27-أغسطس-2024
السيول في شمال السودان

عشرات القرى في شمال السودان غمرتها المياه

حتى صباح اليوم لم تهدأ الأمطار والعواصف الرعدية والسيول التي ضربت ولايتي نهر النيل والشمالية وأدت إلى خسائر فادحة في البنى التحتية بانهيار الطرق وثلاثة جسور على الأقل، كما دمرت قرية قوز قرافي بشكل نهائي ونزح المئات من سكانها بحثًا عن المناطق الآمنة، وفق شهادات السكان المحليين.

غطت سحب ركامية بطول 650 كيلومترًا ولايتي نهر النيل والشمالية

منتصف الليل انتقلت سحب ركامية من الاتجاه الشرقي إلى شمال السودان مع تحذيرات استمرت طوال الليل من المشتغلين في رصد الأحوال الجوية باستمرار الأمطار من أربع إلى خمس ساعات في بعض القرى والبلدات التي تعاني من ضعف البنية التحتية والبيوت المشيدة من المواد المحلية كالطين والخشب.

في مدينة بربر المدينة الواقعة شمال عطبرة بولاية نهر النيل استمرت العواصف الرعدية حتى الساعة السادسة من صباح اليوم الثلاثاء، ولم يتمكن السكان من مغادرة منازلهم منذ عصر الإثنين بسبب العاصفة الجدارية كما توقفت جميع الخدمات الأساسية مثل المخابز والصيدليات مع انقطاع الكهرباء.

في بعض القرى الواقعة ضواحي تنقاسي وكريمة ودنقلا التي تعاني من بنية تحتية هشة، احتمى السكان المحليون المتضررون من الأمطار بالأمكنة المرتفعة أثناء تدفق المياه إلى المنازل طوال ساعات الليل، وتعذر عليهم البقاء بمنأى عن مخاطر العقارب والثعابين التي تنشط في مثل هذه الأجواء للاختباء في اليابسة.

كما انعكست الأمطار بصورة سلبية على محاصيل رئيسية يعتمد عليها سكان شمال السودان مثل البلح لأن الأعاصير اتلفت أشجار النخيل قبل حلول موسم الحصاد الذي يعتبر الرافد الاقتصادي لعشرات الآلاف من المزارعين الريفيين.

تكرار المأساة

شملت الأمطار في نهر النيل مدن عطبرة والدامر وبربر والباوقة والعبيدية ومحلية أبوحمد. بدأت بعاصفة جدارية مساء الإثنين. سرعان ما وصلت السحب واستمرت الأمطار حتى الساعات الأولى من صباح اليوم، الثلاثاء 27 آب/أغسطس 2024، وصلت في بعض المناطق إلى أكثر من (120) ملمترًا.

لم تتعاف محلية أبو حمد من كارثة السيول التي دمرت أكثر من (15) ألف منزلًا وقتلت (18) شخصًا مع فقدان ستة أشخاص على الأقل مطلع آب/أغسطس الجاري، حتى عادت العواصف والأعاصير والأمطار لتطرق حدودها مساء أمس. استمرت الأمطار حتى الساعات الأولى من صباح اليوم.

وتأثرت مناطق القولد ودنقلا وكمنار وعشرات  القرى الصغيرة شمال البلاد بالعواصف والأعاصير التي دمرت مئات المنازل، ولجأ بعض الأشخاص إلى الجيران للنجاة من انهيار محتمل لبيوتهم المُشيدة بشكل بدائي وذلك في قرى صغيرة تقع ضواحي كريمة ودنقلا شمال البلاد.

حينما تختفي القرى

وقالت العاملة الطوعية بالولاية الشمالية إيمان مرتضى لـ"الترا سودان" إن عشرات النازحين يقيمون في سوق الماشية بمدينة دنقلا وصلوا إلى هناك عقب اجتياح الدعم السريع لمدينة سنجة. تضرر هؤلاء النازحين من الأمطار التي استمرت لساعات، ولم يحصلوا على مخيمات أو مواد إيواء للاحتماء من الأمطار.

وأشارت إيمان مرتضى إلى أن الأمطار خلفت كارثة إنسانية في عشرات القرى بالولاية الشمالية، ودمرت مئات المنازل كليًا وجزئيًا، ولا تزال المخاطر مستمرة مع بقاء الفاصل المداري محفزًا للمزيد من الأمطار على الإقليم.

متطوعة: نزح المئات من قرية قوز قرافي لانهيار غالبية المنازل

وأضافت: "نزح المئات من قرية قوز قرافي لانهيار غالبية المنازل. هناك تقديرات تشير إلى انهيار (120) منزلًا. نزح غالبية السكان إلى المناطق اليابسة سيرًا على الأقدام يحملون أمتعة على الظهر ووضعهم الإنساني حرج للغاية. إذا لم يعثر هؤلاء على قرى قريبة لن يمكنهم الحصول على الطعام ومياه الشرب".

وترى إيمان مرتضى أن الكارثة الإنسانية تحتاج إلى حلول مبتكرة بعيدة عن البيروقراطية والتدخلات الحكومية المتأخرة والشحيحة في أحايين كثيرة، ولفتت إلى أن بعض القرى بحاجة إلى إسقاط الغذاء وأمصال العقارب والأدوية عبر المروحيات.

مناخ متطرف في ثلاثة أقاليم 

تعد الأمطار والسيول والفيضانات في ولايات البحر الأحمر والشمالية ونهر النيل هذا العام من الحالات النادرة جراء التغيرات المناخية. لسنوات طويلة لم تشهد هذه الأقاليم مثل هذا النوع من الطقس الماطر مصحوبًا بالفيضانات.

ودمرت الأمطار والفيضانات آلاف المنازل وقتل العشرات في طوكر وأربعات وقرى البحر الأحمر خلال يومي السبت والأحد، وغمرت المياه غالبية المنازل في مدينة طوكر التي تعد من أكبر البلدات الزراعية في الولاية.

كما جرفت السيول الطريق الرابط بين حلايب وبورتسودان وتأثرت حركة الشاحنات التجارية في معبر أوسيف في المنطقة ما يعني توقف وصول السلع من مصر إلى السودان عبر هذا الطريق.

وتسببت الفيضانات والأمطار خلال هذا الشهر في مقتل (132) شخصًا على مستوى البلاد. شمل كوارث الخريف عشر ولايات حسب الإحصائيات الصادرة من الغرفة الحكومية أمس الإثنين.

عواصف رعدية غير معتادة 

وقالت إيمان مرتضى إن الخطورة التي صاحبت الأمطار هي العواصف الرعدية التي كانت فوق المعتاد. "لقد شعر الناس بالخوف من سقوطها، وبالفعل تلقينا أنباء عن سقوط صاعقة في مدينة كريمة. لا نعرف حتى الآن الأضرار التي حدثت على الأرض في تلك البلدة، لكن ما حدث ليلة الثلاثاء لن ينساها المواطنون لسنوات قادمة"، تضيف.

بين أثاثات منزل متهالكة بالكاد جمعت بعد توقف الأمطار، جلس رجل ستيني في إحدى قرى محلية دنقلا وهو ينظر في الفضاء. يبدو أن الكارثة تصيب هؤلاء السكان بشكل نفسي كون الحلول أمامهم شبه معدومة، فالنزوح في زمن الحرب لم يعد خيارًا مناسبًا مع شح المال ونقص الإنتاج، وفق ما تقول إيمان مرتضى.

في وقت مبكر من مساء الإثنين نشر موقع "التطرف المناخي" بيانات على حسابه في "فيسبوك" تشير إلى سحابة طولها (650) كيلومترًا وارتفاعها (16) كيلومترا وصلت إلى شمال السودان في الصحراء. هي سحابة ركامية ضخمة بلغت درجة الحرارة فيها (88) تحت الصفر مصحوبة بتيارات شديدة السرعة وتصاعدية.

يبلغ طول السحابة التي وصلت إلى شمال السودان إلى (650) كيلومترًا بشكل طولي، أي أنها تعادل المسافة بين الخرطوم ومدينة القضارف شرق البلاد، كما إنها تعادل مساحة مدينة أسوان المصرية مرتين.

الكارثة تفوق قدرة الدولة 

من الناحية الإنسانية، فإن الأمطار ألحقت الضرر بآلاف المواطنين في ولايتي نهر النيل والشمالية. لا يزال السكان يعملون على تصريف المياه من المنازل وسط غياب الجهود الحكومية في المنطقتين.

ويقول السكان إن الكارثة الإنسانية تفوق قدرة المحليات الإدارية التي تمثل الحكومة الاتحادية في هذه المناطق والقرى لأنها لا تملك عربات الإنقاذ أو ماكينات سحب المياه أو الجرافات التي تشق الطرق.

وتشير إحصائيات غير رسمية إلى أن السيول جرفت غالبية الجسور الصغيرة والحيوية الرابطة بين مدن وقرى ولاية نهر النيل والشمالية. لا يقل عدد الجسور المدمرة عن عشرة.

انهيار الجسور عزل السكان عن القرى والمدن، ولا يمكن إيصال المساعدات الغذائية والإمدادات إن توفرت دون الاستعانة بالجرافات القادرة على شق الطرق والطين والوحل، وفق ما يقول محمد حمزة  أحد الناشطين الإنسانيين في محلية دلقو بالولاية الشمالية.

ناشط: الكارثة الإنسانية في ولايات  نهر النيل والشمالية والبحر الأحمر تتطلب دخول المساعدات الدولية بتشغيل مطارات دنقلا ومروي بجانب بورتسودان

ويقول حمزة لـ"الترا سودان" إن الكارثة الإنسانية في ولايات  نهر النيل والشمالية والبحر الأحمر تتطلب دخول المساعدات الدولية بتشغيل مطارات دنقلا ومروي بجانب بورتسودان، ورفع القيود عن المنظمات الوطنية وغرف الطوارئ لاستلام الإغاثة من الدول وتوزيعها على المتأثرين والتنسيق مع الأجهزة الحكومية.

وتابع: "لن يفكر أحد في تشييد منزل بالمواد البدائية في هذه المناطق التي اعتادت على المناخ الصحراوي لسنوات طويلة تمتد إلى أكثر من (30) عامًا. فوجئ الناس هذا العام بمناخ متطرف، وربما نشاهد الغابات والحزام الأخضر يحيط بشمال السودان اعتبارًا من المواسم القادمة. هذا سيحدث وكل المؤشرات تؤكد ذلك".

ويعتقد حمزة أن الكارثة الإنسانية الناجمة عن الفيضانات في البلاد تفوق قدرة الحكومة الاتحادية في بورتسودان لأن التدخل الإنساني يحتاج إلى تمويل مالي، إلى جانب إعادة تشييد الجسور والسدود التي انهارت في ولايات البحر الأحمر والشمالية وغرب دارفور ونهر النيل.