القوانين السودانية منحازة ضد المرأة، ويكفي الإشارة إلى وجود قانون ساري تطبقه شرطة خاصة (شرطة أمن المجتمع) وجل عقوبات هذا القانون صادرة بحق النسوة سواء بتهمة الزي الفاضح أو عدم تغطية الشعر برداء أو حتى بارتداء البنطال. أما تفسير مواد القانون فمتروك لتقديرات رجل الشرطة الذي عادة ما يكون هو ذاته منفذ العقوبة. عقوبة من إهانتها قد تكون جلد الفتاة على رؤوس الأشهاد!!
اقرأ/ي أيضًا: