55 يومًا من القتال بين الجيش والدعم السريع في مدينة بابنوسة، إحدى أكبر مدن إقليم كردفان، كان كافيًا لتحويلها إلى مدينة أشباح جراء المعارك العسكرية ومقتل عشرات مدنيين وعملية نزوح طالت عشرات الآلاف من المواطنين.
معارك بابنوسة قد تحدث تحولًا في مسار الحرب بتفوق ساحق لوضع الجيش
بدأت قوات الدعم السريع شن هجمات عسكرية على مدينة بابنوسة بعد منتصف كانون الأول/يناير الماضي، واستهدفت السيطرة على الحامية العسكرية التابعة للجيش، لكن القوات المسلحة تصدت لأكثر من 80 محاولة للسيطرة عليها من قبل قوات الدعم السريع، حسب مصادر عسكرية تحدثت لـ"الترا سودان".
أهمية المدينة
المدينة الواقعة في ولاية غرب كردفان، والتي تجمع الخطوط الرئيسية للسكك الحديدية التي تمتد إلى أقصى غرب البلاد في نيالا حتى جنوبًا، أصبحت اليوم تعاني من انهيار كامل للخدمات الأساسية وحركة نزوح مستمرة وشوارع شبه خالية من المواطنين ومنازل أغلبها مهجورة ومنهوبة، وفق رواية أحمد حسين الناشط في قضايا الإقليم.
يقول حسين لـ"الترا سودان" إن الوضع في بابنوسة لا يمكن وصفه! لقد تجاوز مرحلة الخطورة إلى حالة من الانهيار. المدنيون يموتون أثناء عملية النزوح، وقبل يومين استهدفت نقطة تفتيش تابعة للدعم السريع ثلاثة مواطنين كانوا يحاولون مغادرة المدينة جرى إطلاق الرصاص عليهم من مسافة قريبة دون أي ذنب.
تشتهر مدينة بابنوسة بوجود أشهر مصنع للألبان، وعلى الرغم من سياسة المصانع المهجورة التي طالت المدينة ضمن مناطق واسعة في السودان، لكنها حافظت على أمل إعادة المصنع إلى خط الإنتاج قبل الحرب، ومع ذلك فإن المعارك العسكرية تحطم آخر خطوط تسللت من خلالها الضوء.
اليوم لا يمكن مشاهدة المارة في شوارع بابنوسة سوى حركة النزوح المستمرة إلى القرى المجاورة وإلى المدن التي استضافت النازحين في مراكز الإيواء وتنتشر مركبات الدعم السريع في بعض الأحياء التي تسيطر عليها لشن هجمات على الحامية العسكرية التابعة للجيش.
ضوء خافت
"لا يوجد حتى ضوء خافت"، هكذا يصف ياسين الوضع في بابنوسة معبرًا عن فقدانه للأمل في نجاة المدنيين الذين لا زالوا في بابنوسة. وما لم يضغط المجتمع الدولي لإقامة ممرات آمنة فالأوضاع طبقَا لياسين : "تُركت بلا نقاشات حول وضع المواطنين وحياتهم".
ويقدر ياسين عدد الوفيات وسط الأطفال في بابنوسة ومراكز الإيواء التي نزحوا إليها بـ 50 حالة وفاة بسبب الجوع والمرض والمضاعفات الناتجة عن سوء التغذية، وقال إن العالم لا يكترث لمعاناة المواطنين في حرب بابنوسة لأنها تنهي حياتهم على مدار الساعة.
ورغم ذلك يتوعد ياسين بتحقيق العدالة بشأن مقتل المدنيين، وقال إن هذه الجرائم لن تسقط بالتقادم ولن يفلت من العقاب أي شخص عرض حياة المواطنين إلى الموت أو جلب الحرب إلى المدينة.
وتابع: "الناس يموتون كل يوم إما في مراكز الإيواء بسبب مضاعفات المرض أو داخل بابنوسة بسبب انعدام الممرات الآمنة أو استهداف مباشر أثناء النزوح بواسطة قوات الدعم السريع".
وكان قائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو توعد الجيش بالسيطرة على الحامية العسكرية في بابنوسة في خطاب مسجل الشهر الماضي لكن لا تزال القوات المسلحة تتصدى لهجمات قوات الدعم السريع.
ويرى ياسين صعوبة سيطرة الدعم السريع على الحامية العسكرية وقال إنها صمدت أكثر من شهر ونصف ولا تزال بإمكانها الصمود وعدم الوقوع تحت قبضة الدعم السريع لأسباب متعددة من بينها وضعية الجيش المريحة بسبب وجود خطوط الإمداد والروح المعنوية العالية أيضا.
تحول الحرب
وكان الجيش تصدى لهجوم شنته قوات الدعم السريع مجددًا على الحامية العسكرية في بابنوسة الجمعة، ويتوقع اشتداد المعارك الساعات القادمة بسبب إصرار الدعم السريع على تعويض خسائر "معركة الإذاعة".
بينما يرى الباحث في الشأن الاستراتيجي محمد عباس أن الجيش يمسك بزمام الأمور في بابنوسة وتمكن من الصمود لأكثر من شهر ونصف ولا يزال بإمكانه فعل ذلك سيما وأن المدينة تعد حلقة وصل بين الأبيض وإقليم دارفور إلى جانب وقوعها قرب مدن حدودية مع جنوب السودان من الواضح أن هذه القوات لا تحصل على الإمداد من نقطة خارجية.
وقال عباس لـ"الترا سودان" إن دول الجوار لا تفضل سيطرة الدعم السريع على المدن القريبة من الحدود حتى لا تغرق في أتون الفوضى لذلك الحرب في السودان ستتخذ مسارات جديدة بصعود الجيش مجددا ليمسك بالمقود وهذا ما دعا مساعد القائد العام الفريق ركن ياسر العطا إلى إعلان إنشاء منطقة عسكرية في بابنوسة للقضاء على الدعم السريع.