05-أبريل-2020

(تويتر)

ما الذي يجعل ثمن منزل شعبي متواضع في ضواحي مدينة أم درمان يساوي ثمن شقة في حي متوسط في فرنسا أو شقتين في القاهرة؟ ما الذي يحدث في قطاع العقارات بالسودان؟ ولماذا يواصل الصعود بهذا الشكل الجنوني؟ هي أسئلة مختلفة وجدت لها إجابات متنوعة يناقشها التقرير التالي:

مهندس قطاع خاص: بلغت نسبة التضخم حاليًا 67% ولا بد من تقييد إجراءات المضاربة في القطاع العقاري لأن القيمة الحقيقية تكون مجهولة

الدولة من مورد رئيسي إلى تاجر

يقول المهندس بالقطاع الخاص فتح الرحمن محمد علي إن الدولة طيلة العهود السابقة تحولت من مورد رئيسي إلى تاجر جشع يستثمر في بناء المناطق والأبراج السكنية، وتغذي الدولة منسوبيها بتقديم خدمات الماء والكهرباء إلى مناطق محددة ليبني فيها منسوبوها الأبراج السكنية العالية دون رقابة. ويضيف محمد: "لا يجوز للدولة التصرف في الملكية العامة، لكنها حولتها إلى ملكية منفعة".

اقرأ/ي أيضًا: تقرير صندوق النقد الدولي.. الاقتصاد السوداني يواجه اختلالات ومخاطر وآفاق مظلمة

يتساءل فتح الرحمن، كيف نتجت هذه المعادلة المختلة؟ يجيب: "يبلغ التضخم حاليًا 67%، في الماضي كانت الإحصاءات تحسب بالسنة، اليوم صار التغيير يحسب باليوم والأسبوع والشهر. يضطر صاحب العقار إلى رفع السعر كل مرة ليواكب هذا التغيير. الطلب اليوم على العقار أكثر من العرض لذلك ارتفعت القيمة. والخطير في القطاع العقاري هو المضاربات التي حدثت في عهد النظام البائد وفيها تكون قيمة العقار غير حقيقية. وفقًا لما تقدم، بحسب محمد علي فإن معالجة هذا الخلل تكون بتنظيم منح الأراضي من قبل الدولة وتقييد المضاربات في القطاع السكني من ناحية ملكية الأرض ونقلها.

ثلاثة بنود تتحكم في القطاع

حدد أستاذ الاقتصاد بعدد من الجامعات السودانية، معتصم الزاكي، ثلاثة بنود تشرح وضع القطاع العقاري بالسودان حاليًا، هي: البند الأول تحول أصحاب الأعمال للمضاربة في القطاع العقاري، وهذا عيب في تشكل بنية العقل السوداني المتجه للربح الخالص دون التفكير في فائدة الدولة والآخرين. البند الثاني: اتجاه الكثير من المغتربين لادخار أموالهم بشراء المباني السكنية لأنها ذات قيمة ثابتة نسبيًا، وما يحرك الكثيرين منهم ومن المستثمرين هو الخوف من عدم ثبات قيمة العملة المحلية. كما تأثر السودان مؤخرًا بالهجرات من بعض دول الجوار مثل سوريا واليمن وإرتيريا فزاد الطلب على السكن وتصاعدت بالتالي أسعاره. البند الثالث: هو عناصر النظام السابق، والمقصود أنها مع بدايات الثورة وكلما كللت المواكب بالنجاح خافوا أكثر على مصيرهم، وحول الكثير منهم الأموال والسيولة إلى عقارات.

اقرأ/ي أيضًا: تحالف المزارعين يحذر من مضاربات قبل حصاد القمح وينتقد تأخر الحكومة

ضرورة التأمين للقطاعات الإنتاجية

يقول المحلل الاقتصادي عصام علي إن القطاعات الإنتاجية في السودان تتعرض للخطر، لأن رأس المال الوطني والمحلي يتجه للاستثمار في العقارات ولأن نسبة المخاطر فيه منخفضة، كما يتعرض سوق العقارات لمضاربات. من ناحية أخرى، ساهمت هجرة السكان من الريف إلى المدينة في فتح وتوسع سوق العقار وارتفعت بذلك تكاليف السكن. إضافة إلى عودة كميات كبيرة من مغتربي الخليج خاصة من السعودية واستثمارهم مدخراتهم في بناء العقارات السكنية وتأجيرها.

ما هي المعالجات؟

يؤكد عصام علي إن التنمية المتوازنة والاهتمام بتنمية الريف تقلل من نسبة الهجرة إلى المدن. ولا بد من بناء سياسات قومية تشجع وتزيد الإنتاج المحلي وتكون جاذبة للمستثمرين وتقل فيها نسبة المخاطر على المستثمرين. بجانب التوسع في مجال التأمين الزراعي والحيواني والنباتي، فعلى سبيل المثال، في قطاع الدواجن، يخاف بعض المستثمرين المحليين من الدخول نتيجة لتفشي الأوبئة التي يمكن أن تفتك بالطيور، فيفضل استثمار رأس ماله في شراء ثلاث شقق سكنية والتكسب من عائداتها، أما في حال وفرت الدولة تأمين وضمانات مالية جيدة لأصحاب مثل هذه المشاريع ستجدهم يساهمون فيها بنسبة كبيرة. ولا بد كذلك من تدخل الدولة لتحديد سقف أعلى لإيجارات المساكن، لأنه قطاع يحتاج لتنظيم وهيكلة.

ملف العقار لا يزال مغلقًا

ربط الكاتب الصحفي والخبير الاقتصادي كمال كرار ارتفاع أسعار العقارات خلال السنوات العشر الماضية بتوجهات رؤوس الأموال للاستثمار في هذا القطاع الهام، وصارت السيولة النقدية تستبدل بالأصول الثابتة حيث وجدت الملاذ الآمن من خطر انخفاض قيمتها، لأن المخاطر تقل في هذا القطاع والضرائب عليه قليلة والأرباح مرتفعة.

اقرأ/ي أيضًا: السودان يتوقع تأثر أسواقه بسبب فايروس كورونا وقلق بين شركات التأمين

يشير كرار إلى أن بدايات العام 2011 وما تلاها ظلت تشهد ارتفاعًا مضطردًا في سوق العقارات، وزاد حجم البناء والتشييد في الناتج المحلي، مقابل انهيار قطاع الإنتاج المحلي، خاصة وأن البنوك تمول القطاع العقاري دون غيره من الاستثمارات. كل ما تقدم ذكره أدى بشكل مباشر لزيادة حجم المباني المطروحة للإيجار، لكن بالرغم من ذلك ازدادت قيمة الإيجارات.

وينتقد كرار الحكومة السابقة لأنها سمحت لبعض الجهات الأجنبية بالإيجار بالدولار في المناطق الفاخرة وكذلك دخول بعض الأجانب في شراكة مع رموز النظام البائد في مشاريع عقارية، ولم تنج شركات الاتصالات من هذا القطاع حيث حولت أرباحها إلى استثمارات عقارية، لأن بنك السودان حينها لم يكن قادرًا على توفير أرباح هذه الشركات إلا بالعملات الأجنبية. ومنذ ذلك الحين ارتبط سوق العقار بالدولار وكلما ارتفع سعره زادت قيمة الإيجارات. وظل الاقتصاد السوداني يعاني من انعدام دعم القطاعات الزراعية والصناعات، مفضلًا التركيز على قطاع العقارات.

كمال كرار: نطالب بفتح ملف العقارات بعد الثورة وقضية توزيع الأراضي وآليتها على المواطنين. وهناك عدة أسباب لارتفاع قيمة العقارات

في ذات السياق، عدد كرار مجموعة أسباب أخرى لارتفاع قيمة العقارات منها عدم وجود قانون أو نظام ضريبي يصب في مصلحة الدولة، وهو أحد البدائل المطروحة لدعم الميزانية والمساهمة في الإصلاح الاقتصادي. أضف إلى ذلك، أن المستفيدين من قانون العقارات هم ممن ربطتهم علاقات مع النظام القديم، وما ترتب على ذلك من ضياع الخطط الإسكانية الحكومية لمحدودي الدخل والفقراء لمصلحة الشركات الكبرى المستثمرة في هذا القطاع، والتي تملك مخططات سكنية يكون نصيب الفقراء فيها شبه معدوم. وكأنما الدولة ارتضت لنفسها رفع يدها من متطلبات ومعاش الناس.

يقول كرار إن سودان ما بعد الثورة عليه إعادة فتح ملف الأراضي وآلية توزيعها لأنها ملكية عامة وحق رئيسي من حقوق الحياة الكريمة في سبيل تحقيق العدالة، إحدى شعارات الثورة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كورونا يتسبب في تأجيل المؤتمر الاقتصادي فما هي خطة الحكومة؟

مطالب الإصلاح الزراعي واجتثاث الفساد على طاولة حمدوك