05-يونيو-2024
لافتة في الطريق الرابط بين المتمة السودانية وأديس أبابا الإثيوبية

ظلت التجارة الحدودية بين السودان وإثيوبيا مستقرة لفترة طويلة، وكانت الحدود بين الدولتين بوابة لتبادل المنافع بينهما، حيث ارتفع معدل الاستيراد من إثيوبيا إلى أعلى مستوياته عقب اندلاع الحرب بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في منتصف نيسان/أبريل العام الماضي.

أدت الحرب الطاحنة والمعارك المحتدمة في السودان إلى تدمير البنية التحتية والقاعدة الصناعية بالعاصمة الخرطوم، التي تضم مئات المصانع في شتى المنتجات التي يعتمد عليها السودانيون بشكل أساسي.

ازداد معدل استيراد المواد الغذائية من إثيوبيا عقب اندلاع الحرب في السودان وسيطرت المنتجات الإثيوبية على الأسواق لأكثر من ستة أشهر، لتتراجع نسبة الاستيراد إلى أدنى مستوى الآن بسبب المهددات الأمنية التي يشهدها "إقليم أمهرا"

اللافت ازدياد معدل استيراد المواد الغذائية من إثيوبيا عقب اندلاع الحرب في السودان. فبعد مضي شهر على أقل تقدير، سيطرت المنتجات الإثيوبية على الأسواق لأكثر من ستة أشهر، لتتراجع نسبة الاستيراد إلى أدنى مستوى بسبب المهددات الأمنية التي يشهدها "إقليم أمهرا" شمال إثيوبيا، بجانب تدفق البضائع من دول أخرى.

تأثير توترات أمهرا على التجارة

إلا أن حركة التجارة بين السودان وإثيوبيا تأثرت جراء التفلتات الأمنية في إقليم الأمهرا، حيث أصبح الطريق الرابط بين البلدين غير آمن، مما جعل التجار في الدولتين يحجمون عن عملية الاستيراد والتصدير.

من جانبه، لم يخف التاجر السوداني عمر ياسر، الذي يعمل في الاستيراد والتصدير بين السودان وإثيوبيا، ضجرة من الأحداث التي يشهدها إقليم الأمهرا. وقال عمر لـ"الترا سودان"، "لم تمر علينا أسوأ فترة ركود تجاريًا بين بلادنا وإثيوبيا".

عدد ياسر الأسباب التي أدت إلى تراجع حركة التجارة الحدودية بين البلدين، أبرزها اشتعال الحرب واتساع نطاقها في ولايات كثيرة بالسودان، لا سيما وأن ولاية القضارف تعتبر ولاية مهددة باجتياحها من قبل قوات الدعم السريع التي هاجمتها بطائرات مسيرة ولا زالت القوات تتربص بها.

وتابع ياسر: "تدفق البضائع من دول أخرى لولايات أكثر أمانًا كان له أثر في تراجع حركة التجارة بين إثيوبيا والسودان، بالإضافة إلى المهددات الأمنية التي يشهدها الإقليم الشمالي لدولة إثيوبيا". وأكمل: "هذا السبب جعلني متحفظًا على مواصلة العمل خوفًا من ضياع رأس المال".

وأضاف ياسر أن الفترة الأولى للحرب في السودان زاد الإقبال على السلع المستوردة من إثيوبيا بشكل كبير، وأدخلت أكثر من عشر سلع غذائية كـ"المياه المعدنية، المشروبات الغازية، حب الشاي، البن، الصابون"، واستمر انتعاش المستورد إلى ستة أشهر.

وأضاف ياسر: "كنت أقوم بتصدير السمسم والصمغ العربي إلى إثيوبيا، عبر منطقة قندر الإثيوبية إلى منطقة القلابات بالقضارف"، مشيرًا إلى أن التجار الإثيوبيين أحجموا عن التعامل التجاري مع السودان بسبب الأوضاع الأمنية المشتعلة في إقليم الأمهرا. وقال: "حاليًا التجارة بين البلدين متراجعة بشكل كبير".

ارتفاع رسوم الجمارك

وتابع حديثه: "ارتفعت رسوم الجمارك ارتفاعًا كبيرًا للسلع المستوردة، فمثلاً شحنة الصابون وصلت رسومها إلى (350) ألف جنيه. التكاليف للعمل في التجارة بين الدولتين ارتفعت بشكل جعلني أعزف عن العمل كمستورد ومصدر".

تاجر: هناك تجار سودانيون يقومون بتهريب سلع استراتيجية ومحاصيل نقدية مثل الصمغ العربي والسمسم إلى الجارة إثيوبيا

وحث السلطات السودانية على مراقبة الحدود وقطع الطريق أمام التجارة غير الشرعية "التهريب"، وقال: "هناك تجار سودانيون يقومون بتهريب سلع استراتيجية ومحاصيل نقدية مثل الصمغ العربي والسمسم إلى الجارة إثيوبيا". مؤكدًا أن التهريب يعمل على تخريب الاقتصاد السوداني الذي يعاني من ويلات الحرب التي أقعدته.

لافتًا إلى أن التجار الإثيوبيين يقومون بإعادة تصدير المنتجات السودانية إلى خارج إثيوبيا باعتبارها منتجات إثيوبية. داعيًا المستثمرين السودانيين إلى اتباع القواعد الرسمية للتجارة بين البلدين حتى لا يتسببوا في إلحاق الضرر بالاقتصاد السوداني.

أما الخبير الاقتصادي في الجالية السودانية بإثيوبيا خالد كرم، فيرى أن ملف التجارة بين السودان وإثيوبيا أصبح غير واضح بسبب الحرب في السودان بجانب الأوضاع المشتعلة في إقليم أمهرا.

المنتجات الإثيوبية تسد بعضًا من احتياجات السودانيين

وقال خالد كرم لـ"الترا سودان": "التجارة بين السودان وإثيوبيا انتعشت عقب اندلاع الحرب في السودان، وتصدرت السلع المستوردة من إثيوبيا المواد الغذائية، وسمحت حكومة السودان بدخول (19) سلعة إلى البلاد عبر الحدود".

وأضاف: "المنتجات الإثيوبية دخلت إلى معظم الولايات الآمنة، ولأول مرة تدخل السلع الإثيوبية إلى مدن لم تصلها تلك السلع من قبل، وسدت حاجة المواطنين في تلك الفترة".

وأشار إلى أن انفتاح السودان على العديد من الدول في عملية استيراد السلع، أدى إلى انكماش الحركة بين الدولتين، وانعكس الانكماش في خلو الأسواق من منتجات البلدين.

لافتًا إلى أن السودان يصدر إلى إثيوبيا البصل والسمسم وصابون البودرة والصمغ العربي. وقال: "الحرب لم تؤثر على الصادرات إلى إثيوبيا، فعندما يتوقف تصدير سلعة البصل يظهر التوقف في أسعاره في السوق الإثيوبي".

وقال خالد: "الحرب في السودان لها تأثير كبير في عملية الصادر والوارد بين السودان وإثيوبيا، وفي الوقت الراهن توجد حركة تجارية ليست بالكبيرة".

في نهاية الشهر المنصرم، وقعت ولاية القضارف ممثلة في وزارة التجارة والتموين اتفاقية تجارة الحدود بما قيمته (20) مليون دولار.

وحددت الاتفاقية قوائم سلع الصادر والوارد للتجارة الحدودية مع إثيوبيا، وقالت الولاية إنها في مجملها تهدف إلى تنشيط حركة التجارة مع إثيوبيا وتوفير الاحتياجات السلعية لمواطني الولاية.

وقال والي القضارف المكلف اللواء (م) محمد أحمد حسن في مؤتمر صحفي إن توقيع الاتفاقية يتيح فرصًا واسعة لعمليات الصادر وترقية التجارة الحدودية، وزيادة الدخل وتوفير فرص عمل للمواطنين السودانيين.

فيما يعتبر الصحفي الاقتصادي عبدالوهاب جمعة أن تجارة الحدود بين السودان وإثيوبيا هي شريان حياة للاقتصاد السوداني بعد اندلاع الحرب في السودان لأكثر من عام.

صحفي: السلع الإثيوبية كانت طوق نجاة للسودانيين بعد توقف المصانع بولاية الخرطوم

وقال لـ"الترا سودان": "السلع الإثيوبية كانت طوق نجاة للسودانيين بعد توقف المصانع بولاية الخرطوم التي تعتبر نواة المصانع السودانية لكافة المنتجات السودانية في مجال المواد الغذائية وغيرها من المنتجات الأساسية".

ومضى بالقول: "التجارة الحدودية بين البلدين وضعت لها قوانين ولوائح قبل عشرات السنين، تلك القوانين جعلت حركة التجارة سلحفائية، ولما أقبلت الحرب، دفعت عجلة التجارة، وتحديدًا عملية الاستيراد للسودان".

وأضاف: "ما يميز التجارة بين السودان وإثيوبيا انتماؤهما إلى منظمة التجارة لدول شرق ووسط أفريقيا "الكوميسا"، وهذه الميزة جعلت التجارة بين البلدين تشهد استقرارًا للبلدين ولشعبيهما من الناحية الاقتصادية، بجانب وجود بنى تحتية جيدة بين البلدين".

آفاق التجارة بين السودان وإثيوبيا

في ظل هذه التحديات الاقتصادية والأمنية التي يمر بها البلدان، تظل التجارة بين السودان وإثيوبيا في موقف حساس يتطلب تدخلات عاجلة من السلطات في كلا البلدين. التعاون الحكومي وتفعيل بالاتفاقيات الثنائية يمكن أن يكونا حلًا لتجاوز الأزمات الحالية والمستقبلية، كما أن تعزيز مراقبة الحدود يمكن أن يحد من التهريب ويضمن تدفق السلع بشكل شرعي ومستدام. يبقى الأمل معقودًا على استقرار الأوضاع في إقليم أمهرا وفي السودان نفسه لتحفيز حركة التجارة وإنعاش الأسواق المحلية التي تعاني من الركود جراء الحرب والأزمة الاقتصادية الطاحنة.

يظل تحسين الأوضاع التجارية بين السودان وإثيوبيا يعتمد بشكل كبير على تعزيز الأمن والاستقرار في المناطق الحدودية وتسهيل إجراءات التجارة. ويمكن للحكومات الاستفادة من التجارب والعمل على إزالة العوائق التي تواجه التجار والمستثمرين، لضمان استمرار تدفق السلع والخدمات بين البلدين، مما سيعود بالفائدة على الاقتصادين والشعبين في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها المنطقة.