12-أغسطس-2023

توقفت الصحف الورقية التي كانت تصدر في الخرطوم

باستثناء قلة من الصحافيين العاملين بمحطات التلفزة الإخبارية، لا يمكن للصحافيين المحليين تغطية الحرب من العاصمة الخرطوم أو أي مدينة أخرى تشهد اشتباكات، وذلك في ظل الانتهاكات الخطيرة وخطابات التجييش وضعف المؤسسات الصحفية في السودان.

وكأن الحرب حررت شهادة وفاتها توقفت الصحف الورقية في السودان بالكامل منذ اندلاع الحرب في منتصف نيسان/أبريل الماضي، ولم يعد بالإمكان الذهاب إلى مقار الصحف الواقعة في قلب الخرطوم، والذي صار "قطعة من جهنم" منذ (120) يومًا بسبب المعارك العسكرية العنيفة.

كانت الصحف الورقية التي تصدر في الخرطوم حوالي (30) صحيفة ما بين سياسية واجتماعية ورياضية

وكانت الصحف الورقية التي تصدر في الخرطوم حوالي (30) صحيفة ما بين سياسية واجتماعية ورياضية حطمتها ضربات نظام البشير وخرجت بعد الثورة الشعبية وهي "شبه محتضرة "، ولم تجد "الأيادي الممدودة" أثناء الحكومة الانتقالية لأسباب متفاوتة ما بين انتماء أغلبها لنظام البشير وضعف بعضها. إلى جانب ذلك فإن طريقة تفكير الحكومة الانتقالية مع الصحافة بدت تقليدية وغير مكترثة وشابتها نظرة قاصرة.

لو قدر لصحافي أن يتوجه من منزله إلى مقر صحيفة في قلب العاصمة أثناء النزاع المسلح الدائر فإنه في الغالب لن يتم العثور عليه لأشهر، وقد يندرج ضمن خانة المفقودين قسريًا في حرب "مجنونة " ومفتوحة على كل الاحتمالات، وتفتقر لحماية الطواقم المدنية، وتذهب إلى أبعد من ذلك باتخاذ الأحياء بمثابة دروع بشرية.

ولم يخطط ملاك الصحف الذين يواجهون خسائر مالية فادحة بسبب الحرب، لنقل الصحف إلى الولايات التي نزح إليها السودانيون بعد حرب منتصف نيسان/ أبريل، ولا يمكن مجرد التفكير بإصدارة ورقية في ولايات  عادت إلى "عهد الدولة القديمة"، حيث تسجل الحريات "تراجعًا مريعًا" كما تقول شبكة الصحافيين السودانيين في تقريرها الأخير نهاية الأسبوع الماضي.

بعض الصحافيين في محطات التلفزة ممن يعملون على تغطية المعارك يواجهون وضعًا صعبًا للغاية حتى على مستوى التحرك من حي إلى آخر قريب، كما أن المراسلين الميدانيين دائمًا ما يتعرضون لاستفسارات في نقاط التفتيش العسكرية، ولا يمكنهم مرافقة القوافل العسكرية كما درج الصحافيون في العالم في تغطية النزاعات.

وعقب اشتعال المعارك الحربية منتصف نيسان/أبريل الماضي لم يكن أمام الصحافيين في العاصمة الخرطوم أو في الجنينة ونيالا وزالنجي والأبيض سوى مغادرة هذه المدن إلى مناطق مجاورة أكثر أمانا، والغالبية توقفوا عن العمل لتوقف المؤسسات الصحفية بما في ذلك قنوات التلفزة المحلية في الخرطوم.

تبدو آمال الصحافيين في السودان ضئيلة إزاء التفكير في تغطية الحرب من الميدان، فإن حصلوا على تمويل مالي يتناسب مع مهمتهم فلن يتمكنوا من النجاة من قبضة العسكريين ومضايقاتهم، أو الاعتداء عليهم بالضرب المبرح، أو قد يقرر ترك مهنته مؤقتا كونه أصبح عاطلًا عن العمل جراء توقف الصحيفة أو المحطة التي يعمل بها براتب ضئيل.

قال صحافيون إنهم غادروا العاصمة بعد مرور شهر على اندلاع الحرب، وفي نقاط التفتيش التابعة لقوات الدعم السريع يحققون معهم بشكل دقيق إذا كشفوا عن هويتهم الصحفية، وأحيانا يطلبون منك الانحياز إلى قوات الدعم السريع.

https://t.me/ultrasudan

قلة من الصحافيين السودانيين حصلوا على التدريب في مجال تغطية النزاعات المسلحة حتى مع اشتعال القتال في بعض الولايات منذ سنوات طويلة، ولم يكن بالإمكان إرسال صحفيين لتغطية النزاع بين القوات الحكومية والجماعات المسلحة في إقليم دارفور مثلًا، وهناك تقارير صحفية شحيحة نقلت معلومات عن الصراع المسلح الذي استمر منذ العام 2003 وحتى 2020 بتوقيع اتفاق سلام مع بعض الحركات المسلحة هناك.

ومارس نظام البشير الإرهاب بحق الصحفيين والمؤسسات الصحفية والإعلامية لدرجة وضع خطوط حمراء حول تداول بعض العبارات مثل "الجبهة الثورية المسلحة" أو "ارتفاع الدولار" أو "المحكمة الجنائية الدولية" على سبيل المثال.

صحافة السودان خرجت من ضربات متلاحقة لنظام البشير ووجدت نفسها في ظروف اقتصادية طاحنة لم تكن أمامها سوى مغادرة ساحة الحرب في بلادها دون تغطية تذكر سوى من بعض المراسلين الذين يضعون حياتهم على المحك.

بالطبع قد يكون صعبًا التحقق من المعلومات في أجواء الحرب وفي ظل عدم وجود مراسلين مستقلين على أرض المعركة يجدون المعاملة اللائقة من طرفي النزاع، لكن يبدو أن التجييش والأيدلوجيا وحتى الاتهامات الجاهزة بالعمل بالوكالة لصالح المخابرات قد تكون جاهزة في وجه الصحافيين والمراسلين الحربيين.

ربما وجود معلومات دقيقة عن ميدان القتال في العاصمة الخرطوم أو في مدن دارفور وشمال كردفان كانت ستعطي صورة كاملة عن الصراع المسلح في السودان، وتساعد على اتخاذ القرارات بناء عليها.

إضافة لذلك فإن بعض الصحافيين رغم قلة عددهم  وقعوا نتيجة ارتفاع حالة الاستقطاب للانحياز إلى طرف عسكري في حرب السودان، خاصة مع غياب مؤسسات كبيرة تعمل في مجال الصحافة والصحافة التلفزيونية، واعتماد السودانيين على شبكات التواصل الاجتماعي وقنوات التلفزة الخارجية في معرفة أخبار المعارك.

جميع المؤسسات المحلية في السودان التي تعمل في مجال الصحافة الورقية والتلفزة تبدو وكأنها "محطمة بالكامل"

بالطبع لا يمكن الحديث عن مراسلين ميدانيين للنزاع المسلح على سبيل المثال في العاصمة الخرطوم قبل الحديث عن المؤسسات التي يعملون لصالحها حتى يتحصلوا على التمويل، لأن جميع المؤسسات المحلية في السودان التي تعمل في مجال الصحافة الورقية والتلفزة تبدو وكأنها "محطمة بالكامل"، ولا يفضل المستثمرون المجازفة بالأموال في بلد متقلب الأوضاع اقتصاديًا وسياسيًا وأمنيًا.

وتعاني الصحافة في السودان من تراجع الحريات، وقبل ذلك من فراغ حكومي كبير في هذا المجال، بينما هناك في بعض البلدان مراكز الدراسات الإستراتيجية -وهي أذرع للدولة- تمول مؤسسات صحفية وتلفزيونية، وتركت هذه المهمة في السودان إلى قطاع خاص تقليدي يدفع القليل من المال، أو شراكة حكومية تحولها إلى "أبواق للسلطة ".