عندما تسكت البنادق في السودان قد لا يعثر السكان في مناطق الحرب على الأشجار في أحياء الخرطوم أو المدن، والتي يستعر فيها القتال نتيجة القطع الجائر للحصول على مواد طهي الطعام لعدم توفر غاز الطهي، مع توقف أكبر مصفاة للوقود في البلاد شمالي العاصمة، عقب سيطرة الدعم السريع عليها منذ منتصف نيسان/أبريل 2023.
باحث في البيئة: استمرار الحرب يعني فقدان غابة السنط وسط الخرطوم
منذ اليوم الأول للقتال في منتصف نيسان/أبريل 2023، توقفت مصفاة الجيلي شمال العاصمة الخرطوم، والتي كانت توفر 50% من الاستهلاك المحلي من غاز الطهي للعاصمة والولايات، فيما تكمل الشركات استيراد كميات إضافية لسد النقص.
انتظام سلاسل الإمداد لغاز الطهي قبيل الحرب، أدى إلى اعتماد السكان على الغاز في طهي الطعام، ومع استمرار الحرب وتوقف هذه السلاسل خاصة في مناطق الحرب والتي تشهد اشتباكات مسلحة بين الجيش والدعم السريع في (12) ولاية سودانية، فإن الاعتماد على الأشجار والغابات الصغيرة والمساحات الخضراء هو البديل المتاح بالنسبة للمواطنين.
تقول نادين من مدينة الأبيض لـ"الترا سودان" : "للحصول على مواد طهي الطعام نتوجه إلى الاحتطاب، في السابق كنا نقوم بشراء الغاز حتى لو كان السعر مرتفعًا، اليوم لا يمكن توفيره نتيجة وقوع المدينة تحت نيران الحرب وسيطرة الدعم السريع على الطريق الرئيسي، وتقوم هذه القوات بمنع الشاحنات من الوصول إلى هنا".
يذهب السكان الذين يقطنون في المناطق الساخنة مثل مدينة الأبيض بولاية شمال كردفان وحتى بعض أحياء الخرطوم، الذهاب صوب الغابات الصغيرة أو المواقع المكتظة بالأشجار والنبات قرب النيل، وقد يستغرق الأمر ساعات طويلة للعودة إلى المنزل.
وتقول نادين إن أغلب السكان في شمال كردفان يعتمدون على شراء الفحم من الشاحنات التي تأتي من الغابات القريبة، حيث ينشط متعاملون في صناعة الفحم لحاجة السكان إلى مواد الطهي، وكلما زاد عدد الشاحنات المحملة بالفحم يعني تقليص المساحات الخضراء والغابات، وهذا أمر مؤسف.
أيمن الذي يقطن الكلاكلة جنوب الخرطوم يحدثنا حول صعوبة الذهاب إلى مواقع الأشجار للحصول على الحطب بغرض الطهي، فهي منطقة بعيدة نسبيًا وتقع في "ود العقلي"، لكن لا يمكن الإستغناء عن الحطب لأنك لن تقوم بطهي الطعام.
تقتصر الحاجة إلى الحطب على طهي الطعام في السودان، لأن المنازل لا تحتاج إلى التدفئة في فصل الشتاء، فالطقس في السودان حار أغلب فترات العام، ولا يصل مرحلة التجمد أو البرودة الشديدة.
يقول الباحث في مجال البيئة محمد أحمد عثمان لـ"الترا سودان"، إن الحروب تسبب ضرر بالغ للغطاء النباتي، ولا يمكن للسكان عدم البحث عن مصادر الطاقة لطهي الطعام، بالتالي لا يمكن منع القطع الجائر للأشجار لغياب عنصر الدولة والجهات الرقابية المتخصصة، وعدم توفر البدائل لملايين المواطنين الذين يعيشون في مرحلة حرجة من انعدام أساسيات الحياة، ومن بينها وقود الطهي.
ويرى عثمان أن غابات واسعة قد تختفي عن الأنظار اذا استمرت الحرب خاصة غابة السنط، والتي تعد من أميز الغابات وسط العاصمة الخرطوم، وتقع على ضفاف النيل الأبيض جنوب المدينة، لأن الجنود أيضًا قد يجلبون من هناك الحطب، أو تنشط داخلها عمليات صناعة الفحم لأغراض الطهي، بالتالي تقليص المساحات الخضراء وهدم الغطاء النباتي والتأثير المباشر على البيئة والمناخ.
يشدد الباحث في مجال البيئة على ضرورة إدخال إمدادات الغاز ضمن مواد الإغاثة للحفاظ على الغطاء النباتي والأشجار والغابات من القطع الجائر تحت بند الحاجة الماسة
ويشدد عثمان على ضرورة إدخال إمدادات الغاز ضمن مواد الإغاثة للحفاظ على الغطاء النباتي والأشجار والغابات من القطع الجائر تحت بند الحاجة الماسة، وقال إن الأحياء في الخرطوم لن تنجو من عمليات القطع الجائر من سكان الحي أنفسهم لطهي الطعام.
حسب "ويكيبيديا" تبلغ مساحة الغابات في السودان (420) ألف ميلًا، فقد منها 90% بعد انفصال دولة الجنوب في العام 2011، إلى جانب فقدانه لحوالي (5) آلاف فدان بسبب الحرب في إقليم دارفور. والغابات هي غابات السنط النيلية وغابات الظهرة، وغابات بحر الجبل ونبات البُردي بالسدود، و غابات الهشاب، والهبيل في كردفان.