نجح الطالب أحمد فاوسينو، في إحراز المجموع الكامل في الصف الخامس أساس، بمدرسة المرابيع النموذجية في حي السكة حديد بمدينة كوستي. وعند استلام أحمد لشهادة النجاح؛ بكى وأبكى المعلمين والآباء والطلاب، الذين شاركوه جميعًا فرحة النجاح.
رغمًا عن الظروف العصيبة التي يعيشها أحمد إلا أن حبه للدراسة والتفوق كان دافعًا ليصب تركيزه في المذاكرة
قصة تفوق ونجاح تبدو للوهلة الأولى عادية، وبعد النظر إلى الظروف العصيبة التي يعيشها أحمد، يختلف المشهد. فما هي قصة أحمد فاوسينو الذي أبكى مدينة كوستي والسودان فرحاً؟
قصة نجاح
أحرز أحمد فاوسينو المجموع الكامل في الصف الخامس (310) درجة، وفي اتصال هاتفي قال إن مادة الرياضيات كانت أكثر المواد صعوبة. وأبان أنه يقضي جلَ وقته في المذاكرة ومراجعة الدروس اليومية، مع تخصيص أوقات محددة للعب مع الأصدقاء.
يقول: "في المستقبل أرغب في دخول السياق العلمي، ودراسة الطب". وحول سبب بكائه لحظة استلام شهادة التفوق، قال: "فرحت كثيراً".
ورغمًا عن الظروف المادية الصعبة التي يعيشها أحمد، إلا أن حبه للدراسة والتفوق كان دافعًا ليصب تركيزه في المذاكرة.
لم يتلقَ كغيره من أبناء جيله دروسًا خصوصية، واعتمد على مقدراته الذاتية، والانتباه للحصص الدراسية، ومراجعة الواجبات يومًا بيوم.
وبحسب ما تروي شقيقته الكبرى عايدة فاوسينو لـ"الترا سودان" فإن أحمد يعتمد على مراجعة الدروس اليومية، بآخر النهار وفي المنزل لوحده، وتقوم شقيقته الأخرى سارة بتقديم المساعدة له بمراجعة الدروس، ويعتمد على شقيقته في حالة تطلبت المواد الدراسية مزيدًا من الشرح.
وتؤكد عايدة إن شقيقها يختلف عن أقرانه من حيث حب التحصيل الأكاديمي، بحيث لا يلعب مع رفاقه في أيام الدراسة العادية، ويكتفي باللعب في الإجازات والعطلات الصيفية، تقول عايدة: "ليست هي المرة الأولى التي يحرز فيها المجموع كاملًا، إنما سبق له في العام المنصرم -حينما كان في الصف الرابع- من إحراز المجموع الكامل". وتكمل حديثها بالقول إن أحمد منذ مراحله الدراسية الأولى اعتاد التفوق الأكاديمي، وكان لا يخرج من العشرة الأوائل المتفوقين، ويحرز مراكز متقدمة مع الناجحين.
تعود جذور الأسرة إلى جنوب السودان، وقالت عايدة بإن فكرة الذهاب لإكمال الدراسة في جنوب السودان، تعد صعبة في الوقت الراهن، لعدة أسباب شرحتها قائلة، إن تذكرة السفر باهظة السعر، بالإضافة لاختلاف اللغة الأم ولغة الدراسة في الجنوب، وهي اللغة الإنجليزية، بجانب إصابة الأم بمرض نفسي.
وتشير عائدة إلى الصعوبات التي يلاقيها أبناء الجنوبيين، فيما يتعلق بالتحصيل الأكاديمي، والتي تتمثل -بحسب ما أشارت إليه- في صعوبة استخراج أوراق ثبوتية، والدراسة بالعملة الصعبة "الدولار"، مؤكدة إنها وإخوتها اعتمدوا على نظام المنح الدراسية، الذي تتكفل به منظمات لتغطية المصاريف الدراسية.
تحت سقف قطية
عقب انفصال دولة جنوب السودان 2011 فصل والد أحمد بقرار جمهوري، واختار البقاء في مدينة كوستي بالشمال.
يقول فاوسينو واني إنه عمل موظفًا في السكة حديد قرابة الـ (31) عامًا، ليجد نفسه مفصولًا عقب انفصال دولة الجنوب، دون حقوق، سوى معاش زهيد يقدر بـ(270) جنيهًا.
تسكن الأسرة في "قطية" -وهي بيوت تقليدية سودانية تصنع من القش- في حي السكة حديد بمنطقة كوستي، حيث كان يعمل موظفًا.
ويسرد لـ"الترا سودان" الأوضاع المعيشية الصعبة بقوله، إن الأم تعاني مرضًا نفسيًا، في حين اضطرت إحدى بناته تجميد الدراسة بسبب ارتفاع التكلفة، والتحول للدراسة بأكاديمية في مدينة كوستي.
وأردف فاسينو واني، بأن الجنوبيين عانوا عقب الانفصال من قضية الأوراق الثبوتية قائلًا: "عندما ذهبت لتلقي جرعة تطعيم كورونا واجهت عقبة الرقم الوطني ولم نتلق تطعيمًا"، مؤكدًا أن الورقة الثبوتية الوحيدة التي يملكها، بطاقة تأمين صحي من المعاشات.
اليوم، يعلق فاوسينو واني آماله على الابن أحمد: "يحب القراءة ودائمًا ما أشجعه على التحصيل الأكاديمي".
شهادة معلمة
عندما تسلم أحمد شهادة التقدير بإحرازه المجموع كاملًا، بكى؛ وتشارك الآباء والمعلمين والطلاب البكاء فرحًا لتفوق أحمد واحرازه المجموع كاملًا، فكان كرنفالًا للفرح والتفوق.
وعبرت معلمة اللغة الإنجليزية فاطمة محمود أزرق بقولها، إن أحمد هو الطالب الجنوبي الوحيد في المدرسة، واصفة إياه بالعفيف: "أحيانًا لا يفطر ولكن نشعر به نحن المعلمات ونتشارك معه وجبة الإفطار"، وتضيف بأن أحمد لم يشكِ يومًا ضيق الحال. مؤكدة تفوقه في اللغة الإنجليزية: "لم يسبق لي أن صححت له خطأ بالقلم الأحمر".
أبناء الجنوبيين يعيشون أوضاعاً أشبه بـ"البدون" في إشارة لعدم امتلاك جنسية أو أوراق ثبوتية
وفي سياق متصل، قال الناشط الحقوقي أنور خليل، إن أبناء الجنوبيين يعيشون أوضاعًا أشبه بـ"البدون" في إشارة لعدم امتلاك جنسية أو أوراق ثبوتية، كما يرفض بعض المواطنون تواجدهم بالأحياء، بجانب صعوبة تلقي التعليم والعلاج، ما يعرض الكثير منهم لخطر التشرد أو الإجرام.
تروى قصة نجاح أحمد، لإثبات أن التفوق والإنجاز لا يقتصر على سن محدد، أو موطن، أو جنسية، ولا تقف الظروف المادية والمعيشية حائلًا أمام الإرادة والطموح.
اقرأ/ي أيضًا
من مقاعد المواصلات.. حكايات لم يروها أصحابها
سودانيون يغادرون مدن أوكرانيا ولجان في بولندا تشرع في مساعدتهم