منذ نحو مئة عام، كان التعليم في السودان دينيًا، وتغير بعد ذلك إلى نظامي، ويكاد في الألفية الثانية أن يأخذ طابع التعليم الأجنبي، إذ ارتفع عدد المدارس الأجنبية بشكل ملحوظ، واستحدثت طرق مختلفة لتلقي العلوم. تسعى العائلات السودانية إلى تعليم أبنائها اللغات الأجنبية وإجادتها، لكنها لم تعد تثق في التعليم الحكومي "المتدهور"، والذي هجره أفضل الأساتذة إلى خارج السودان. ونتج عن ذلك ارتفاع عدد المدارس البريطانية والفرنسية في الخرطوم خاصة.
وينتقل التلاميذ عادة من هذه المدارس إلى الجامعات الأوروبية. يقدر عدد المدارس الأجنبية في محافظة الخرطوم بحوالي 30 مدرسة وهي تضم آلاف التلاميذ. لكن هذا التعليم الأجنبي المتطور والمستشري في السودان، يخلق، حسب البعض، طبقة جديدة من التلاميذ والطلبة الغرباء عن بيئتهم وأوطانهم.
يخلق التعليم الأجنبي المنتشر في السودان طبقة جديدة من التلاميذ والطلبة الغرباء عن بيئتهم وأوطانهم
بعد ازدهار التعليم الخاص واتساع نشاط بعثات الأمم المتحدة في البلد، سمحت الحكومة السودانية لعدد من رجال الأعمال بإنشاء مدارس أجنبية في السودان، تقوم بتدريس المناهج البريطانية والفرنسية وغيرها وأحياناً تخلط هذه المدارس بين المناهج السودانية والأجنبية. لكن، مؤخرًا، انتبهت وزارة التعليم إلى أمر خطير في هذه المناهج، إذ تبين أن بعضها يمجد اليهود مثلًا وينتقد التعاليم الإسلامية أو يشكك في وجود الذات الإلهية ويشوه اللغة العربية والتاريخ الوطني، ما اضطر الوزارة إلى تشكيل لجنة لمراجعة تلك المناهج وتقويمها.
اقرأ/ي أيضًا: جامعة الخرطوم..البريق المفقود
يقول، محمد خريف، مدير الإعلام بوزارة التربية لـ"ألترا صوت": أن "في الخرطوم، حوالي 28 مدرسة أجنبية وتدرس التلاميذ مناهج أجنبية، لكن بعضها يلتزم بقرار تدريس التربية الإسلامية واللغة العربية فيما لا يلتزم البعض الآخر، لذلك صار من الضروري مراجعة المناهج الأجنبية والتثبت من ما تقدمه لشباب المستقبل".
يمثل السودانيون 90 في المئة من تلاميذ المدارس الأجنبية. ويتوقع خريف، مدير الإعلام بوزارة التربية، ازياد عدد المدارس الأجنبية في السودان خلال المرحلة المقبلة، ويعزو الأمر لحاجة عديد الأسر إلى إجادة أبنائهم اللغات الأجنبية في وقت مبكر.
تدفع الأسر السودانية للمدارس الأجنبية رسومًا تفوق ثلاثة أضعاف رسوم المدارس الحكومية، ومعظمها تُدفع بالعملات الأجنبية رغم شحها وعدم توفرها في البنوك بالقدر الكافي. إحدى هذه المدارس، وهي لرجل أعمال معروف، بلغت رسوم تسجيل التلميذ الواحد فيها 25 ألف دولارسنويًا، وهو مبلغ مرتفع جدًا بالمقارنة مع بقية المدارس الأجنبية والمدارس الخاصة، بينما رسوم تسجيل طفل الروضة، في نفس المدرسة الأجنبية، تقدر بـ15 ألف دولار سنويًا.
تدفع الأسر السودانية للمدارس الأجنبية رسومًا تفوق ثلاثة أضعاف رسوم المدارس الحكومية
وانتشرت في الصحافة المحلية دعوات تطالب الحكومة بوضع سقف لرسوم المدارس الأجنبية، إلا أن ذلك لم يطبق، وتركت الوزارة أمر تحديد الرسوم للمدارس وأصحابها، كما تركت لها حرية تحديد المناهج من قبل. وتمنع معظم تلك المدارس الأجنبية، إن لم يكن جميعها، تلاميذها من التحدث باللغة العربية أثناء الحصص الدراسية وحتى في وقت الإستراحة. ويشتكي بعض الأولياء أن أبناءهم لا يفقهون من أمور الدين وتاريخ وجغرافيا وطنهم شيئاً ويخشون أن تطمس هويتهم السودانية.
تقول أماني شبيكة، معلمة في إحدى المدارس الأجنبية بالسودان، لـ"ألترا صوت": أن "المشكلة الحقيقية ليست في المناهج ولا في الرسوم وإنما في الاستعانة بأساتذة من خارج السودان، ومنحهم أجور عالية، بينما يهاجر أبناء البلد الأكفاء إلى الخارج". وتضيف: "تقع مسؤولية عدم تدريس اللغة العربية وتعاليم الدين الإسلامي على عاتق وزارة التربية والتعليم، وإن لم يكن هناك قانون يمنحها صلاحية تغيير هذا الوضع، فينبغي على البرلمان إصدار تشريع يساعدها في فرض تدريسها".
وتؤكد أماني أن التعليم الأجنبي "ليس شرًا" بصفة عامة، فهو، حسب تعبيرها، "يعد الطلاب بشكل جيد ويسمح لهم بالدراسة في أفضل الجامعات العالمية، علاوة على أنه يتفوق في تدريس بعض المواد على التعليم الخاص والتعليم الحكومي".
اقرأ/ي أيضًا: طلبة السودان ..في اللاشيء يقضون إجازاتهم