عُرف "الشربوت" عند أهل السودان منذ مئات السنين، خاصةً في مناطق النوبيين شمالي البلاد وعند القبائل التي تسكن بجوار نهر النيل، وانتقل بعد ذلك إلى مناطق مختلفة من السودان، خاصةً شرقي البلاد ووسطها. ويُعد "الشربوت" من العادات الثقافية الراسخة لدى السودانيين خاصةً في عيد الأضحى، فهو المشروب الأبرز في هذه المناسبة.
دخلت تغييرات عديدة في صناعة الشربوت وتعمل بعض الشركات على صناعته وبيعه في عبوات جاهزة
عادة ثقافية سودانية
لعيد الأضحى طقوس وعادات شتّى، تختلف من دولة إلى أخرى، ومن منطقة إلى الثانية. ويُعد الشربوت أحد طقوس العيد لدى أهل السودان، يشربونه بعد تناول اللحم. وأصل الاسم من كلمة "شراب"، وتحضّره الأسر السودانية في البيوت، ويُقدّم إلى الضيوف في العيد، ويتبادله الجيران، كما يُقدّم إلى الأقارب والمعارف وأهالي الحي، ضمن العادات والتقاليد السائدة في المجتمع.
ومع تطور الحياة، دخلت تغييرات عديدة في صناعة الشربوت؛ إذ صار يُصنع بنكهة الفواكة مثل الجوافة، كما عملت بعض الشركات السودانية على صناعته وبيعه في عبوات جاهزة؛ حيث يخضع للتعبئة والتغليف، كمنتج سوداني أصيل، إلا أن غالبية المواطنين لا زالوا يصنعونه في البيوت من التمر والبلح. ولا يقتصر تناول الشربوت على عيد الأضحى فحسب، إنما يُقدّم للضيوف في المناسبات الاجتماعية الكبيرة، مثل الزواج، كنوع من إكرام المعازيم، ولاحتواء وجبات المناسبات على كثير من اللحم.
مشروب المناسبات الاجتماعية الأول
ويعتقد كثيرون أن تناول الشربوت يقتصر على كبار السن، ومع ذلك فإن مواقع التواصل الاجتماعي، في عيد الأضحى، تضجّ بصور المشروب التي يرفعها صغار السن من الأجيال الجديدة. وعادةً ما يتصدّر "هاشتاق الشربوت" مواقع التواصل الاجتماعي ويكون على رأس المواضيع الرائجة والمتداولة في السودان، ما يدل على قبول الأجيال الجديدة بهذه العادة وتمسكها بموروثات الآباء والأجداد؛ حيث يفضّلون تناوله على المشروبات الغازية. ويتباهى كل فرد باحتسائه كميات كبيرة من هذا المشروب، ويقدمون نصائح عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول طريقة تناوله.
كما تصنع بعض النساء، خاصةً اللواتي يعملن في صنع المأكولات الشعبية، الشربوت بكميات كبيرة، لغرض البيع. وعادةً ما ينشر بعض أعضاء البعثات الدبلوماسية في السودان صورهم في عيد الأضحى وهم يتناولون الشربوت، معلقين بأنه مشروب لذيذ يُقارب في مذاقه النبيذ. ويحرص السودانيون على تقديم الشربوت إلى جيرانهم الأجانب من ذوي الخلفيات الثقافية المختلفة، بغرض تعريفهم بالثقافة السودانية ولمشاركتهم فرحة العيد.
طريقة صنع الشربوت
تعتمد صناعة الشربوت على البلح أو التمر. ويُصنع منزليًا بطريقة آمنة ونظيفة؛ حيث يُنظّف البلح ويُفصل عن النواة، ويُوضع في قِدْر كبير ليغلي، ولايضاف إليه السكّر، بينما تضاف إليه البهارات المختلفة، مثل "القِرفة" و"الهبهان أو الهيل" و"الخميرة" و"الحِلبة". ويُترك ليغلي في القِدْر، لمدة طويلة إلى أن يصبح لونه "بُنّيًا فاتحًا"، ويُترك ليختمر لما لا يقلّ عن (12) ساعة، ويُصنع عادةً قُبيْل يوم العيد بساعات قليلة، إلا أن بعض الناس يتركه لعدة أيام -يمكن أن تصل إلى ثلاثة- ليختمر. كما تُضاف إليه في بعض الأحيان الفواكه مثل العنب والجوافة والتفاح.
ويتفنن السودانيون في طريقة تناوله؛ حيث يُضيف إليه بعضهم مشروب "السفن آب". ومَن لا يستطيعون صناعة الشربوت، يحضّرون "الزّرعية" (نوع من القمح) ويضيفون إليها الزبادي والعرق الأحمر (نوع من البهارات يشبه الزنجبيل).
فوائد الشربوت
لمشروب الشربوت العديد من الفوائد، مثل المساعدة في الهضم وهو الغرض الأساسي من تناوله، ويعمل "الشربوت" أيضًا كمهدّئ للأعصاب إلى جانب تنظيف المعدة والمساعدة في الاسترخاء، كما يُفيد في علاج بعض أمراض المعدة. ويسبب "الشربوت" نوعًا من الخدر الخفيف للجسد ودوارًا خفيفًا في الرأس إذا ما تُرِكَ ليختمر مدةً طويلة، ولذلك يُشبّهه بعض الناس بالنبيذ.
يساعد "الشربوت" على الهضم ويعمل كمهدّئ للأعصاب إلى جانب تنظيف المعدة والمساعدة في الاسترخاء
للشعب السوداني العديد من العادات التي تميّزه عن غيره من الشعوب، والشربوت أحد هذه العادات الأصيلة التي لا يكتمل عيد الأضحى عند كثيرٍ من السودانيين إلا بتناوله. وأصبح "الشربوت" علامة بارزة تميز الشعب السوداني، يُشاركه فيها الأجانب المقيمون بالبلاد. ووصلت صناعة "الشربوت" إلى مناطق شتى من السودان، مثل كردفان وبعض المناطق غربي السودان بنسب قليلة. ويبقى الشربوت المشروب السوداني الأبرز في عيد الأضحى، وتجتمع الأسر بسعادة وهي تتناوله.