14-يونيو-2024
صلاة عيد الأضحى

تراجعت أحلام النازحين في دور الإيواء بالولايات الآمنة بالعودة إلى منازلهم مع حلول عيد الأضحى الثاني في ظل الحرب بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع. كما تراجع حلم شراء خراف الأضاحي أو ممارسة الطقوس السودانية والعادات والتقاليد الخاصة بعيد الأضحى المبارك، إلى توفير لقمة العيش أو جرعة ماء. كل الظروف تقف ضد النازحين بعدما طال انتظارهم لإيقاف الحرب التي تجاوزت عامها الأول، دون أن تضع أوزارها.

استتباب الأمن وإسكات أصوات البنادق أصبح حلمًا يراود السودانيين بشكل عام والنازحين على وجه الخصوص. يدخل عيد الأضحى الثاني في السودان وصوت الفرحة منخفض، بعد أن تعالت أصوات البنادق.

ناشد مجمع الفقه الإسلامي السودانيين الذين لا يملكون ثمن الأضحية داخل السودان أو خارجه بترك التشدد

تعللت إحدى النازحات بدار إيواء في ولاية القضارف، الحاجة نجاة، بضيق ذات اليد لشراء خروف الأضحية ومستلزمات العيد. وقالت لـ"الترا سودان": "أعيش في دوامة من الحيرة مع اقتراب عيد الأضحى، ونحن بلا دخل وليس بحوزتنا المبلغ الذي يسمح لنا بشراء الأضحية، التي ارتفعت أسعارها بشكل جنوني". وتراوحت أسعار خراف الأضاحي بين 300 إلى 400 ألف جنيه سوداني، فيما تصل أسعار الخراف الكبيرة إلى أكثر من 500 ألف جنيه.

وأضافت نجاة: "العيد هذا العام سيكون عيدًا للنسيان، بسبب وجع الحرمان وعدم الشعور بالأمان بجانب أوضاعنا الاقتصادية السيئة. نحن حاليًا نعيش حد الكفاف، محتاجون لمد يد العون من المنظمات والمؤسسات المحلية والعالمية للغذاء والكساء والعلاج". وأشارت إلى أن إحساس الخوف والقهر تفوق على إحساس الفرح بالأعياد والمناسبات السعيدة.

في الوقت ذاته، ناشد مجمع الفقه الإسلامي السودانيين الذين لا يملكون ثمن الأضحية داخل السودان أو خارجه بترك التشدد، وعدم تكليف النفس فوق طاقتها بشراء الأضحية في هذا الحال الصعب الذي يمر به غالب السودانيين.

وقال المجمع في بيان صدر الثلاثاء المنصرم: "على المقتدرين أن يتفقدوا أقاربهم وأهل حيهم ويدفعوا لهم أضاحي حية، وفق ما يتيسر من الأنعام من الضأن والماعز والبقر والإبل". واعتبرها صورًا من صور التعاون على البر والتقوى.

ودعا المضحين بالإكثار من الصدقة من لحم الأضحية والإهداء أكثر من ذي قبل للحاجة الماسة التي يعيشها الناس في ظل هذه الحرب. وحث المواطنين على تكوين لجان لاستقبال لحوم الأضاحي لتوزيعها على المحتاجين ومراكز النازحين وارتكازات الجيش ومن يساندهم من المتطوعين المرابطين على الثغور.

كما دعا المغتربين أن يبعثوا بثمن أضاحيهم لتؤدى عنهم في السودان وتوزع على الأقارب والمحتاجين من الجيران وأهل المنطقة ممن فقدوا ما يملكون.

لم يكن حال النازحين في ولاية سنار بأفضل من بقية الولايات التي استقبلت النازحين في دورها. يقول النازح بمدينة سنجة، حاضرة ولاية سنار، عثمان عبد الستار: "نزحت إلى سنار من إحدى قرى ولاية الجزيرة مطلع العام الجاري بعد أن اقتحمت قوات السريع قريتي الصغيرة."

وتابع عثمان لـ"الترا سودان": "كيف لي أن أفرح بالعيد وجميع أفراد أسرتي تفرقت بنا السبل ما بين نازح ولاجئ؟ الطبيعي ألا أتذوق طعم العيد وفرحته، خاصة وأن جميع السودانيين يشعرون بخيبة أمل كبيرة لما تعرضوا له من انتهاكات جسيمة من طرفي الحرب". ويعيش النازحون والناجون من الموت حياة صعبة في مخيمات ومناطق تطالها اشتباكات يومية، بالإضافة إلى آلاف الأسر التي فقدت ذويها في المعارك على مدار العام ولا تزال تدفع ثمن النزاع. مشيراً إلى أن الأسباب التي جعلت الجميع يتجرع مرارات الحرب تجعل من الصعب أن يفرح الإنسان السوي وهو يعيش تلك المرارات.

قالت المنظمة الدولية للهجرة إن 10.7 مليون شخص هجروا من ديارهم في السودان، بينهم 9 ملايين نازح داخلياً، ليعتلي السودان الآن صدارة الدول التي شهدت حالات نزوح داخلي. وذكرت المنظمة لجوء أكثر من مليوني شخص آخرين إلى الخارج، معظمهم إلى تشاد وجنوب السودان ومصر وإثيوبيا. كما أن عدد اللاجئين والنازحين داخلياً أكثر من ربع سكان السودان البالغ عددهم 47 مليون نسمة.

وبالاتجاه إلى غرب السودان، تزداد الصورة قتامة مع معاناة المدنيين من شدة الاشتباكات الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريعن، لا سيما في مدينة الفاشر. وتتفاقم المعاناة لآلاف المدنيين بعد نزوحهم من منازلهم، ليواجه المدنيون شحًا في توفير الغذاء والدواء لأعداد كبيرة من الأهالي الفارين من مناطق المواجهات والقتال.

يروي حيدر إبراهيم، أحد أبناء إقليم دارفور، الذي ساعدته الظروف على اللجوء إلى أوغندا، معاناة إنسان دارفور التي وصفها بالمروعة. وقال: "الأمنية الوحيدة أن ينجو أهلي من الموت، لأن القوات المتحاربة لا تضع للإنسان أدنى اعتبار."

وأكمل: "أتابع أخبار المدنيين في دارفور بقلق كبير، خاصة وأن الدعم السريع يواصل انتهاكاته على الأرض، بينما القوات المسلحة تنتهك جواً عبر الطيران الحربي الذي روع المدنيين".

وتابع حيدر لـ"الترا سودان": "استمرار الاشتباكات جعلنا في جحيم وتساوى الليل مع النهار، وإن الساعات تمر ببطء شديد. كل حلمي أن تتوقف الحرب ويعود الاطمئنان إلى ربوع الوطن".

مواطن: يأتي العيد والسودان موشح بالسواد، للأحزان التي تتضاعف يوميًا

وقال: "يأتي العيد والسودان موشح بالسواد، للأحزان التي تتضاعف يومياً. العيد سيأتي ونحن بذات الحالة من التوتر والقلق على من هم داخل السودان. سيكون عيدنا وفرحتنا عندما يقف نزيف الدم للمدنيين الأبرياء، بحسب حديثه".

تشهد معسكرات إقليم دارفور ظروفًا إنسانية مريرة مستمرة منذ أكثر من عقدين من الزمان، وضاعفتها الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، والتي انطلقت شرارتها في الخامس عشر من نيسان/أبريل من العام الماضي.

وما تزال أعداد النازحين في السودان في ازدياد مستمر، حيث فر حوالي عشرة ملايين شخص من منازلهم في السودان منذ اندلاع الاشتباكات. وارتفع عدد النازحين بنحو (53,500) شخص خلال الأسبوع الماضي وفقًا لمصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة. ويتواجد النازحون في (6,771) موقعًا، بزيادة قدرها 62 موقعًا خلال الأسبوع الماضي، في جميع ولايات السودان.