في محطة الحافلات وسط مدينة بورتسودان، التقطت هيفاء أنفاسها عندما شاهدت المارة والباعة ومقاهي الشاي، لقد دبت الحياة في جسدها بعد رحلة طويلة امتدت من جزيرة توتي في قلب الخرطوم، إلى هذه المدينة الواقعة شرق البلاد لمسافة تتجاوز الـ (600) كيلومتر، تاركةً شهورًا من الخوف والتوجس وراء ظهرها في تلك الجزيرة، التي تخضع لسيطرة قوات حميدتي.
تحولت عملية إجلاء المدنيين من جزيرة توتي إلى تجارة رائجة بين عناصر قوات الدعم السريع
تقول هذه الشابة الحاصلة على بكالوريوس الاقتصاد، إن من هاجموا جزيرة توتي من قوات الدعم السريع، كانوا يافعين مسلحين لا يملكون قدرة على التفاهم مع المدنيين، وسرعان ما يميلون إلى استخدام العنف. نجونا بأجسادنا من الجزيرة التي ولدنا فيها، وعشنا فيها أغلب فترات حياتنا، من لم يغادر يفكر كل دقيقة كيف سيخرج من هناك، ويتجاوز الارتكازات العسكرية لقوات حميدتي.
كلما زادت الأنباء حول توتي، تتزايد هجمات الدعم السريع على المدنيين في الجزيرة، ويصرخ الجنود في وجه السكان بالقول : "أنتم السبب". ومع ذلك، فإن الآمال بقيت على تسليط الصحفيين الضوء على هذه المأساة، لممارسة الضغط على قائد القوات الجنرال محمد حمدان دقلو، للكف عن احتلال الجزيرة الواقعة في قلب النيل بقوة السلاح.
دفعت عائلة هيفاء قرابة خمسة ملايين جنيه، لحاجزين عسكريين يتبعان لقوات الدعم السريع. المرة الأولى عندما غادرت جزيرة توتي، والمرة الثانية في منطقة شرق النيل بالعاصمة الخرطوم، في كلا الحالتين كان الجنود يبررون أن هذه الإجراءات بغرض تأمين خروجهم.
وقالت الفتاة وهي تشعر بالحسرة وساعات طويلة من الخوف: "أُجبرنا على الجلوس في مكتب تحقيق لا يتسع لبضعة أشخاص، تحدثوا معنا بطريقة سيئة جدًا ثم أطلقوا سراحنا بعد أن سددنا المال الذي بحوزتنا، وحصلنا عليه عن طريق التحويلات باستخدام شبكات الإنترنت المؤقتة في المحلات".
تقع جزيرة توتي تحت عملية تشبه الحصار العسكري المستدام منذ عام ونصف، غادر بعض السكان بطرق صعبة، وأغلبهم سمح لهم بالمغادرة بعد سداد المال والذي يصل إلى مليون جنيه للشخص.تضيف هيفاء: "في بعض الأحيان يطلبون الهاتف لغرض التفتيش، عندما يطلعون على الرسائل أو يشاهدون صورة للجيش، يقولون أنك عميل سري للقوات المسلحة ثم يطلبون المزيد من المال".
يقول موظف سابق في بعثة الأمم المتحدة بالسودان لـ"الترا سودان"، إن المجتمع الدولي أو المنظمات العاملة على الأرض في صراع السودان، لا تبذل قصارى جهدها لإجلاء المدنيين من جزيرة توتي في الخرطوم
لا تلوح أي بوادر انفراج لأزمة جزيرة توتي، رغم مناشدات أطلقها سودانيون للجنة الدولية للصليب الأحمر، بالتدخل وإجلاء المدنيين إلى مدينة أمدرمان الواقعة مناطق واسعة منها تحت سيطرة الجيش.
يقول موظف سابق في بعثة الأمم المتحدة بالسودان لـ"الترا سودان"، إن المجتمع الدولي أو المنظمات العاملة على الأرض في صراع السودان، لا تبذل قصارى جهدها لإجلاء المدنيين من جزيرة توتي في الخرطوم. والأدهى والأمر أنها محاصرة قرابة عام ونصف.
ويشير هذا الموظف، إلى أن السماح لقوات عسكرية بالتحكم في حياة عشرات الآلاف من المدنيين، في منطقة تنعدم فيها الأغذية والمياه النظيفة والأدوية، شئ يدعو إلى القلق. وحتى الحكومة السودانية، لم تتطرق إلى أزمة توتي بالقدر المطلوب.