في محطة حافلات وسط مدينة عطبرة، وجدت عبير نفسها وقد تركت خلفها العاصمة الخرطوم بعد مسيرة ست ساعات استغرقتها من منزلها بالخرطوم شرق، وتركت منطقتها التي تعيش حالة الحرب وهي غارقة في ظلام دامس، وأزمة مياه وتوقف شبكات الاتصالات.
قالت مواطنة غادرت شرق الخرطوم إنها مدينة غير صالحة للعيش
عادت هذه السيدة إلى العاصمة الخرطوم لوضع حد للنزوح الذي استغرق قرابة العام، وكانت تأمل في توقف الحرب بين الجيش والدعم السريع خلال شهور قليلة، ومن ثم تعود إلى حياتها الطبيعية ما بين العمل والمنزل والأطفال والمدارس ونساء الحي.
لكن ما حدث أن الحرب لم تتوقف، واستمر النزوح في وضع اقتصادي حرج وفقدان للوظائف الخاصة، وتوقف الخدمات الاقتصادية مثل الأسواق والمصانع واعتماد البعض على تحويلات مالية محدودة تأتي من خارج البلاد.
رمت بنفسها على مقعد الحافلة وعادت حيث كانت في رحلة النزوح الطويلة، تاركة الخرطوم وهي غارقة في الفوضى وفقدان الأمل، وانتشار اليأس على الطرقات المليئة بالقمامة وملابس قديمة مع حركة طفيفة للجنود المدججين بالسلاح، خاصة الدعم السريع التي تسيطر على أحياء شرق العاصمة.
ارتفعت درجات الحرارة في السودان إلى ما فوق الـ (42) درجة مئوية منذ منتصف نيسان/أبريل الجاري، فيما ضربت أزمة حادة في مياه الشرب مناطق واسعة من العاصمة الخرطوم، نتيجة توقف محطات المياه لانقطاع التيار الكهربائي منذ شهر.
وفي هذا الوقت من كل عام ترتفع درجات الحرارة في السودان، ومع استمرار الحرب ودخولها العام الأول هناك مخاوف من أن تؤثر أزمة المياه على ملايين السكان في الخرطوم، أولئك الذين يعيشون على وقع الحرب والمعارك الحربية منذ (12) شهرًا.
ورغم هدوء جبهات القتال في العاصمة بشكل عام منذ أسبوعين حسب ما ذكر مواطنين، إلا أن ارتفاع أسعار الغذاء بات واضحًا حتى في المناطق الآمنة في أمدرمان بسبب انحسار حركة القوافل التجارية.
وقالت عبير التي تقيم في الخرطوم شرق وقررت مغادرة العاصمة الخرطوم عبر نهر النيل لـ"الترا سودان"، إن أزمة المياه والكهرباء وتوقف الاتصالات جعلت العيش مستحيلًا في منطقة الخرطوم شرق، بعد أن عادوا إلى حي أركويت ظنًا أن الحياة أصبحت عادية.
وزادت بالقول: إن الوضع لا يسمح ببقاء المواطنين في تلك المناطق، ولم تعد الخرطوم صالحة للعيش، ومن قرروا البقاء يعانون من ظاهرة النهب وشح المياه وانقطاع الكهرباء والاتصالات والقصف العشوائي.
وأضافت: "رغم توقف المعارك اليومية، إلا أن القصف العشوائي يحصد أرواح المواطنين".
وعقب توسع الدعم السريع إلى ولاية الجزيرة وبعض أطراف مدينة سنار، قرر بعض المواطنين العودة إلى الخرطوم نتيجة ارتفاع كلفة البقاء في الولايات فيما يتعلق بإيجار المساكن، حيث وصلت بعض المنازل إلى ألفي دولار أمريكي.
وتقول نهلة حسن العاملة في المجال الإنساني، إن المناطق التي تقع في نطاق الحرب في السودان تصنف ضمن اسوأ بؤر العنف في العالم نتيجة انعدام الحياة بأكملها، وقالت إن السودانيين بطبعهم اعتادوا على الحياة الشاقة، ويحاولون التطبع مع حياة الحرب وهم مضطرون.
البقاء في الولايات بالنسبة لملايين النازحين من الخرطوم والمدن الأخرى مكلف للغاية، والغالبية يقيمون في المدارس ومراكز الإيواء في ظروف بالغة التعقيد، لذلك يفكرون في العودة إلى المنازل
وأوضحت نهلة حسن لـ"الترا سودان"، أن البقاء في الولايات بالنسبة لملايين النازحين من الخرطوم والمدن الأخرى مكلف للغاية، والغالبية يقيمون في المدارس ومراكز الإيواء في ظروف بالغة التعقيد، لذلك يفكرون في العودة إلى المنازل.
وأضافت: "بعض من عادوا نزحوا مجددًا لصعوبة الحياة، مثلًا بعض المواطنين عادوا إلى حي الصحافة جنوب الخرطوم، إجابتهم عندما عادوا مرة أخرى إلى الولايات الآمنة أن الحي أصبح منطقة غير صالحة للعيش".