بطول يبلغ (12) كيلومترًا، وعرض يصل إلى سبع كليومترات، ترقد جزيرة صاي الأثرية على ضفاف النيل شمالي السودان، بحيث تعتبر ثاني أكبر جزيرة في البلاد.
منذ العام 1904 بدأت بعثة فرنسية بالتنقيب عن الآثار في جزيرة صاي، واستطاعت أن تعثر على أدلة تشير لتواجد بشري على أرض الجزيرة منذ (215) ألف سنة
تضم الجزيرة الأثرية أربع قرى، وهي "صاي صاب" شمالًا ومن ثم "موركة" على الساحل الغربي للجزيرة، فيما تحتل قرية "أوردين" الاتجاه الجنوبي من صاي، وشرقًا تجلس قرية "عدو" التي يتحدث سكانها النوبية.
ومنذ العام 1904، بدأت بعثة فرنسية بالتنقيب عن الآثار في جزيرة صاي، واستطاعت أن تعثر على أدلة تشير لتواجد بشري على أرض الجزيرة منذ (215) ألف سنة، وتحتوي صاي على قلعة كبيرة يرجع تاريخها إلى الفترة من 1550 إلى 1080 ق.م، بجانب عدد من المعابد التي تعود إلى عهد كل من مملكتي نوباتيا وكرمة.
وتتعدد الروايات حول مصدر اسم الجزيرة الأثرية، فيقول البعض أن صاي كانت عبارة عن شبه جزيرة، وقرر السكان وقتها تحويلها إلى جزيرة تحيط بها مياه النيل من كافة الاتجاهات، الأمر الذي دفعهم إلى أن يتكبدوا عناء الحفر لمدة ساعة لكل فرد في الجزيرة بشكل يومي، وبعد نجاح السكان في هذا العمل أطلقوا عليها اسم جزيرة الساعة، ومع مرور الوقت تحولت إلى ساي ومن ثم أخذت اسمها المعهود جزيرة صاي. وتذهب رواية أخرى إلى أن صاي كلمة نوبية تعني المخزن، بحيث أطلقت الكلمة "صاي" على الجزيرة نسبة لأنهم كانوا يستخدمونها في تخزين التمور.
وفي قرية "عدو" الواقعة على الجزء الشرقي من الجزيرة، توجد القلعة الكبيرة التي تعود للعهد العثماني التي أقيمت على آثار مدينة فرعونية، ويشكل مسجد علي بقبابه بطرازه المعماري جزءًا كبيرًا من القلعة، بينما توجد مقبرة ضخمة وآثار لكنائس ومعابد ومقابر تعود لمملكة نوباتيا المسيحية ومملكة كرمة.
تشابك الحضارة النوبية والمصرية في صاي
تشير دراسة قدمت ما بين العامين 2013 و2014، إلى تشابك الحضارتين النوبية والمصرية على أرض جزيرة صاي، بحيث تهيمن القطع ذات الطراز والنوع المصري على مواد البناء في جزيرة صاي، الأمر الذي يعكس الملاحظات التي تم إجراؤها في مدن نوبية مصرية ومواقع تقع في مصر نفسها.
وبالرغم من ذلك تشير الدراسة إلى وجود اختلافات مع مواقع الدولة المصرية الحديثة، على سبيل المثال، قوالب القطع الخزفية الصغيرة الشائعة جدًا في المواقع المصرية مفقودة بشكل كلي، وتبين أنه لا أثر لها في الجزيرة، ولم يكن هناك إنتاج للخزف في جزيرة صاي خلال عصر الدولة.
وخلصت الدراسة إلى أن الجزيرة لم تكن سوى محطة إمداد للمصريين، وذلك في ظل استمرار الوجود القوي لشعب كرمة، فيما تكهنت أن الملك أحمس وقواته ربما أقاموا معسكرًا صغيرًا على جزيرة صاي مع العديد من منشآت التخزين، مؤكدة أن لا شيء يشير إلى أن المصريين كانوا منخرطين بالفعل في الجزيرة على أساس دائم في أنشطة بناء واسعة النطاق.
وفي العام 2015 كشف فريق بحث علمي ألماني، عن اكتشاف مقبرة مصرية يبلغ عمرها 3400 عام في جزيرة صاي، وفي هذا الصدد أشار فريق البحث إلى أن الجزيرة جزء من أرض النوبة، فيما رجح أنها كانت تحت سيطرة المصريين في تلك الفترة.
غنية بالكنوز والذهب
تعتبر جزيرة صاي إحدى أهم المناطق في السودان التي تحتوي على الذهب، حيث كثر نشاط شركات التعدين في الآونة الأخيرة في المنطقة، وجدير بالذكر أن السلطات بالولاية الشمالية، منعت إصدار تراخيص جديدة للتعدين في الجزيرة التي تحتوي على مواقع فرعونية ومقابر متواجدة منذ نحو 5 آلاف قرن من الزمان.
وجاء القرار على خلفية احتجاجات واسعة أطلقها نشطاء في حماية الآثار، احتجوا على اقتراب آليات الحفر من الآثار في الجزيرة الممتدة على نهر النيل، الأمر الذي أسفر عن إيقاف الحفريات بالقرب من المناطق الأثرية.
وفي تموز/يوليو الماضي تم الكشف عن مقبرة أثرية تحوي هيكلًا عظمي محفوظ بشكل جيد في قرية "موركة" بالجزيرة، وذلك بحضور الأمين العام للمجلس الأعلى للسياحة والآثار في الولاية الشمالية بجانب شرطة السياحة، مما يشير إلى أن الجزيرة لا تزال تحتوي على المزيد من الكنوز الأثرية التي تحتاج إلى التنقيب والحفظ.
شخصيات من صاي
من أبرز الشخصيات التي تنحدر من جزيرة صاي هو المغني والملحن والشاعر السوداني خليل فرح، والذي كتب أشعاره باللغة العربية الفصحى والعامية السودانية، ويعد أحد أهم المجددين في عالم الغناء والأدب الشعري السوداني.
وجدير بالذكر أنه كان عضوًا في الحركات الوطنية المناهضة للاستعمار البريطاني للسودان، ومن أبرزها جمعية الاتحاد السوداني السرية التي تشكلت في العام 1921، بجانب جمعية اللواء الأبيض، وقدم في ذلك الوقت رائعته الشهيرة التي كانت رمزًا للحرية والاستقلال "عازة في هواك".
قدمت جزيرة صاي للسودان الشاعر والناقد الأكاديمي جيلي عبدالرحمن الذي ولد في العام 1931،
وقدمت جزيرة صاي للسودان الشاعر والناقد الأكاديمي جيلي عبدالرحمن الذي ولد في العام 1931، وفي أواخر الخمسينات من القرن الماضي ترأس جيلي القسم الأدبي في جريدة "المساء"، وأكمل دراسته في روسيا بحيث حصل على درجة الدكتواره في النقد الأدبي ومناهجه، وعمل الناقد الأكاديمي بالترجمة الأدبية من اللغة الروسية إلى العربية ليثري المكتبات العربية بكثير من الروائع الخالدة في الأدب الروسي.
ويعتبر اسم جزيرة المعلمين هو أحد الأسماء الذي أطلق على جزيرة صاي، وذلك لأن الجزيرة الخلابة التي ترقد على ضفاف نهر النيل امتهن معظم سكانها مهنة التدريس، وتكاد نسبة الأمية فيها أن تكون منعدمة، الأمر الذي يشير إلى أن الجزيرة الغنية بالذهب والآثار، يمكنها أن تحتفي أيضًا بإنسانها المثقف والقادر على العطاء.