عشرات الكيلومترات تقطعها المواطنية "أمينة" من أجل الحصول على عدد من أعواد الحطب والتي تستعملها كبديل للغاز في ظل التحديات التي طرحتها الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على المرأة السودانية، حيث أصبح الحصول على الوقود أو مشتقاته أمرًا شاقًا للغاية، فبدأ بعض الأهالي بالاحتطاب من أشجار الظل المتواجدة بالأحياء، والتي يزرعها البعض أمام منازلهم.
قالت امرأة سودانية لـ"الترا سودان" إنهم لم يستخدموا غاز الطبخ منذ أكثر من ثلاثة أشهر
لا تمتلك أمينة أي من هذه الشجيرات أمام منزلها، ولا حتى من القوة ما يجعلها تقوم بدور الحطاب، لكنها تستطيع أن تسير إلى مسافات طويلة باحثة عن متبقي الأعواد الجافة لتتمكن من إعداد الطعام لصغارها، وتقول أمينة حسين (36 عامًا) لـ"الترا سودان"، إنها لم تستخدم الغاز الطبيعي منذ أكثر من ثلاثة أشهر، ومع الارتفاع الكبير في أسعار الفحم والذي بلغ (18) ألف جنيه للجوال، يصبح من الصعب توفيره بشكل منتظم، لتستعيض عنه بالبحث عن الأعواد على الطرقات، والتي أكدت أنها منتشرة بشكل كبير، فقد وجدت الأعواد رواجًا واسعًا للاستخدام ممن تبقى من سكان في مدينة أم درمان، فكثيرات هن من يحذون حذوها.
التدهور الاقتصادي
وفي أحياء مدينة ود مدني وجدت سلمى محمد (42 عامًا) نفسها بلا وظيفة، بينما فقدت مقتنيات منزلها في الخرطوم جراء عمليات النهب والسلب المنتشرة بشكل كثيف هناك، لتواجه التدهور الاقتصادي بلا أي معينات من الشركة التي كانت تعمل بها في الخرطوم بحسبما أفادت لـ"الترا سودان"، فلم تجد خيارًا سوى الانخراط في المشاريع النسائية الصغيرة متمثلة في صناعة الكيك والحلويات لتنقذ نفسها وأسرتها من شر الحاجة والعوز.
وتضيف سلمى في حديثها لـ"الترا سودان"، إن العمل في بداية الأمر رافقته بعض التحديات متمثلة في بطء العملية التسويقية وعدم معرفتها للسوق بشكل جيد، ولكن وبعد مرور أشهر تبدو الأمور أكثر تحسنًا، وأصبح المشروع يجني بعض الأرباح التي يمكن أن توصف بالجيدة -بحسب ما قالت- بحيث أصبحت تفكر بشكل جاد في توسيع المشروع واستئجار منفذ للبيع بشكل مباشر بدلًا عن توصيل الطلبات. وتضيف أن شقيقتها ستقوم بالمساهمة معها في تكلفة التوسعة لتشاركها الأرباح.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي جاءت مبادرة السيدة سوهندا عبدالوهاب التي تقدم وجبة مرتين في كل أسبوع لسكان محلية كرري المتضررين من آثار الحرب، والتي سببت تدهورًا اقتصاديًا ملحوظًا لمعظم الأسر السودانية بمختلف طبقاتها، وتعتمد سوهندا في إعداد الوجبات على التبرعات التي تجمعها من المواطنين.
بيئة مختلفة
لم تعتد هاجر حمد (48 عامًا) على مغادرة منزلها الذي ظلت تلازمه لعشرين عامًا متواصلة، والتي وجدت نفسها خارجه فجأة ودون تخطيط، ولا تعلم إن كانت ستعود إليه عما قريب؛ العودة التي أصبحت مرهونة بخروج أفراد الدعم السريع من منزلها الذي تألفه بزواياه الكثيرة. وتضيف لـ"الترا سودان" أنها قامت بشراء نباتات الصبار ووضعتها في مطبخ المنزل الذي سكنته حديثًا بدولة مصر لتحاول أن تخفف من آثار استوحاشها للبيئة المختلفة، كونها كانت تزين بها مطبخ منزلها في العاصمة الخرطوم.
وتضيف أن اختلاف الشوارع والوجوه واللهجات يصيبها بحالة من القلق ويفتح بداخلها عددًا من التساؤلات المتعلقة بإمكانية عودتها إلى بلدها المنكوب ومنزلها المنهوب في أقرب توقيت.
ضرورة صحية
ومع تدني الحالة الاقتصادية ونزوح الملايين جراء الحرب انطلقت مبادرة "الفوطة ضرورة صحية" والتي تنظمها مجموعة من الفتيات النازحات من ولاية الخرطوم بحسب الوصف المدرج على منصة المبادرة في موقع فيسبوك، وتعمل المبادرة على توفير مستلزمات الرعاية الصحية للنساء التي تكفل حق كرامة المرأة السودانية.
وتستهدف المبادرة النازحات بمراكز الإيواء بولاية كسلا، بحيث تقدم حقيبة تحتوي على عدد من المقتنيات المتمثلة في الفوط الصحية والصابون بنوعيه للاستحمام وللغسيل، المعقمات والملابس الداخلية التحتية. وتعتمد هذه المبادرة على الجهود الشعبية من خلال جمع التبرعات من المواطنين.
تعاني شريحة النساء بشكل خاص من الحرب وتبعاتها
وتعاني شريحة النساء بشكل خاص من الحرب وتبعاتها، كونهن يحتجن إلى رعاية خاصة في فترات من حياتهن، ناهيك عن تعرضهن للاعتداء الجنسي بحيث أكدت منظمة العفو الدولية تعرض عشرات النساء للاعتداء الجنسي بينهن قصر، بينما تعصف بهن تغير مآلات الحياة وآثار النزوح القسري، ويصعب التدهور الاقتصادي الذي تعيشه البلاد وسوء الخدمات حياتهن بشكل كبير، لتتشابه حكايتهن ومعاناتهن مع أمينة رغم اختلافها، والتي تبحث عن أعواد الحطب هنا وهناك لاستغلالها كوقود لأعمال الطبخ من أجل سد رمق الأسرة أولًا، ومن ثم المجتمع.