دفعت (61) مجموعة نسوية وحقوقية وأحزاب سياسية بمذكرة إلى المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في السودان، وطالبت بإلغاء عقوبة الرجم، على خلفية الحكم بالإعدام رجمًا على سيدة بمنطقة النيل الأبيض.
"الموت رجمًا"، مهدد يواجه المرأة في السودان، فماذا قالت النساء والحقوقيات والناشطات النسويات في هذه القضية؟
"الموت رجمًا"، مهدد يواجه المرأة في السودان، فماذا قالت النساء والحقوقيات والناشطات النسويات في هذه القضية؟
حملة حياتك – حياتنا
ما الذي يميز حملة "حياتك-حياتنا"؟ وهل تهدف الحملة إلى معالجة قضية سيدة النيل الأبيض أم هي محاولة للتغيير الجذري في القوانين "المضطهدة للنساء"؟
تجيب عن هذه التساؤلات عضوة تجمع "كنداكات جنوب الخرطوم" نضال عثمان، بأن جزءًا كبيرًا من القضية ليس لها "سند ديني"، إلى جانب أن القاضي "لم يتعامل بعدالة مع القضية" – على حد تعبيرها. وأشارت نضال في تصريح لـ"الترا سودان" إلى أن المحاكمة كانت "مستعجلة" ولم يتوفر للمتهمة محامي. وأضافت: "السودان من الدول الموقعة على اتفاقية مناهضة التعذيب، وواحدة من مشاكل هذه القوانين (الرجم)"، لافتةً إلى أنها تظهر وتختفي في فترات وتعد هذه الحالة الثالثة خلال الثلاثين عامًا الماضية – وفقًا لنضال.
وزادت نضال: "الحملة تهدف إلى التصدي للقوانين المضطهدة وغير المنصفة للنساء"، مبيّنةً أنها قوانين "جائرة" وتكرس لمزيد من "الاضطهاد والتمييز ضد النساء".
وأكدت عضوة تجمع "كنداكات جنوب الخرطوم" أن الحملة لن تكون مجرد "ترند" يظهر لفترة من الزمن ويختفي، موضحةً أن الهدف منها هو "إلغاء القوانين المضطهدة للنساء" بالتركيز مع حالة الشابة الحالية موضوع القضية.
ووفقًا للتقارير الأخيرة، فإن أعداد النساء في سجن أم درمان فاقت سعة السجن بثلاثة أضعاف من النزيلات وأطفالهن. والكثير منهن من النساء الفقيرات والنازحات واللاجئات ومن ضحايا جرائم الاتجار بالبشر وجرائم العنف المبني على النوع الاجتماعي. وتتفاقم ظواهر تجريم النساء تحديدًا في أعقاب انقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر؛ إذ ترتفع أعداد النساء في السجون بصورة ملحوظة وفق قوانين مبهمة متعلقة بجرائم الآداب والزنا وصناعة الخمور البلدية وبيعها.
تناقض وتعارض
وفي السياق نفسه، أوضحت عضوة "محاميات من أجل التغيير" سلوى سعيد لـ"الترا سودان" أن عقوبة الرجم منصوص عليها في القانون الجنائي السوداني لسنة 1991، لافتةً إلى أنها -من الناحية الإنسانية- من العقوبات "القاسية وفيها شيء من التعذيب" - على حد تعبيرها.
وأشارت سلوى إلى توقيع السودان على عدد من المعاهدات الدولية؛ مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية واتفاقية مناهضة التعذيب. وبحسب سلوى، ثمة تناقض بين المعاهدات الدولية الموقع عليها السودان وبين القوانين المحلية التي قالت إنها "يجب أن تتسق مع المعاهدات الموقع عليها".
ومضت بقولها لـ"الترا سودان" إنه خلال الفترة الانتقالية كان يجب تعديل/إلغاء الكثير من القوانين، واصفةً ما حدث بعد انقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر بـ"الردة في جميع مناحي الحياة السياسية والقانونية وغيرها".
رئيسة "لا لقهر النساء": نطالب بإلغاء عقوبة الرجم لأنها ضد الفطرة الإنسانية السليمة، ولا يمكن لشخص سوي أن يمسك حجرًا لقتل إنسان
الموت رجمًا
وجاء في المذكرة التي دفعت المجموعات النسائية إن القانون الجنائي 1991 أدخل إلى القوانين السودانية من قبل نظام البشير ومن أسمتهم المذكرة "سدنة الإسلام السياسي" كجزءٍ من حملة قمع ضد النساء من خلال "التلاعب بالتقاليد الإسلامية وتسييسها واستخدام الدين كأداة للقهر والتعذيب". وبحسب المجموعات النسوية، استهدف تنفيذ القانون النساء "بلا هوادة" ومارس السيطرة المجتمعية التي "ترهب المرأة وتحد من وجودها في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية".
وفي هذا الاتجاه، قالت رئيسة مبادرة "لا لقهر النساء" أميرة عثمان إن المبادرة جزء من حملة "حياتك-حياتنا" من أجل المطالبة بإلغاء عقوبة الرجم وأن تحصل الشابة على "محاكمة عادلة". وأضافت في تصريح لـ"الترا سودان" أنه لم تتحقق إنجازات للمرأة السودانية خلال الفترة الانتقالية، مؤكدةً أن النضال النسائي من أجل المكاسب "لا يزال مستمرًا".
وفيما يتعلق بالمادة (146) من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991 "زنا المحصنين"، فتوضح أميرة أن الحكم بالرجم صدر بحق ما يقارب أربع نساء، لكن لم تنفذ عقوبة الرجم في السودان بحق أي مواطن أو مواطنة سودانية – على حد قولها. وتابعت: "دائمًا ما يُنطق بالحكم في حق النساء اللائي يكن بلا معرفة أو وعي بحقوقهن".
وذكرت أميرة أن حالة الشابة (موضوع القضية) لم تحصل على "محاكمة عادلة"، مشيرةً إلى أنها مطلقة "طلاق مشروط" ومن أسرة فقيرة وأن زواجها من البداية كان "إجباريًا". وأوضحت أميرة عثمان أن الزوج اشترط -بعد الانفصال- إرجاع الأموال التي دفعها ليمنحها الطلاق. ووفقًا لرئيسة مبادرة "لا لقهر النساء"، أجبرت الفتاة على الإقرار بأن لها علاقة بالقتيل، لتبرئة ابن عمها من جريمة القتل أو تخفيف العقوبة عليه، بالإضافة إلى أن المحكمة -والحديث لأميرة عثمان- "لم توفر لها محامي".
وأردفت أميرة بالقول إن عقوبة الرجم لم ترد نصًا في القرآن الكريم، موضحةً أن الحادثة التي وقعت في عهد الرسول الكريم كانت من شريعة سيدنا النبي موسى، وعندما نزلت سورة النور "جبّت ما قبلها"، مشيرةً إلى وجود عدد من الآراء الفقهية حول تشريع عقوبة الرجم.
وزادت أميرة: "نطالب بإلغاء عقوبة الرجم لأنها ضد الفطرة الإنسانية السليمة، ولا يمكن لشخص سوي في الوقت الراهن أن يمسك حجرًا لقتل إنسان".
ووفقًا لما جاء في المذكرة، لا ينص قانون الإجراءات الجنائية السوداني على واجب المحكمة بإخطار المتهمة بحقها في التمثيل القانوني. وإلى ذلك، قالت المذكرة إن القرار الصادر بموجب ذلك الحرمان من المحاكمة العادلة يصبح قرارًا "ملزمًا وخطيرًا للغاية" في سياق يكون فيه الوصول إلى العدالة والمعرفة بالقانون ضعيفة بالإضافة إلى القوانين "القمعية والمتحيزة بشكل نمطي ضد المرأة" والسوابق القضائية السارية حاليًا في السودان – طبقًا للمذكرة.
نسويات: يسمح قانون الإثبات بمزيد من التمييز في قضايا الزنا، لأن الحمل خارج إطار الزواج يُعد دليلًا كافيًا للإدانة
وبحسب المجموعات النسوية، يشكل هذا البند (الخاص بعدم إلزامية الإخطار بالحق في التمثيل القانوني) من الإجراءات الجنائية السوداني "انتهاكًا لحق المرأة في محاكمة عادلة ويعرض حياتها للخطر". ويسمح قانون الإثبات -بحسب النسويات- بـ"مزيد من التمييز" في قضايا الزنا، لأن الحمل خارج إطار الزواج يُعد "دليلًا كافيًا للإدانة" غير آخذين في الاعتبار جرائم الاعتداء الجنسي السائدة في البلاد.