بصعوبة تمكن مستثمرون من تركيب مصانع صغيرة شمالي السودان لإنتاج المعلبات من الخضروات والفواكه، فالحرب التي اشتعلت بين الجيش والدعم السريع في منتصف نيسان/أبريل الماضي وضعت الصناعة المحلية على المحك لأن أغلب المنشآت الصناعية تقع في العاصمة الخرطوم.
وكأن الحرب تستهدف الصناعة المحلية بدأت بتدمير مبنى البحوث الصناعية في الخرطوم واليوم تحولت الصناعة المحلية إلى أشلاء متناثرة
أبلغ رجال أعمال وزيرَ المالية السوداني جبريل إبراهيم بأن "مصانعهم تتعرض للنهب، والعديد منها نهبت فعليًا ودمرت بفعل القصف المدفعي والجوي"، لافتين إلى أن بعضهم شرع في نقلها إلى خارج البلاد.
وشرع مستثمرون محليون في عمليات تركيب مصانع صغيرة في الولاية الشمالية ونهر النيل لقربهما من مناطق الإنتاج والتصدير ولا سيما المنتجات الغذائية، لكن شح الطاقة الكهربائية يقف حائلًا أمام هذه الاستثمارات الواعدة إلى جانب ارتفاع أسعار الوقود.
ارتفعت أسعار الوقود بنسبة (50%) عما كانت عليها قبل الحرب. وانعكست الزيادة على تكلفة النقل والخدمات انعكاسًا مضاعفًا – حسب ما يقول أحد المتعاملين في سوق الطواحين بمدينة "أبو حمد" وهي منطقة منتجة للذهب وتستهلك كميات من الوقود في تشغيل آليات الحفر في المناجم.
ويقول هذا المتعامل في حديث إلى "الترا سودان" إن تشغيل الآليات في مناطق الذهب وفي المصانع الصغيرة التي تعمل على استخلاص المعدن الأصفر من الصخور يستهلك كميات من الوقود، ولذلك ارتفعت تكلفة الإنتاج أضعاف ما كانت عليها قبل ستة أشهر.
وإذا ما شيد مستثمرون المصانع في الولايات، فإن الخطط بحاجة إلى "حكومة فعالة". ومع التعهدات التي بذلها وزير المالية في لقائه رجال الأعمال وملاك المصانع السودانيين في القاهرة، لكنها تعهدات ربما تهزمها انهيار مؤسسات الدولة عقب اندلاع الحرب وصعوبة تدبير العملات الصعبة لتحسين قطاع الكهرباء لإحداث استقرار في أسعار الوقود.
قال مضوي عبدالرحيم وهو مهتم بالصناعات الصغيرة بولاية نهر النيل لـ"الترا سودان" إن نقل المصانع من العاصمة الخرطوم أو تركيب مصانع جديدة عملية "شاقة ومكلفة" وتحتاج إلى إشراف حكومي سواء للتنسيق مع وكالات الأمم المتحدة للتنمية الصناعية أو الطرف المسيطر على منطقة المصنع.
ويرى عبدالرحيم أن الخسائر جراء تدمير المصانع بالعاصمة –سواء بالنهب أو القصف– قد تصل إلى أكثر من تريليون دولار أمريكي، مشيرًا إلى أن استعادة الصناعة المحلية "مستحيلة" في ظل الظروف الراهنة، ولافتًا إلى أن حكومة الأمر الواقع "لا تكترث بالأزمة" وتركت الأسواق لهجمات السلع المستوردة حتى ارتفع سعر الصرف وتفاقمت الأزمة الاقتصادية والمعيشية لدى ملايين المواطنين – على حد قوله.
وكانت المصانع المحلية تغطي نحو (60%) من الاستهلاك المحلي خاصةً المنتجات الغذائية. وعقب اندلاع الحرب لم تكن أمام الأسواق في الولايات سوى اللجوء إلى الدول الجوار مثل مصر وإثيوبيا وجنوب السودان، ما أدى إلى عجز في الميزان التجاري جراء ارتفاع نسبة الاستيراد وارتفاع سعر الصرف في السوق الموازي حتى وصل الدولار الأمريكي إلى (910) جنيهًا سودانيًا.
وأعرب الباحث الاقتصادي محمد أبشر لـ"الترا سودان" عن قلقه من تفاقم مستويات المعيشة في السودان، لأن "سعر الصرف تأثر بالاستيراد المرتفع، مع غياب تام للصناعة المحلية التي كانت تغطي نسبة كبيرة من الاستهلاك المحلي".
ويشدد أبشر على ضرورة إيقاف الحرب لاستعادة الصناعة الوطنية، قائلًا إن "خطط نقل المصانع إلى الولايات يجب أن تستمر مع وقف القتال، وينبغي أن تكون العاصمة الخرطوم خالية من المصانع في السنوات المقبلة". وأردف: "من الصعب الاستثمار الصناعي مع استمرار الحرب في منطقة قد لا تكون لديك ضمانات قوية بأنها ستكون بمعزل عن المعارك العسكرية".
وفكرة انتشار الصناعة المحلية على المستوى الفيدرالي قديمة ومتجددة، لكن عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي عرقلا هذه الخطط التي تبناها خبراء إستراتيجيون. ومع ذلك فإن القتال الذي يدور في العاصمة الخرطوم دمر مبنى البحوث الصناعية تمامًا خلال الشهرين الأولين للحرب.
ويقول مضوي عبدالرحيم إن المصانع في الولايات قد توفر فرص عمل لآلاف العاطلين، كما تخلق "دورة اقتصادية" بتشغيل الخدمات الجانبية، لكن "من الصعب تحقيق هذا الحلم مع استمرار الحرب" – يستدرك مضوي.