مجتمع

السودانيون يواجهون ثلاثية الكوليرا والسيول والصراع

16 أغسطس 2024
مستشفى الحوادث - الكوليرا في السودان.png
محمد حلفاوي
محمد حلفاوي صحفي سوداني

الكوليرا تفشّت في بعض الولايات السودانية بشكل كبير، حسب ما يقول مصدر طبي من مستشفى كسلا، مع قلقه من انهيار أنظمة الرعاية الصحية والبيئية وعدم قدرتها على التصدي لهذا الوباء في ظل الصراع المسلح وشح التمويل الحكومي والدولي.

تنصح خبيرة في مجال البيئة بعزل المناطق التي شهدت انتشار الكوليرا فورًا

يعبر المصدر الطبي عن قلقه من الكوليرا، كونها وباءً لا يمكن التحكم فيه في ظل استمرار السيول والفيضانات والأمطار الغزيرة، وانخفاض التدابير اللازمة للوقاية، سواء من المجتمعات الغارقة في الفقر والنزوح أو الأجهزة الحكومية التي لا تزال تعاني للعودة إلى الحد الأدنى من الخدمات الصحية والبيئية، عقب تدهور أوضاعها خلال الحرب التي تدخل شهرها الـ16.

في بعض المستشفيات الحكومية، سيما في الولايات التي نزح إليها ملايين الأشخاص، لا تتوفر نقالات المرضى أو حتى سرير تنويم. في مثل هذه الأحوال، قد لا تكون مكافحة الكوليرا أولوية، أو أن الأجهزة الحكومية غير مستعدة بعد للبدء في محاربة الوباء. يشير المصدر الطبي في حديث مع "الترا سودان" مشترطًا حجب اسمه لتجنب المساءلة.

عودة مبكرة للكوليرا

أحصت البيانات الرسمية الصادرة من وزارة الصحة 300 إصابة بالكوليرا، حسب نشرة غرفة طوارئ الخريف. السبب الأساسي لعودة الكوليرا مبكرًا هذا العام هو انهيار صحة البيئة، ارتفاع عدد النازحين، وتراجع التمويل الحكومي للأجهزة المعنية بالمكافحة الوقائية، في نظر الخبيرة في مجال البيئة ناهد عثمان.

تعتقد ناهد عثمان أن الكوليرا هي وباء الأوطان التي تعاني من الحروب والصراعات المسلحة، لأن الدولة عادة لا تكترث للوقاية المبكرة. فكان المطلوب مثلًا، وخاصة مع تحذيرات الطقس من فيضانات وسيول وأمطار غزيرة، فتح قنوات التصريف وتجفيف المستنقعات ورش المبيدات.

خبيرة في مجال البيئة: البرامج الحكومية لمكافحة الوبائيات تحتاج إلى التمويل العاجل

وترى أن البرامج الحكومية لمكافحة الوبائيات تحتاج إلى التمويل العاجل، سواء من وكالات الأمم المتحدة أو الحكومة. وقالت إن التوعية وسط المجتمع تراجعت نتيجة انشغال الناس بالمعيشة والسكن أو النزوح أو تدبير شؤون الحياة القاسية في السودان.

وتقول إن وزارة الصحة الاتحادية مطالبة بإنشاء غرفة تدخل سريع، وتخصيص التمويل المالي، والعمل على نظافة الأسواق، وإلزام المطاعم وعمال الأطعمة والمقاهي بالتدابير الصحية اليومية وتفعيل أنظمة المراقبة.

أسباب تفشي الكوليرا

مرض الكوليرا، حسب تعريف منظمة الصحة العالمية، هي عدوى معوية حادة تنتشر عن طريق الطعام والماء الملوثين ببراز يحتوي على بكتيريا ضمات الكوليرا. وترتبط هذه العدوى ارتباطًا وثيقًا بنقص المياه المأمونة والمرافق الصحية الكافية، بسبب التخلف والفقر والنزاعات. ويساهم تغير المناخ أيضًا في هذا الارتفاع، إذ تؤدي الظواهر المناخية المتطرفة مثل الفيضانات والجفاف والأعاصير إلى ظهور فاشيات جديدة وتفاقم الفاشيات القائمة.

ويقول قصي عبد الله، المتطوع الإنساني، لـ"الترا سودان" إن الوضع الذي سبق الكوليرا أعطى مؤشرات أن الخريف لن يمر مرور الكرام دون أن تطل الوبائيات مجددًا. وقال إن وزارة الصحة الاتحادية كانت قد أنهت برامج متواضعة لمكافحة الكوليرا مطلع هذا العام، ومع الفيضانات وتراكم المياه في الأسواق والأحياء خلال آب/أغسطس الجاري، عادت الفاشيات مرة أخرى لتصيب مئات المواطنين خلال أسبوعين فقط.

متطوع: فاشيات الكوليرا هدأت قليلًا ثم عاودت الهجوم عندما وجدت بيئتها الخصبة

وأضاف: "هذا يعني أن فاشيات الكوليرا هدأت قليلًا ثم عاودت الهجوم عندما وجدت بيئتها الخصبة. لأن النزوح يؤدي إلى حياة تشرد جزئية أو كلية حتى في مراكز اللجوء، غمرت المياه معظم المساكن بما في ذلك المراحيض. وفي بعض الأحيان، لا تجد مسافة فاصلة بين المياه المتدفقة في الشوارع وبين مياه المراحيض".

وتابع قصي عبد الله: "التحركات الحكومية عادة تكون بعد وقوع الكارثة. وفي حالة الدول التي تخوض الصراعات المسلحة، لا يمكن إلقاء اللوم فقط على الدولة، لأنها عادة تكون منشغلة بالصراع والتسليح. في ذات الوقت، الوبائيات لا تترك لك خيارات أو بعض الوقت".

وأردف: "حتى لا نتباكى بينما الوبائيات تنتشر بين المواطنين، يجب أن تتحرك منظمات الصحة العالمية وتعمل على التنسيق مع غرف الطوارئ والمتطوعين لمكافحة الفاشيات في المياه المتجمعة في الأسواق والأحياء ونشر التوعية في المجتمع".

مدن تحت ركام النفايات

بينما ينحسر وباء الكوليرا في القرى النائية، التي عادةً يعيش سكانها بمعزل عن الأسواق المكتظة بالناس أو برك المياه، ترتفع معدلات الوباء في المدن والأسواق الكبيرة نتيجة تدهور صحة البيئة وانتشار الذباب.

في بورتسودان، العاصمة المؤقتة للحكومة المدعومة من الجيش، من الصعب على المواطنين ترك الأطعمة أو المشروبات دون تغطيتها ولو لبضعة ثوانٍ لتجنب الذباب.

شهدت بورتسودان هذا العام أمطارًا بمعدلات عالية، ووسط تراجع عمليات تصريف المياه من الشوارع، فإنها تحولت إلى مواقع حيوية لتوالد البعوض وانتشار الذباب مع النفايات المتراكمة.

مواطن مقيم في بورتسودان: دوريات عمال نظافة الشوارع شحيحة للغاية

أحمد تاج الدين، الذي يقيم في بورتسودان، يحدثنا عن الوضع البيئي في المدينة التي تطل على ساحل البحر الأحمر، ويقول إن دوريات عمال نظافة الشوارع شحيحة للغاية، فهم يشكون من نقص الأجور وارتفاع الأسعار، بالتالي ليس هناك دوافع كبيرة للعمل بجدية.

والأسبوع الماضي، ومع تصاعد شكاوى المواطنين وتذمرهم على شبكات التواصل الاجتماعي من انتشار الذباب، قالت الحكومة المحلية في بورتسودان إنها صممت عربات جديدة لنقل النفايات.

أجهزة حكومية تقليدية

تقول الخبيرة في مجال صحة البيئة ناهد عثمان إن تركيبة الأجهزة الحكومية تقليدية، حتى إذا توفر التمويل فإن الدوافع لدى العاملين ليست كبيرة. كما أن غالبية الأجهزة الحكومية المختصة في مكافحة الوبائيات والأمراض لم تواكب تطور التكنولوجيا، ولا يحصل العمال على التدريب والتأهيل، ولا على الأجور العادلة.

وتشدد على أهمية حصول العمال في مجال صحة البيئة والمحليات العاملة في مكافحة الوبائيات ومكاتب الصحة العامة على التدريب والتأهيل، والتوظيف على أساس الكفاءة والتخصص بفتح الفرص لخريجي كليات صحة البيئة والصحة العامة.

وتابعت عثمان: "عندما توظف الحكومة الشبان والفتيات من خريجي كليات الصحة العامة وتمنحهم أجورًا مجزية، فإنها تستثمر في القطاع الصحي والبيئي وتوفر موارد تصل لعشرات الملايين من الدولارات، تصرفها الدولة مضطرة لمكافحة الوبائيات".

وتقول ناهد عثمان إن المحليات "البلديات" تضم الكوادر المؤهلة لكنها تتعرض إلى الإهمال وتدني الأجور وانخفاض الرغبة في العمل والإحباط العام، وينبغي تحفيزهم باستمرار.

وقالت إن الحل الإسعافي لمكافحة الكوليرا يتطلب عزل المناطق التي انتشرت فيها، ونظافة المياه، وردم البرك، وتشديد الرقابة الصحية على الأطعمة والمياه.

الكلمات المفتاحية

السودانيون في مصر.jpg

لاجئون سودانيون يبدأون رحلات شاقة لمغادرة مصر إلى بلادهم 

مع عودة آلاف اللاجئين السودانيين من المدن المصرية تشهد المعابر حركة واسعة للحافلات وفق متابعة متطوعين في غرف الطوارئ بالولاية الشمالية، بينما رجح عاملون في تنسيق هذه الرحلات عودة نصف مليون لاجئ سوداني خلال هذا العام من مصر إلى بلدهم إثر سيطرة الجيش على العاصمة الخرطوم، وعودة الحياة بشكل متدرج.


آثار القصف في المستشفى السعودي.jpg

الفاشر… بقايا مدينة ترزح تحت الركام

في ظل التصعيد الحربي الذي تشهده مدينة الفاشر، عاصمة ولاية دارفور، وتكثيف قوات الدعم السريع من هجماتها، تبدو بعض الأزمات التي يعاني منها سكان المدينة غير مرئية أو مخفية تحت وقع النيران المتصاعدة حصدًا للأرواح.


محطة المنارة (اليونيسف)

السودان… العطش والظلام يخيمان على حياة المواطنين 

يعيش المواطنون في أكثر من سبع ولايات أزمة حادة في مياه الشرب بسبب قطوعات الكهرباء، ووصل سعر "جركانة" المياه (حوالي 10 لترات) إلى ألف جنيه في مدينة ربك بولاية النيل الأبيض، أما في مدينة كسلا شرق البلاد أصبحت الأزمة تؤثر على عمل المطاعم والأسواق والمستشفيات.


عودة اللاجئين

عائدون إلى الديار... كيف خيبت الأوضاع آمالهم؟

بعد تمكن الجيش من بسط سيطرته على مدينة بحري في ولاية الخرطوم، في أواخر العام الماضي 2024، قررت المحامية ندى أحمد، مغادرة أرض اللجوء في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، والعودة إلى السودان.

عامان على الحرب في السودان
سياسة

عامان من القتال: المجازر الكبرى والصغرى في حرب السودان

مع اختتام العام الثاني للحرب في السودان، ودخول العام الثالث، شهدت مناطق واسعة من ولاية شمال دارفور مجازر عنيفة ارتكبتها قوات الدعم السريع، التي تسعى لفرض سيطرتها على الإقليم المنكوب بالحروب والمجاعات، في ظل فساد الساسة والقادة.

حرب السودان بعد عامين من اندلاعها
سياسة

بعد عامين من الحرب... إلى أين يتجه المشهد العسكري في السودان؟ 

تدخل حرب السودان عامها الثالث، وسط توقعات باشتداد وتيرة العمليات العسكرية في غرب البلاد وجنوبها، مع انخفاضها في الوسط، مما يؤكد استمرارها، لا سيما في ظل عدم وجود حل سلمي  يلوح  في الأفق لإيقاف القتال الذي خلف آلاف القتلى وشرد ملايين النازحين واللاجئين.


عامان على الحرب في السودان
سياسة

السودان… أزمة إنسانية واقتصادية على أعتاب حرب ثالثة 

على أعتاب العام الثالث من حرب السودان تتنامى التحذيرات من موجات نزوح جديدة، وتفشي المجاعة في مناطق أكثر هشاشة بإقليم دارفور وكردفان، مع احتدام الصراع بين الجيش والدعم السريع خلال الشهر الماضي.

السودانيون في مصر.jpg
مجتمع

لاجئون سودانيون يبدأون رحلات شاقة لمغادرة مصر إلى بلادهم 

مع عودة آلاف اللاجئين السودانيين من المدن المصرية تشهد المعابر حركة واسعة للحافلات وفق متابعة متطوعين في غرف الطوارئ بالولاية الشمالية، بينما رجح عاملون في تنسيق هذه الرحلات عودة نصف مليون لاجئ سوداني خلال هذا العام من مصر إلى بلدهم إثر سيطرة الجيش على العاصمة الخرطوم، وعودة الحياة بشكل متدرج.

الأكثر قراءة

1
أخبار

السودان: طلب صربيا لا يؤثر على الدعوى ضد الإمارات أمام محكمة العدل


2
أخبار

السودان… المُسيرات تنقل الحرب إلى المدن الآمنة 


3
مجتمع

الفاشر… بقايا مدينة ترزح تحت الركام


4
أخبار

مقتل نازحين في الطريق بين مخيم زمزم والفاشر 


5
أخبار

قائد الجيش: قريبًا سننهي خطر المسيرات التي تقصف المرافق المدنية