مخدر الآيس، أو الشبو، أو الثلج، أو الكريستال ميث؛ كلها مسميات لمادة الميثأمفيتامين، وهي مادة مستحدثة منشطة للجهاز العصبي، سريعة الإدمان، وتأتي في شكل بلورات أو كريستالات يتم طحنها وخلطها بالماء ثم تعاطيها عن طريق الحقن الوريدية أو الاستنشاق، لتعمل على زيادة إفراز هرمون الدوبامين بكميات كبيرة جدًا، وهو المسؤول عن مشاعر الرضا والنشوة اللحظية، لكن في حالة الميثأمفيتامين، فهي دائمًا ذات نهاية المؤسفة.
تجربة من الواقع.. 12 خطوة نحو النجاح
"أرجع لنفسك. قف أمام المرآة وقارن نفسك بنفسك قبل استخدام المخدر، كنت شخصًا نظيفًا ويحترمك الكل. انظر بنفسك بعدما دخلت عالم الآيس، ثم اختر، فإن اخترت الإدمان ستكون النهاية إما مصحة أو سجن أو موت. والاختيار لك". بهذه الكلمات وصف الشاب المتعافي أحمد "اسم مستعار" تجربته.
وواصل قائلًا: "جربت المخدر مع أصدقائي من باب حب الاستطلاع والتجربة، كنت أحسب نفسي قادرًا على السيطرة ولن أدمن، كنت أتخيل نفسي واعيًا؛ لم أكن كذلك". وتابع حديثه: "في البدء لم أواجه مشكلة في قضية النقود لأني كنت أعمل وأستخدم ثلاثة جرامات في الأسبوع. لاحقًا لم أعد أعمل جيدًا وفقدت التركيز وأصبحت شديد العصبية، وبالتالي تأثرت أوضاعي المادية".
متعاطٍ سابق لـ"الترا سودان": دخلت المصحة مرتين.. وأنا الآن مدمن متعافٍ أساعد المدمنين
ويروي لـ"الترا سودان" أن فترة العلاج تكررت في مرتين، وقال: "دخلت مركز إعادة التأهيل مرتين؛ الأولى لم تكن بإرادتي، وبعد أسبوع اختفت المشاكل والأوهام وعادت صحتي، وخرجت بعد (48) يومًا، ولكن قررت المواصلة في المخدر بصورة أقل. عدت إلى المصحة حيث عادت الأعراض بشكل أسوأ، وبعدها تعلمت قول لا للمخدرات". يقول: "حتى لو ذهبت لمائة طبيب؛ لا بد من إرادة قوية بجانب الحرص على النفس".
تحول أحمد لشخص يساعد المدمنين ويقول لهم إنه مرآة للنجاح، ويضيف: "استفدت من برنامج (12) خطوة مع زمالة المدمنين المجهولين. أنا مدمن متعافٍ مقر بذلك وقادر على قول لا؛ أنا أملك قراري".
موت سريع
من أعراض المخدر المباشرة الشعور بالنشوة والزيادة في النشاط والتركيز، بجانب نقصان الشهية والنوم وزيادة وعدم انتظام دقات القلب، بالإضافة لزيادة درجة حرارة الجسم وغيرها من الأعراض.
تقول الطبيبة العمومية والمتعاونة مع بعض المستشفيات النفسية ومراكز الإدمان، عضو التنسيق الطبي في منظمة نبض الأمل والحياة، هناء صلاح، في حديثها لـ"الترا سودان": "إن الأعراض بعيدة المدى والتي يمكن أن تحدث من أول استخدام لبعض الأشخاص هي الأعراض الذهانية مثل الهلوسة والارتياب والظنون والشكوك المرضية، واضطرابات المزاج مثل الاكتئاب واضطراب ثنائي القطبية واضطرابات القلق، بجانب قصور في الوظائف المعرفية مثل التركيز والانتباه والذاكرة وسوء الحكم على الأمور، بالإضافة للعنف اللفظي والجسدي والتخريب. كما يتسبب التعاطي في فقدان الوزن وشحوب الوجه ومشاكل الأسنان".
أما الأعراض الجسدية فتشملها هناء في مشاكل القلب مثل تأثر عضلة القلب والسكتة القلبية والفشل القلبي، ومشاكل الكلى والكبد، بالإضافة لاحتمالية الإصابة بالفيروسات مثل الكبد الوبائي ونقص المناعة المكتسبة الناتج عن استخدام الحقن الملوثة ومشاركة الحقن أثناء التعاطي. قالت: "حصول المريض على العلاج المناسب في وقت مبكر، وإدراك المشاكل الصحية المتوقعة، وعمل الفحوصات اللازمة؛ كل ذلك مهم جدًا لتجنب الآثار المزمنة".
وتشير هناء إلى الأعراض الانسحابية التي تبدأ بعد الانتهاء من تأثير آخر جرعة، وتوضح أنها تختلف من شخص لآخر، وتكون أكثر شدة في اليوم الثاني والثالث، ويمكن أن تستمر من أسبوع لعشرة أيام. وبحسب هناء فإن هذه الأعراض تشمل آلام العظام والمفاصل والقلق والتوتر واضطرابات المعدة والتعب والإرهاق واضطرابات النوم، بجانب الشعور بالاكتئاب والأفكار الانتحارية والرجفة، وفي بعض الحالات أعراض ذهانية.
مخدر الأغنياء.. والجميع
بحسب إفادات مختصين، يتراوح سعر الجرام الواحد من المخدر حوالي (25) إلى (35) ألف جنيه سوداني، وفي بعض مناطق الترويج يقل السعر. وبلغ في رمضان الماضي سبعة آلاف جنيه، وذلك بغرض كسب المزيد من المتعاطين.
وفي هذا الصدد تقول المعالجة النفسية آمنة أحمد سليمان، إن علاج المخدرات بمختلف أنواعها يتم وفقًا لنوع المادة. وفيما يتعلق بمخدر الآيس، تؤكد أنه يؤثر على الصحة العامة بحيث يسبب نقصًا في الشهية، ويؤثر على القلب والشعيرات الدموية مسببًا حالات نزيف دموي، بجانب التأثير على الأسنان، الأمر الذي يستدعي عدة تدخلات من تخصصات مختلفة، مثل أطباء الأسنان والباطنية. تقول: "يحدث إدمانه سريعًا لذلك يتطلب تدخلًا سريعًا، ولا بد من استخراج السموم بسرعة من الجسد، وهو الأمر الذي يستلزم تدخلًا مكثفًا".
وتتابع آمنة حديثها: "قبل دخول المتعاطي لمرحلة الآيس، يتعاطى البعض في المستوى الخامس والسادس ابتدائي، السجائر و"التمباك"، ثم يتطور الأمر لتجربة الكحول وإدمان "البنقو" في المرحلة الثانوية، ليجرب بعدها الحبوب، ثم مخدر الآيس".
وأكملت: "كان يطلق على مخدر الآيس "مخدر الأغنياء"، والآن مع الانتشار الواسع أصبح متاحًا لمختلف الطبقات. وفي حال فشل الشاب في شرائه يمكن أن يلجأ للسرقة والإجرام، أو الترويج له. مع ملاحظة ظهور فئة يطلق عليها اسم "اللامعتمدين"، وهم مجموعات من الشباب يستأجرون الشقق. لكن وبطريقة ما هم معتمدون عليه كمصدر لتصريف أمورهم".
الوقاية خير من العلاج
ويبقى السؤال كيف تتصرف العائلة عند اكتشاف أن أحد أبنائها مدمن على الآيس؟ تجيب على سؤال "الترا سودان" الاختصاصي النفسي إيثار التاي قائلة إن بعض الأسر تلجأ إلى الربط أو الضرب أو التخلي. ونصحت بالتوجه فورًا إلى أقرب طبيب نفسي ليحدد درجة الإدمان وطرق العلاج، مؤكدة أن العلاج يتم في سرية تامة، مع التأكيد على الأسر على عقد صداقات مع أبنائها ومعرفة أصدقائهم.
وفيما يتعلق بالوقاية تقول التاي إن التوعية المبكرة وبصراحة شديدة للأطفال في عمر المراهقة، وتعريفهم بأنواع المخدرات وخطورتها، أمر مهم للغاية، وتابعت بالقول: "في عمر المراهقة يحدث انفصال عن المنازل والبحث عن الانتماء مع أي شخص في الشارع، لذلك لا بد من الاحتواء وإشعار المراهق أنه متقبل في المنزل، حتى لا يحتاج لإثبات نفسه في الخارج. بالإضافة لتعزيز الثقة في النفس، والمقدرة على قول لا للمخدرات".
وأردفت بالقول: "من المهم القيام بدور المدرب، ونعني تعريف الشباب كيفية التصرف إذا ما وجدوا المخدرات أمامهم سواء في المدرسة أو المناسبات وغيرها، وتعريفهم كيفية التصرف، وملء أوقات الفراغ، والبعد عن أصدقاء السوء".
العلاج
وتعود الطبيبة العمومية عضو التنسيق الطبي في منظمة نبض الأمل والحياة، هناء صلاح، لتقول في حديثها لـ"الترا سودان": "العلاج يتطلب تنويم المريض في المستشفى، وبالأخص في الفترة الأولى، ولكن بسبب تكدس المستشفيات النفسية، وعدم توافر مراكز كافية، يلجأ الأطباء والمعالجون للمتابعة مع بعض المرضى من المنزل، أو في العيادات الخارجية، مع تهيئة الوضع المناسب في المنزل للمريض، حرصًا على تقديم المساعدة الكاملة، والتصرف اللازم الذي يحتمه الواجب والإنسانية في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها المدمن وأسرته".
وأشارت هناء لوجود منظمات لعلاج الإدمان مثل منظمة نبض الأمل والحياة، وهي منظمة تتكون من مجموعة من الأطباء والمعالجين النفسيين المؤهلين لمساعدة الشباب من الناحية الطبية والنفسية، بالإضافة لزمالة المدمنين المجهولين، وهي زمالة عالمية تتكون من شباب متعافين، يقدمون المساعدة والدعم في برنامج علاجي للمدمنين.
طبيبة: ينقسم العلاج إلى شقين؛ طبي ونفسي سلوكي
وتمضي بالقول: "ينقسم العلاج إلى شقين؛ الأول وهو الجانب الطبي حيث يقوم الطبيب بتقييم المريض وتشخيصه، وإعطائه الأدوية اللازمة للتخفيف من حدة الأعراض الانسحابية. ويختلف البروتوكول الدوائي من مريض لآخر بعد تقييم الطبيب المختص ومراقبة الحالة الصحية والعامة للمريض، بالإضافة لدور الطبيب في البحث عن اضطرابات نفسية، ربما تكون مسببة للإدمان أو ناتجة عنه، وتستمر الفترة باختلاف حالة المريض".
وزادت: "الشق الثاني هو العلاج النفسي والسلوكي، ويكون عن طريق معالج نفسي مختص، ويستمر عادة ما بين أربعة إلى ستة أشهر، ويكون عن طريق جلسات يتم تحديد مدتها باختلاف حالة المريض".
وأطلق نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي في الفترة الماضية، نداءات للمسؤولين للحد من تعاطي مخدر الآيس، وكشفوا عن تكدس المصحات النفسية بضحايا المخدر عقب انتشاره في شتى أنحاء البلاد.