الكاتب: لما لي من علاقة تنظيمية تربطني بلجنة العمل الميداني ممثلًا لتجمع المهنيين السودانيين عن شبكة الصحفيين السودانيين، أكتب لكم كشاهد على الأحداث وتفاصيل الغرف المغلقة لموكب 6 نيسان/أبريل 2019، وفي الذكرى الأولى كنت قد كشفت جزءًا من كيفية الترتيب والتنسيق الذي جرى لإعداد الموكب، وقمت باستئذان أعضاء لجنة الميدان بقوى الحرية والتغيير وطلبت السماح بالكشف عن أسرار نجاح موكب 6 نيسان/أبريل، فسمحوا لنا.
تفاصيل وأسرار تكشف لأول مرة حول إعلان الاعتصام والنقاشات المصاحبة في اللجنة الميدانية إلى جانب اللغط بشأن دور صلاح قوش
في هذه الذكرى سوف نكشف تفاصيل جديدة، تدور حول كيفية إعلان الاعتصام، والنقاشات الحادة التي دارت بين أعضاء اللجنة والمفكر المعروف الدكتور محمد جلال هاشم، والذي التحق باللجنة في شباط/فبراير من ذات العام، والإجابة بشأن اللغط الدائر بشأن حقيقة دور صلاح قوش مدير جهاز أمن نظام المخلوع، إضافة إلى تفاصيل أخرى.
اجتماع أرضي!
بعد دخول الثوار في اعتصام أمام مقر القيادة العامة للجيش، كان لا بد من وضع ترتيبات لوجستية وأمنية وإعلامية وغيرها لإحكام التنسيق والنشاط داخل ميدان القيادة العامة، مما دفع أعضاء اللجنة للدعوة لأول اجتماع أرضي لهم، لجهة أنهم لم يلتقوا رغم أنهم يتبادلون الآراء والمقترحات بصورة شبه يومية عبر المجموعة الإسفيرية، إلا أنهم لم يتعرفوا أو يلتقوا فيما بينهم، واكتفوا باللقاء عبر تطبيقات المراسلة السريعة ومواقع التواصل، لذلك جاءت الدعوة لعقد اجتماع أرضي وهو الأول من نوعه.
اقرأ/ي أيضًا: أسر الشهداء: سوف نحيي ذكرى 6 أبريل.. ولم نحدد المطالب والمسارات بعد
كان ذلك مساء السادس من نيسان/أبريل، ليكون الاجتماع في اليوم الذي يليه يوم الأحد السابع من نيسان/ أبريل. أجندة الاجتماع كانت تدور حول كيفية تنسيق وترتيب وتوفير الاحتياجات للثوار في ساحة الاعتصام، وخرج الاجتماع بتشكيل عدد من اللجان، منها: "الجنة لتنظيم، لجنة الخدمات، اللجنة الأمنية، واللجنة الإعلامية"، حيث شغل أعضاء اللجنة قيادة تلك اللجان، بالتعاون مع الثوار في الميدان.
بين هاشم والأعضاء
في هذا المحور؛ ننتقل بكم للكشف عن تباينات في الآراء داخل اللجنة، تصدرها المفكر المعروف محمد جلال هاشم؛ والذي دخل لجنة العمل الميداني في مطلع شباط/فبراير 2019، ممثلًا لتجمع أساتذة الجامعات، أحد أجسام تجمع المهنيين السودانيين.
وعقب دخول هاشم مباشرة للجنة مزاولًا مهامه، هاجم الأعضاء الموجودين بسبب إدراجه في المجموعة التي تدير العمل بإحدى التطبيقات الإسفيرية، معللًا بعدم استئذانه في رغبته للدخول في المجموعة أم لا، ثم مضى طارحًا أفكارًا عن كيفية التخطيط للمواكب والمظاهرات والترتيب لمساراتها، وكان من ضمن الأفكار التي طرحها، أنه من الضروري زحف المواكب من الأطراف إلى مركز الخرطوم، معترضًا على انطلاقتها من وسط الخرطوم، وترمي فكرته بحسب ما وضح للأعضاء؛ لاستهداف أعداد أكبر وتوسيع رقعة المظاهرات.
غادر مغاضبًا
محمد جلال هاشم لم يبق طويلًا في اللجنة عبر مجموعتها الإسفيرية، وغادر منها مغاضبًا يوم السادس من شباط/فبراير 2019، وكتب لأعضاء اللجنة بيانًا طويلًا تناول فيه العديد من النقاط، منها انتقاده لإدارة أعضاء اللجنة للحراك الثوري، قائلًا: "استودعكم مغادرًا هذه اللجنة دون أن أجد في نفسي ذرة من أسف للأسلوب الذي تعاملت به معكم، فهذا أقل ما ينبغي لي أن أفعله لكم وإزاء ما تقومون به من عمل إجهاضي للثورة وأنتم تحسبون أنكم تحسنون صنعًا"، على حد قوله، وبعد كتابته هذا لتلك الكلمات، خرج مباشرة من المجموعة الرسمية للجنة دون عودة لها.
اقرأ/ي أيضًا: قوى سياسية وتنظيمات تدعو إلى التظاهر في 6 أبريل لإسقاط السياسات الاقتصادية
وفي إحدى النقاشات المتعلقة بتحديد نقطة انطلاق الموكب، قدم بعض أعضاء اللجنة بعض المقترحات، حيث قاطعهم هاشم بوصفه لهم بالأطفال الصغار، وأنهم ليس لديهم الخبرة الكافية للترتيب والتنسيق للمظاهرات، وأشار إلى أن أخطاء اللجنة عبارة عن جبل جليد ضخم، وأضاف مخاطبًا أعضاء اللجنة: "ما فعلتموه بالنسبة لي مجرد تخليط في قواعد اللعبة عن جهل بها".
فشل الموكب
وعن موكب 6 نيسان/أبريل، أصدر محمد جلال هاشم منشورًا على صفحته بتطبيق فيسبوك، تحدث فيه عن فشل الموكب بسبب عدم قدرة اللجنة على اختيار التوقيت المناسب وهو يوم السبت، مطالبًا بتأجيل الموكب إلى يوم الأحد بحيث يتوفر غطاء أمني للثوار، ومضى في حديثه بالقول بأن مواكب 6 نيسان/أبريل لن تنجح، وسيكتب لها الفشل.
كيف تم الترتيب لإعلان الاعتصام؟
قبل الدخول في معرفة كيفية إعلان الاعتصام، نكشف أن الترتيبات داخل اللجنة للموكب كانت كبيرة دون غيره من المواكب، مما جعل أعضاء اللجنة في حالة اجتماعات شبه مستمرة في اليومين اللذين سبقا يوم الاعتصام، حيث طرح الأعضاء عدد من السيناريوهات المحتملة للموكب في حالة الفشل أو النجاح، وكان الخوف من فشل الموكب ملازمًا للأعضاء، وذلك نظرًا للحملة الدعائية الضخمة التي نالها الموكب، ومن الإحباط الذي سوف يخيم على الثور حال الفشل، وفي ذلك اتفق الجميع على وضع خطة بديلة تضمنت جدولًا لخمسة أيام تم تجهيزه حال فشل الموكب لينشر مساء السبت، وحدد الجدول ثلاثة مواكب في اليوم الواحد، بحيث يبدأ يوم الأحد وينتهي يوم الخميس بموكب يتجه نحو القيادة العامة للجيش وهي نفس نقطة 6 نيسان/أبريل.
كسر الطوق الأمني
أما بالنسبة للدخول في اعتصام بالقيادة العامة حال نجح الثوار في كسر الطوق الأمني؛ فقد اتفق الأعضاء على إعلان الاعتصام، ولكن بعد أن يتم تقدير حجم الثوار في القيادة العامة، وكانت قد رهنت اللجنة إعلان الدخول في اعتصام، ببلوغ عدد الثوار داخل الميدان لحوالي (50) ألف شخص، وتم حسابها بصورة هندسية.
لم تتمكن اللجنة وتنسيقية الحرية والتغيير من إعلان الدخول في اعتصام بسبب رداءة شبكة الاتصالات في ساحة القيادة العامة
وعلى الرغم من ذاك الاتفاق، وبسبب انقطاع التواصل بين أعضاء اللجنة بسبب رداءة شبكة الاتصالات في ساحة القيادة العامة، لم تتمكن اللجنة وتنسيقية الحرية والتغيير من إعلان الدخول في اعتصام، كما أن العدد تجاوز حاجز الـ(50) ألف شخص الذي كان موضوعًا كسقف لإعلان الاعتصام.
والجدير بالذكر، أن الثوار سبقوا لجنة العمل الميداني في الإعلان للاعتصام، حيث ارتفعت الأصوات بالهتاف داخل الميدان بالاعتصام حتى إسقاط النظام، وبذلك الهتاف أعلن الثوار الدخول في اعتصام، وعقب ذاك الإعلان بنصف ساعة أصدرت قوى الحرية والتغيير بيانًا دعت فيه الثوار للدخول في اعتصام حتى إسقاط النظام.
النقاط المعلنة والسرية
النقاط المعلنة لانطلاقة الموكب استغرقت وقتًا طويلًا لتحديدها، على عكس ما كان يجري في المواكب السابقة، إذ أن اللجنة كانت تعقد لتلك المواكب اجتماعًا ليليًا أو نهاريًا لا يتجاوز الثلاث ساعات ومن ثم تحدد النقاط، على العكس تمامًا مما جرى في 6 نيسان/أبريل، لكن نجاح الموكب لم يكن مقتصرًا على تلك النقاط الثلاث فقط.
وتم تحديد نقاط تجمع وانطلاق سرية للمواكب، لكنها كانت خفية لدرجة لم تتمكن أجهزة النظام القمعية من توقعها أو وضعها في الحسبان. كانت من السرية بحيث لم يتعرف عليها سوى أشخاص يعدون على أصابع اليد الواحدة من المكلفين بإشعالها في ساعة محددة.
لا أحد يعلم
لم يكن يعرف نقاط تجمع وانطلاق المواكب السرية أي شخص سوى بضع من المستهدفين بإشعالها وإخراج مواكبها لتلتحق بعضها ببعض وتشكل نسيجًا واحدًا، وقد كانت الأجسام المنضوية تحت لواء تجمع المهنيين مسؤولة عن تنظيمها، وحددت ثلاث نقاط سرية، وكانت هذه النقاط من ضمن خطة الحسم التي رسمت لاختراق الطوق الأمني من الوسط وتمهيد الطريق لهدير مواكب النقاط المعلنة، لذلك لجأت اللجنة لوضع النقاط السرية وسط النقاط المعلنة، والمدرك لجغرافية مدينة وسط الخرطوم يمكنه الآن أن يحدد من أين انطلقت مواكب النقاط السرية الثلاث، لتضرب حصون القوات الأمنية وتفتت جهدها لتفك الخناق عن المواكب المعلنة.
اقرأ/ي أيضًا: احتجاجات في الخرطوم على زيارة السيسي.. ومطالبات بإعادة مثلث حلايب
النقاط غير المعلنة جاءت بطلب وتنسيق من مكتب فعاليات تجمع المهنيين، والذي ساهم مع لجنة العمل الميداني في إنجاز فعاليات ثورية منها الإضرابات والوقفات الاحتجاجية، ووقع الاختيار على النقطة الأولى أمام المركز الثقافي البريطاني وسط الخرطوم، وهي النقطة التي تولى قيادتها عناصر شبكة الصحفيين السودانيين، أحد مكونات تجمع المهنيين، وبينما كانت لنقطة السرية الثانية تقع في تقاطع شارع المك نمر مع شارع البلدية، وهي نقطة خصصت لمنسوبي تحالف المحامين الديمقراطيين ولجنة المعلمين وتجمع أساتذة الجامعات وأجسام مهنية أخرى. أما بقية الاجسام فكانت نقطة تجمعهم أمام مباني السفارة البريطانية بالخرطوم قبالة شارع البلدية.
جدلية فتح مسار القيادة
كثر الحديث واللغط مؤخرًا عن فتح المسارات للثوار للوصول أمام مقر القيادة العامة للجيش، والأحاديث تقول أن مدير جهاز الأمن والمخابرات للنظام البائد صلاح قوش هو من قام بفتح تلك المسارات، وهناك من يقول أنه يوجد تنسيق ميداني بين قادة الحراك والاجهزة الأمنية، وللرد على هذه الأحاديث؛ يجب الإشارة إلى أن لجنة العمل الميداني هي التي تقوم بالتنسيق والترتيب مع لجان المقاومة أو الأحياء لوضع الجداول والمسارات ونقاط التجمع أو البداية ونهاية الموكب وتحديد وجهته، مما يعني أنه إذا كان هناك ترتيب بخصوص فتح المسارات مع صلاح قوش لتم إبلاغ اللجنة بذلك، وتعقب الخطوة تحديد النقاط محل الاتفاق لتصبح مسارًا يعبر به الثوار للقيادة العامة، كما كان سيتم إبلاغ لجان المقاومة بتلك المسارات حتى لا تتعرض لقمع.
لجنة الميدان لم تتلقَ أي توجيه بخصوص ترتيبات لفتح مسار ولم يكن لها أي اتصالات مع الأجهزة الأمنية
فالحقيقة أننا في لجنة العمل الميداني لم نتلقَ أي توجيه بخصوص ترتيبات لفتح مسار، ولم تكن هنالك اتصالات بيننا مع الأجهزة الأمنية حتى تسمح للثوار بدخول القيادة العامة، وما يشاع عن فتح المسارات من قبل الأجهزة الأمنية أو من صلاح قوش غير حقيقي ولا يتعدى الأمر من كونه "كذبة أبريل"، بحجة أن هدير الثوار نحو القيادة هو ما أجبر الجهات الأمنية على الانسحاب، إضافة إلى أن القمع الذي تعرض إليه الثوار حجمه كان مماثلًا لما يحدث في بقية المواكب السابقة، بل أكبر منه، كما أن الموكب شهد حملات اعتقالات واسعة قدرت بالآلاف، وكان المصابون بالمئات بجانب سقوط شهداء، كل هذه الأسباب تفند كذبة أن "قوش قام بفتح القيادة لدخول الثوار".
اقرأ/ي أيضًا
"حظيرة الردوم في خطر".. التعدين والقطع الجائر يهدد المحمية
انتهاكات وعنف وعدم مساواة.. أوضاع الصحفيات في سودان ما بعد الثورة