على عكس ما هو متوقع، التزمت الأحزاب السياسية ومؤسسات الحكومة الانتقالية، الصمت تجاه الكشف عن مقابر جماعية "يحتمل" أنها لمفقودي مجزرة فض اعتصام القيادة العامة، فلم تصدر أي مؤسسة حزبية من قوى الحرية والتغيير حتى الآن بيانًا بخصوص الحدث المستجد، تسلط فيه الضوء أو تطالب فيه بضرورة الإسراع في كشف الحقائق بخصوص المقبرة الجماعية، التي تم فيها دفن جثامين بصورة تتنافى والكرامة الإنسانية، بحسب بيان النيابة العامة.
لم يكشف بيان النيابة العامة الصادر بالأمس عن مكان المقبرة بالتحديد
ويتماشى هذا الصمت مع الصمت الآخر إزاء كشف نتائج التحقيق في مجزرة فض الاعتصام، والتي سلم نتائجها المحامي نبيل أديب لرئيس الوزراء قبيل أيام ولم يعلن أديب، أو الجهات الرسمية عما توصلت إليه التحقيقات حتى الآن.
اقرأ/ي أيضًا: لجنة التحقيق: المقبرة الجماعية تحرسها الشرطة ولم نبدأ أعمال النبش بعد
ولم يكشف بيان النيابة العامة الصادر بالأمس عن مكان المقبرة بالتحديد، كما لم يتضح حتى ساعة كتابة هذا التقرير أي جديد بخصوص الأمر، لكن موقع "مونتي كاروو" الذي يتمتع بمصداقية معقولة، كشف عن أن موقع المقبرة هو بالقرب من جبال المرخيات في شمال غرب أم درمان، وهو ما يؤكده منشور كتب في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2019، حينما كتب حساب يحمل اسم "Amer Alsaify" منشورًا يوجه فيه نداءً إلى الجهات المسؤولة والصحافة يعلن فيه عن اكتشاف مقبرة جماعية بمنطقة المرخيات.
وتداول ناشطون على نطاق واسع أن الجثامين المكتشفة في المقبرة الجماعية تبلغ (800) جثمان. إلا أن مصدرًا من داخل لجنة التحقيق في قضية المفقودين، فضل حجب اسمه، نفى صحة ما يتم تداوله، قائلًا إن الجثامين لا تتعدى أكثر من مئة جثما على أقصى تقدير.
كما تداول السودانيون على نطاق واسع صورة لمنشور منسوب للشاعر محمد الحسن بن عوف يكشف فيه بعد يوم من فض الاعتصام عن عملية دفن لجثامين بمنطقة المرخيات.
يجيء هذا الهدوء الحذر، لدى القوى السياسية، نسبة لقلة المعلومات التي جاد بها البيان، إضافة إلى حساسية المسألة، ومتماشيًا مع الانقسامات والتجاذبات العديدة التي تشهدها الحكومة ممثلة في أجهزة الحكم التنفيذية والقوى السياسية الحاضنة للحكومة وتجاذباتها مع الشق العسكري في الحكومة الانتقالية، وأيضًا مع النيران التي فتحها الشيوعي تجاه القوى السياسية والعسكرية المتشاركة في الحكم، واتهامه لهم بتمكين العسكريين.
وبحسب ما يتداول المزاج العام، وترجح المعطيات، أن المسؤول عن الدماء التي أهرقت في فض الاعتصام هو المجلس العسكري المنفرد بالحكم وقتها، سواءً بالتعمد أو بالتقصير في حماية المدنيين المعتصمين أمام مقر قيادة الجيش، مما يعني أن فتح الملف سيسلط الضوء على الشق العسكري ويضعه تحت المساءلة المباشرة مما يهدد صفو الأجواء بين العسكريين والمدنيين، كما يضع المدنيين أيضًا تحت المساءلة من قبل الثوار الذين تعد قضية العدالة للشهداء والمفقودين، واحدة من أهم القضايا المطلبية قبل وبعد فض الاعتصام.
وفي الأثناء التي التزمت فيها القوى السياسية والناشطين الصمت، نشطت صفحات عديدة محسوبة على النظام المُباد في نفي خبر أن المقبرة تحوي جثامين مفقودي القيادة العامة، مشيرة إلى أن الجثامين تتبع لقتلى ما كان يعرف بجهاز الأمن والاستخبارات، إبان محاولة خليل إبراهيم دخول الخرطوم.
هذا النفي، عزز لدى الناشط السياسي محمد عبد الرحيم، وعدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، السخرية من هذا الادعاء، حيث دعوا للتأكد من أن المقبرة المكتشفة حديثًا هي لمفقودي القيادة، فكتب قائلًا:
نصر الدين إبراهيم ملمحًا إلى مسؤولية النظام البائد: تاريخ الديكتاتورية وإرثها لا بد فيه الكثير لم يكشف بعد
من جهة، كتب الناشط السياسي الداعم لقائد قوات الدعم السريع "حميدتي" منتصر إبراهيم، على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" مطالبًا بالتعمق في الكشف عن الحقائق، وملمحًا إلى أنه ربما تورطت عناصر النظام المُباد في المجزرة، حينما قال "تاريخ الديكتاتورية وإرثها لا بد فيه الكثير لم يكشف بعد".
تجد القوى السياسية الشريكة والداعمة للسلطة الانتقالية نفسها في موقفٍ حرج أمام خيارين، إما أن تضغط في اتجاه استكمال إجراءات التحقيق لتجد نفسها أمام سلسلة طويلة من التحقيقات التي ستجر بالتأكيد عددًا من الشخصيات التي تشاركها الحكم، وإما أن تلوذ بالصمت وتتعامى عن الحقائق، في سبيل الحفاظ على فترة انتقالية لم تحقق مطالب الثورة بحسب رؤية العديد من الجهات السياسية.
اقرأ/ي أيضًا
ضحايا شركة "بلاك شيلد" الإماراتية يعتزمون رفع دعوى قضائية ضدها وبقية الأطراف
تحقيق لمنظمة دولية يسلط الضوء على جرائم الإمارات ضد سودانيين وحربها بالوكالة