قبل وصول الإسلام في القرن السابع والثامن الميلادي كانت جمهورية السودان دولة ذات أغلبية مسيحية، حيث واصل النوبيون المسيحيون من أتباع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في تكوين جزء كبير من التركيبة السكانيّة في البلاد حتى القرن التاسع عشر، عندما اضطر معظمهم إلى اعتناق الإسلام في ظل الثورة المهدية (1881-1898). وبعد انفصال جنوب السودان في عام 2011 انخفضت نسبة وعدد المسيحيين في السودان، إذ إن نسبة المسيحيين في السودان تبلغ اليوم 1.5% من السكان حسب إحصائية الحكومة السودانية.
بالإضافة إلى المسيحيين النوبيين والأفارقة، يوجد أيضًا مسيحيون أقباط قدموا من مصر واستوطنوا في ربوع السودان ولهم مساهمة في الحياة السياسية في السودان واضحة وجلية، وكذلك مجالات الحياة المختلفة من الطب والهندسة وغيرها. هناك ما يقرب من 1.1 مليونًأ من الكاثوليك في السودان اليوم، بالإضافة إلى نسبة كبيرة من الأرثوذكسيين. وتدير الكنيسة الرومانية الكاثوليكية شبكة واسعة من المدارس تعتبر من مدارس النخبة أبرزها مدارس كمبوني التي أسسها الراهب كمبوني.
بعد انفصال جنوب السودان في عام 2011 انخفضت نسبة وعدد المسيحيين في السودان
في الواقع، من أبرز القضايا التاريخية التي لها جذور عميقة في السودان محاكمة اثنين من القساوسة في الخرطوم وهما الأبوان "يات ميشيل" و"بيتر ين" بعدة تهم، أبرزها شن حرب ضد الدولة والتجسس لصالح أعدائها. وقد أثارت هذه القضية اهتمام المنظمات المسيحية التي تعنى بالدفاع عن حقوق المسيحيين، حيث أعلنت أن السبب الحقيقي والعامل الأساسي في هذه القضية هو العنصرية والتحيز الديني، خاصةً وأن السودان دولة إسلامية وتحرص على الحكم بالشريعة الإسلامية.
من جانبها، أعلنت منظمة العفو الدولية آنذاك في بيان رسمي لها، عبر وسائل الإعلام العالمية والمحلية، أن القس ميشيل قبض عليه في ديسمبر/كانون الأول عام 2014 بعد أن ألقى عظة في إحدى الكنائس شمالي الخرطوم، أثار خلالها المخاوف بشأن معاملة المسيحيين في السودان.
هناك أكثر من مليون كاثوليكي في السودان اليوم بالإضافة إلى نسبة كبيرة من الأرثوذكسيين
وعن سبب اعتقال القس الآخر "ين" في الشهر التالي، فهو إرساله خطاب لمكتب الشؤون الدينية، يستفسر فيه عن سبب القبض على زميله. يذكر أن مواطني جنوب السودان قد صوتوا بأغلبية ساحقة لصالح الاستقلال عام 2011، بعد عقدين من الحرب الأهلية التي يعتقد أنها أودت بحياة أكثر من مليوني شخص من المسلمين والمسيحيين، حسب إحصاءات حكومة جنوب السودان في عام 2010 عبر وسائل الإعلام الرسمية.
اقرأ/ي أيضًا: أن تكون عربيًا في السودان
العلاقات المجتمعية
في حديثنا معه، أكد الطبيب كرولوس ماركوس، وهو مسيحي قبطي، أن العلاقة بينه وبين جيرانه المسلمين علاقة طيبة، مبنية على الاحترام والود منذ أن سكن أجداده السودان، وأن ما يحدث سياسيًا لا يمت بصلة للعلاقة الطيبة بين الناس بشكلٍ عام. أما المواطن محمد عبد الله والذي يعمل كمهندس تبريد ويعتنق ملة الإسلام، فقد أشار أن معظم زبائنه من المسيحيين. يقول إنهم يثقون في قدراته المهنية وأن التعامل بينه وبينهم مبني على الاحترام، كما أشار عبد الله إلى أنه عندما يقوم بزيارة زبائنه المسيحيين في منازلهم لإصلاح أجهزة التبريد الخاصة بهم، ويأتي وقت أذان المغرب في شهر رمضان، يقدمون له الطعام والماء ويستقبلونه بحفاوة وترحاب.
أما السيدة إيفا، وهي امرأة مسيحية من جنوب السودان، متزوجة بالسيد أحمد كمال من شمال السودان، فكادت أن تواجه مشكلة الرحيل من جمهورية السودان بعد قرار انفصال الجنوب، إلا أنها حصلت على الجنسية السودانية، بحسب قانون الدولة والذي يسمح بحصول الزوجة الأجنبية على الجنسية السودانية في حال زواجها من سوداني. أكدت إيفا أنها تعتبر السودان بلدها الأم وأنه لا فرق بين مسيحي ومسلم، وأن ما يحدث من ظلم يكون على الصعيد السياسي وليس الشعبي. كم تبدو الجملة الأخيرة رائعة.
حكم الردة السوداني!
شغلت وسائل الإعلام العالمية والمحلية قضية فتاة سودانية اعتنقت المسيحية، فصدر بحقها الحكم بالجلد والإعدام، قبل أن يكتشف لاحقًا، أنها تزوجت من شاب مسيحي، وغادرت للعيش معه. اعتقلت، وأنجبت طفلها في سجن بأم درمان. صدر حكم بإطلاق سراحها لاحقًا بعد ضعوطات، وأفادت وكالة رويترز بأن محكمة الاستئناف ألغت حكم الجلد بمائة جلدة "باعتبارها زانية لأنها تزوجت من مسيحي".
اقرأ/ي أيضًا: الهجرة إلى أمريكا.. سودانيون يحلمون ببلاد العم سام