كشف رئيس حركة تحرير السودان وحاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، التفاصيل التي سبقت الساعات الأخيرة للحرب التي اندلعت بين الجيش والدعم السريع في منتصف نيسان/أبريل الماضي.
بحسب مناوي أظهر الكباشي إلحاحًا بائنًا لقادة الكتلة الديمقراطية على التوسط ونزع الاحتقان بين البرهان وحميدتي قبل ساعات من الحرب
وقال مناوي في مقابلة مع موقع سودان تربيون نشرت اليوم الأحد، إن نائب القائد العام شمس الدين الكباشي تحدث قبل ساعات قليلة من اندلاع الحرب صباح السبت 15 نيسان/أبريل الماضي مع مناديب للكتلة الديمقراطية في إفطار رمضاني خاص بمنزله، أقامه لهذا الغرض، حيث حضر الإفطار كل من نور الدائم محمد طه ومبارك أردول وسليمان صندل وعبدالعزيز عشر ومحمد زكريا.
وحسب "سودان تربيون" طلب الكباشي من الحاضرين بشكل عاجل أن يبلغا مناوي ورئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم بضرورة تدخلهما للتوسط بين البرهان وحميدتي لنزع الاحتقان بين الرجلين، حيث وصل مداه. ووفقًا لمناوي، أظهر الكباشي الحاحًا بائنًا أن يتم الاجتماع اليوم قبل الغد.
النداء العاجل الذي أطلقه الكباشي جاء بعد ساعات معدودة من اجتماع هيئة القيادة والذي تخلف عنه قائد الدعم السريع، ونائبه عبدالرحيم. وذكر الكباشي -وفقًا لمناوي- أن قيادة الدعم السريع بعثت ضابطين برتبة لواء لتمثيلها في الاجتماع، مضيفًا أن كباشي كشف عما دار في اجتماع هيئة القيادة، حيث وجه الاجتماع استفسارات حول انتشار قوات الدعم السريع في مواقع جديدة في الخرطوم وإرسال قوات لمطار مروي، لكن إجابات مناديب الدعم السريع كانت ”لا ندري، يُمكن أن تستفسروا من حميدتي أو عبدالرحيم“، غير أن، أحد قادة الجيش في ذلك الاجتماع رد عليهم غاضبًا "أبلغوا حميدتي وعبد الرحيم أن يفعلا ما يرغبان بالقيام به"، وبحسب الكباشي الذي نقل عنه مناوي أن الاجتماع انتهى بحديث رئيس هيئة الأركان الذي قال للقائد العام "نحن مستعدون للدفاع".
يقول مناوي: تواصلت في الحال مع جبريل وعرفت أنه على علم بهذه التطورات، اتفقنا على أن نبدأ اتصالاتنا مباشرة مع قائد الدعم السريع لطالما أن قواته بدأت التصعيد الميداني لا سيما في مطار مروي، وتشاورنا وقررنا أن نصطحب معنا رئيس الحركة الشعبية؛ مالك عقار ونائبي في حكومة الإقليم محمد عيسى عليو، واقترح عقار أن ينضم إلينا عبدالله مسار، ربما بحكم الرباط الاجتماعي بينه وحميدتي.
ويتابع مناوي: "لم نتمكن من تحديد موعد على وجه السرعة بسبب تعلل عبدالرحيم أكثر من مرة، فقررنا أن نصل بيته بلا موعد، كان ذلك عند العاشرة والنصف ليل الثلاثاء حيث التقينا جميعنا، عدا مسار، في منزله بحي المطار".
ويتابع مناوي سرد شهادته: "ظللنا في الانتظار في ساحة خارجية في فناء المنزل بدون أن ندخل إلى صالون الاستقبال، حتى الساعة 11:40، وصل عبد الرحيم على متن سيارة معروفة شعبيًا باسم "الشريحة، وكان أمرًا مثيرًا للتساؤل بالنسبة للحاضرين، وبحسب مناوي فإن القيادي في تحالف قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي خالد عمر يوسف نزل من ذات السيارة لكنه عاد بسرعة إلى داخلها، وعلمنا لاحقًا أن الواثق البرير وياسر عرمان وطه عثمان القيادات في التحالف كانوا داخل السيارة. يقول مناوي :"دارت أسئلة كثيفة في تلك اللحظات لكن رجحنا أن تكون اجتماعات للاتفاق الإطاري".
وواصل مناوي في إفاداته لسودان تربيون قائلًا: "وصل عبد الرحيم إلينا ومباشرة بدأنا النقاش الذي استغرق وقتًا طويلًا، في النهاية قبِل عبدالرحيم الجلوس مع الكباشي على أن ينعقد لقاء بين البرهان وحميدتي، مع اشتراطنا بعدم التصعيد بإرسال مزيد من القوات لمطار مروي"، ويقول مناوي: "لأن الزمن يحاصرنا، تواصلت مع الكباشي لطلب لقائه في الحال، رحب بالمبادرة وتحركنا مباشرة إليه، يتابع مناوي قوله؛ وحينما خرجنا لاحظت حجم قوات أمام منزل عبدالرحيم مبالغ فيها، وكانت معززة بالراجمات ومضادات الطيران وبعض المدرعات، وحينما وصلنا بوابة القيادة متوجهين لمنزل الكباشي كان واضحًا حجم التوتر بين حراسة نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي" وحراسات القيادة العامة، كأن كل طرف يصوب سلاحه نحو الآخر.
يواصل مناوي روايته: "حينما وصلنا منزل كباشي كانت الساعة 1:15 صباح 12 نيسان/أبريل، أبلغناه بقبول حميدتي وعبدالرحيم الجلوس معكم مع الالتزام بعدم التصعيد، رحب الكباشي بذلك، إلا أنه استأذننا أن يتصل بالبرهان أولًا، قبل الموافقة النهائية، لكن البرهان رأى أن يجلس معنا أولًا قبل جلوسه مع حميدتي، وتحدد موعد عند الساعة الحادية عشر صباح 12 نيسان/أبريل".
ويقول مناوي إن برهان سأل الكباشي قائلًا: "لكن كيف نجلس معهم -الدعم السريع- ونحن اتفقنا في هيئة القيادة على ألا يتم ذلك إلا بعد سحب قواتهم من مطار مروي؟".
وأردف مناوي: "وصلنا مقر البرهان عند الموعد؛ وجدنا كباشي ينتظرنا. اللافت أنه كان ممتعضًا للغاية قبل أن يبلغنا أن قائد الدعم السريع واصل التصعيد وعزز قواته في مروي بـ (54) سيارة قتالية وصلت مروي بعد ساعات من لقائنا بعبدالرحيم، وكان هذا مثيرًا للتساؤل بالنسبة لنا، لأن الرجل وعدنا وأخذنا منه التزامًا قاطعًا بعدم التصعيد".
ويتابع مناوي: بعد دقائق قابلنا البرهان وكان يظهر على وجهه عدم الارتياح. مباشرة استقبلنا بالسؤال: "هل أنتم تعتقدون أن حميدتي يكتفي بهذا التصعيد؟ نحن مللنا من أن نقنعه". وواصل قائد الجيش حديثه قائلًا: "قبل شهور كان عدد قواته في الخرطوم أقل من (30) ألف شخص، والآن فاقت الـ(100) ألف مقاتل وما يزال يحشد المزيد، ولا نرى ما يمنع هذا التمادي إلا القصدير -أي الرصاص-".
ويضيف مناوي مواصلًا سرد روايته: "كباشي قال لنا يبدو أن حميدتي لديه خطة انقلاب ويعتقد كباشي -بحسب مناوي- أن هذه الخطة بمعاونة ضباط من الجيش. ويقول مناوي: في هذه اللحظة رد عليه جبريل إبراهيم بسؤال: "إذا كان حميدتي لديه خطة انقلاب، هل الاستخبارات ليس لديها معلومات؟"، وجاء رد الكباشي بـ"كيف يتمادى حميدتي لهذا الحد دون أن يكون معه ضباط من الجيش؟". كان هذا الحوار بحضور قائد الجيش، الذي التزم الصمت ولم يعلق.
حددنا موعدًا جديدًا مع البرهان في هذا اليوم، وصلناه عند التاسعة مساء بعد صلاة التراويح، وجدنا اجتماع للمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير مع البرهان، وبالنسبة لمناوي فإن دخول المجلس المركزي على خط التهدئة كان بغرض قطع الطريق أمام مبادرتهم ولجعل الجيش في وضعية "التنويم" - حسب مناوي الذي تابع قوله: ظللنا في الانتظار حتى منتصف الليل. وأبلغنا الجنرال البرهان بأن التصعيد لم يتوقف من طرف الدعم السريع ولكنه لا يمانع في الجلوس مع حميدتي إذا قرر الانسحاب من مروي.
ويضيف مناوي: "في نفس الوقت تواصلنا مع حميدتي وتم تحديد موعد يوم 14 نيسان/أبريل عند العاشرة صباحًا وهو يوم الإفطار الرمضاني الجماعي للفريق شمس الدين كباشي".
يقول مناوي: "التقينا حميدتي في الموعد المضروب لكنه لم يلتزم بشيء ولم يرفض شيئًا، وانتهت الجلسة بمزاح ثقيل وضحكات متوجسة"، وأضاف: "بصراحة أنا لم أطمئن".
يسرد مناوي قائلًا: مباشرة، تواصلنا مع مكتب البرهان وتم تحديد موعد عند العاشرة مساءً، وقبل حلول الموعد انتقلنا لتلبية دعوة إفطار الكباشي الرمضاني في نادي النيل. هناك كان الحضور كثيفًا لكن اللافت كان غياب حميدتي وشقيقه عبدالرحيم. كان البرهان أول من غادر مكان الإفطار إلى الفناء الخارجي لاحتساء قهوة، جلسنا بقربه ومعي رئيس مفوضية السلام سليمان الدبيلو الذي استفسرني عن اجتماع لم يقم بخصوص ملف السلام، فكان ردي للدبيلو إن الاجتماع سينعقد عقب عيد الفطر، في هذه اللحظة باغتنا البرهان مبتسمًا بسؤال "هل أنتم متأكدون بأنكم تلحقون بالعيد؟".
وأردف مناوي: "قبل الموعد المضروب مع البرهان تواصل معي جبريل إبراهيم قبل زمن وجيز وأخبرني أن الدعم السريع واصل التصعيد في مروي حسب ما نقل له البرهان أثناء الإفطار، حينها شعرت أن لا جدوى من تحركاتنا، فسألت جبريل، هل ثمة جدوى من لقاءنا مع البرهان طالما أن التصعيد لم يتوقف؟".
يقول مناوي: إن جبريل كان يرى أنه لا بد أن نحاول حتى آخر لحظة.
وتابع مناوي: "وصلنا مقر البرهان عند العاشرة مساءً، وقابلنا مستشاره علاءالدين عثمان الذي أخبرنا أن البرهان في اجتماع مع المجلس المركزي للحرية والتغيير منذ الساعة الثامنة، وأن الاجتماع غير مرتب له - بحسب ما أخبرنا علاء الدين".
يروي مناوي: "ظللنا في الانتظار حتى دقت الساعة الواحدة صباحًا، وهو صباح الانفجار يوم 15 نيسان/أبريل، قابلنا البرهان بعدها بثلث ساعة، استمعنا له، حيث ذكر لنا أن المجلس المركزي اقترح عليه تشكيل لجنة للذهاب إلى مروي، أبلغنا البرهان أننا غير مهمومين باللجان وما يهمنا الآن على وجه السرعة أن نمنع الانفجار بأن تجلس مع نائبك.، أبدى البرهان استعداده وخرجنا منه بعد أن أبدى استعداده للجلوس مع حميدتي إذا قرر الانسحاب من مروي.
ويضيف مناوي أن البرهان أخبرهم أنه لا يستطيع الجلوس مع حميدتي قبل أن يبدي جدية في الانسحاب، لأن الجيش بدأ يتململ ويسحب الثقة منه ويتهمه بالتساهل مع الدعم السريع، فأبلغناه أن حميدتي أيضًا يقول إن الجيش حشد دبابات ومدفعية ثقيلة وصلت من عطبرة، فكان رد البرهان "إذا هو أبدى استعداد بالانسحاب من مروي نحن سنوقف التصعيد".
يقول مناوي: "انتهى الاجتماع وعدنا إلى منازلنا على أن نلتقي حميدتي عند العاشرة صباح السبت، لكن عند الساعة التاسعة صباحًا أيقظني مرافقي الأمني على أصوات الرصاص التي بدأت في المدينة الرياضية، جنوب الخرطوم، وكانت سياراتي معدة وجاهزة للتحرك إلى مقري بشارع البلدية".
يضيف مناوي: في الحال طلبت من سائقي التوجه لمقر حميدتي بالقيادة العامة للجيش رغم صوت الرصاص. سلكنا شارع النيل ونحن قادمون من المنشية، وحينما وصلنا جامعة الخرطوم اتصلت بحميدتي، قلت له: "نحن على موعدنا بعد قليل"، وكان رده أن الوصول إليه صعب في هذه اللحظات، فالاشتباكات عمت المدينة. كنت ألح عليه وكان يصر على ألا أتمادى في المخاطرة.
يتابع مناوي: "في هذه اللحظات زادت حدة الاشتباكات ولا صوت غير صوت الرصاص؛ غيرت وجهتي إلى مقري بشارع البلدية".
ويذكر مناوي أنه بعد نصف ساعة من منتصف نهار السبت، حاول الاتصال بالبرهان ولكنه لم يستجب ويردف: "فحاولت الكباشي الذي رد على ضاحكًا: أين أنت؟ قلت له أنا بخير في مقري، ماذا عنكم؟ رد: نحن بخير في بيت الرئيس المهاجم.
يقول مناوي: "كنت بالكاد أسمعه من شدة أصوات الاشتباكات. مباشرة حوّل الهاتف للبرهان فسألته؛ هل ثمة فرصة أخيرة لإيقاف ما يجري؟ رد عليّ بضحكة خفيفة قائلًا: "نحن مهاجمين في أماكننا وما عندنا فرقة عشان نقول كلام".
مناوي: حميدتي طلب منا إصدار بيانات إدانة
يتابع مناوي القول: حالًا فصلت الاتصال بهما وعاودت الاتصال بالجنرال حميدتي. سألته: هل ثمة فرصة لإيقاف ما يجري الآن، فكان رده أن سألني: "أنتم كنتم مع البرهان حتى ساعات الصباح الأولى، ماذا قال لكم؟ أجبته قائلًا: "البرهان قال سيلتزم بالتهدئة إلى حين لقائك، بافتراض أننا سنبلغك اليوم عند لقائنا، الذي لم يتم". وكان رد حميدتي: "البرهان بادر بالهجوم". ويضيف مناوي أن حميدتي طلب منهم إصدار بيانات إدانة.
يقول مناوي: "أعدت عليه السؤال مرة أخرى: هل بالإمكان أن تتوقف هذه الاشتباكات الآن؟ رد على بقوله: الآن أوضاعنا العسكرية لا بأس بها؛ القصر في يدنا والمطار في يدنا وتحصلنا على عدد كبير من العربات والدبابات، ومطار مروي في يدنا والقيادة العامة محاصرة، ولم يبق سوى استسلامه -أي البرهان- هو وعصبته. أنت أقنعه ليسلم نفسه والحرب ستنتهي تلقائيًا".