في أبريل/نيسان من العام 2019، وقف العالم مشدوهًا بصورة لفتاة سودانية من داخل ميدان اعتصام القيادة العامة -6 نيسان/أبريل 2019 إلى 3 حزيران/يونيو 2019- كانت آلاء صلاح تبدو ساعتها مثل "الكنداكات" ملكات السودان في العهد القديم، وتهتف مع المعتصمين منادية على حلم سودان جديد تسود فيه قيم الحرية والسلام والعدالة. أصبحت آلاء أيقونة لديسمبر بفعل الثورة وبتأثير ما كانت ترتديه يومها في بلاد يمثل فيها ما ترتديه النساء موضوعًا لجدل لا يلبث أن ينتهي حتى يبدأ من جديد.
وبعد ثلاث سنوات و(45) يومًا على سقوط نظام البشير (1989 إلى 2019)، وفي خضم مقاومة انقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر، يعود جدل ما ترتديه النساء في المواكب ليحتل مكانًا في الواجهة مرة أخرى، حيث صعدت به إلى السطح تغريدة كتبها أحد منسوبي مجموعة "ملوك الاشتباك"، يطالب فيه الفتيات المشاركات في المواكب بالالتزام بارتداء أزياء محتشمة فهن -على حد قوله- لا يمثلن أنفسهن وإنما يعبرن عن الثورة وقيمها.
بعد ثلاث سنوات و(45) يومًا على سقوط نظام البشير يعود جدل ما ترتديه النساء في المواكب للواجهة
التغريدة التي أوضح كاتبها أن الهدف منها "هو الحفاظ على صورة الثورة والثائرات في المحيط العام"، سرعان ما وجدت مواجهة ورفضًا من النساء باعتبارها امتدادًا للسلطة الذكورية وفقًا لرؤيتهن؛ السلطة التي خرجن للاحتجاج عليها. وأوجدت ردة فعل واسعة على مواقع التواصل، وتفاعل معها ناشطون، حيث ترفض سارة حسبو تحديد شكل اللبس الذي تخرج به الثائرة إلى المواكب، فلا يستقيم أن تخرج وسط الرصاص والغاز المسيل للدموع من أجل حرية يمكن لأحدهم أن يسلبها منك وهو معك في ذات الموكب.
وتكمل سارة في منشور لها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بالقول:"لو مافاهم حرية البتقولا في الشعار دي اقعد مع روحك حبة وحل مشاكلك"، بحسب تعبيرها.
والعبارات التي أطلقتها سارة حسبو لها ما يبررها في تاريخ البلاد ونظمها السياسية، وآخرها نظام الرئيس المعزول والذي عمل بكل جهد من أجل أن يحط من قيمة النساء ويحد من دورهن في التأثير على مستوى المجتمع، واختار أن ينفذ هذه الاستراتيجية من خلال تحديد أزياء معينة ليتم ارتدائها، ومن خلال قيادة النساء نحو أقسام البوليس ونصب المحاكمات مثلما حدث في وقت سابق مع الصحافية لبني أحمد حسين في قضية البنطلون الشهيرة، والتي تم تكرارها مرة أخرى في محاكمة الناشطة النسوية ورئيسة مبادرة لا لقهر النساء أميرة عثمان.
وترى الناشطة النسوية هدي شفيق في حديث لـ"الترا سودان"، تحديد لبس النساء في المقاومة "مجرد امتداد لمشروع النظام العام في السودان الذي يبدو أنه فكرة من الصعوبة بمكان أن تغادر مخيلة الرجال السودانيين، وتحتم في المقابل على النساء الاستمرار في مشروعهن للمقاومة من أجل تحقيق المساواة"، على حد قولها. وبالنسبة لهدي التي تنشط في منبر النساء السودانيات "منسم"، فإن ما يحدث الآن يؤكد على فرضية أن النظام "لم يسقط بعد"، وأن واقع النساء ما بعد الثورة هو نفسه واقعهن ما قبلها، وواقعهن في العهد الانقلابي الذي من الممكن أن يستمر حتى عقب سقوطه.
في وقت لاحق اعتذرت مجموعة ملوك الاشتباك عن محتوى البوست الجدلي واعتذرت عنه، وقالت المجموعة إن هناك سلوكيات خاطئة مسؤول عنها الجميع وليس نوعًا بعينه، وأكدت المجموعة أنها لا تحدد خيارات الناس وإنما تناضل من أجل أن يختاروا بحرية.
ميرفت النيل: الاعتذار خطوة يمكن البناء عليها من أجل إصلاح المؤسسات التي تؤمن بالمساواة
الاعتذار اعتبرته القيادية في الحرية والتغيير والتي شاركت في مفاوضات الوثيقة الدستورية عقب الإطاحة بالبشير ميرفت حمد النيل -اعتبرته خطوة يمكن البناء عليها من أجل إصلاح المؤسسات التي تؤمن بالمساواة.
في مقاومتهن للانقلاب تتوشح النساء السودانيات بغضبتهن ويربطن "خمار" الحلم بسودان للحرية والسلام والعدالة، يتسلحن بعزيمة لا تلين يخرجن في كامل بهائهن ويرددن هتافات الحرية متجاوزات حالة الجدل اللحظي، بل إن البعض يعتبرها امتداد لسياسات الانقلابيين من أجل دق إسفين للخلاف بين الثوار، وهذه المرة على أساس النوع الاجتماعي.