في قلب الخرطوم العاصمة الجريحة، تدور أحداث الفيلم الروائي الطويل "وداعًا جوليا" للمخرج محمد كردفاني، عن امرأتين سودانيتين جسدتا الفجوة الاجتماعية الكبيرة بين إنسان الجنوب وإنسان الشمال قبل استقلال جنوب السودان في العام 2011.
قصة الفيلم
يبدأ الفيلم بتداعيات من يوم "الاثنين الأسود" حيث انقلبت الخرطوم رأسًا على عقب يوم إعلان وفاة جون قرنق، فانتشرت أحداث العنف الدامية التي راح ضحيتها العشرات من الفريقين. من هنا كانت الانطلاقة، بأصوات الرصاص وأنين الجثث المحترقة في شوارع الخرطوم قبل أن تتفحم بقليل. وفي أعقاب هذه الفوضى كانت منى تقود سيارتها في الطريق الذي لم تكن تعلم أنه سيقودها إلى عوالم جديدة. لحظات من التشتت وعدم الانتباه في القيادة أدت إلى حادث سير، والضحية طفل صغير، لم تتوقف منى حتى لتتفقد الصبي الجنوبي الذي أسجته أرضًا بسيارتها.
تتخلل مشاهد "وداعًا جوليا" كلمات ذات طابع عنصري.. تمامًا كما يحدث في المجتمع السوداني
ماذا على الأب أن يفعل عندما يجد ابنه يتألم؟ إنها المطاردة. سانتينو اختار أن يلاحق منى بدراجته النارية حتى وصلت إلى المنزل، يبدو أن صرخات منى استطاعت أن تلفت انتباه زوجها، شعر أكرم بالذعر عند رؤية الجنوبي يطارد زوجته فحمل سلاحه الذي اشتراه حديثا وأرداه قتيلًا، فلطالما كان يرى أن الجنوبيين "عبيد متوحشون".
وكأي جريمة قتل لا بد من إسنادها إلى القانون لمعرفة الدوافع، والتي أكد الزوجان أنها كانت بغرض الدفاع عن النفس، بينما آثرت السلطات أن تدفن جثة سانتينو سرًا وتخفي هويته من أجل الحد من أعمال العنف التي صاحبت غياب الدكتور جون قرنق عن المشهد وإلى الأبد. عانت منى من عقدة الذنب؛ ذنب سانتينو والذي علمت مؤخرًا في رحلة بحثها عن عائلته أنه كان يعمل في استوديو للتصوير الفوتوغرافي. كانت رحلة من أجل التكفير عن ذنب فقدان العائل الوحيد لأسرة جوليا وابنها.
جرائم وعنصرية
تتخلل مشاهد "وداعًا جوليا" كلمات ذات طابع عنصري، فتعلو الأصوات أحيانًا بكلمة "عبد" ومدلولاتها، وأحيانًا أخرى تنخفض؛ تمامًا كما يحدث في المجتمع السوداني.
عثرت منى على أسرة سانتينو واستقدمت جوليا زوجة القتيل للعمل معها في المنزل، ولم تجد هذا الأمر كافيًا، لذلك تكفلت بمنصرفات ابنها داني المدرسية، والتي قررت أن تلحقه بإحدى المدارس الخاصة. عارضها زوجها أكرم في هذا القرار، والذي كان له أن يتصور معاناة طفل جنوبي يدرس في مدرسة ليس بها سوى الشماليين، والذي سيكون مختلفًا عنهم طبقيًا وإثنيًا.
وبالرغم من العلاقة التي نشأت بين مني وجوليا إلا أن هنالك عدد من اللمحات في الفيلم التي تظهر التفرقة العنصرية التي عانى منها إنسان الجنوب، فقد كانت منى تحرص على أن تفرز الأطباق التي تتناول فيها الطعام هي وأسرتها عن الأطباق التي تقدم فيها الطعام لجوليا وابنها.
لم تكف جوليا عن البحث عن زوجها، فكانت تبحث في أقسام الشرطة عن سانتينو المحتجب دون أن تجد أي خيط من شأنه أن يوصلها إليه، تسأل عنه الأصدقاء ولكن دون جدوى تذكر.
ومع بلوغ العام 2010 يصبح داني ابن سانتينو صبيًا يافعًا يساعد أكرم في أعمال ورشة النجارة التي يمتلكها، بينما تستمر جوليا في الدراسة بجانب عملها مع منى، وتصبح أكثر انخراطًا في مجتمع الكنيسة، وهو مجتمع يضم الكثير من الجنوبيين الذين يؤيدون بشكل كبير فكرة الانفصال عن الشمال.
ومع تسارع أحداث الفيلم تفجر جوليا المفاجأة، لتصارح منى بأنها تعلم منذ البداية بالجرم الذي ارتكبه زوجها، وأنها هي التي صدمت ابنها بالسيارة، لكنها آثرت الصمت لتتخذ من منزل منى ملجأ لها بعد أن أغلقت السلطات مخيمات الجنوبيين.
إلى الأوسكار
والجدير بالذكر أن السودان قام بترشيح فيلم "وداعًا جوليا" للحصول على جائزة الأوسكار، وسيقام حفل توزيع الجوائز في مارس/آذار من العام المقبل، والذي سيكون في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية. وكان الفيلم قد حصد عددًا من الجوائز وشارك في مهرجان كان السينمائي كأول فيلم سوداني يرقى إلى هذا المستوى، كما فاز بجائزة الحرية في نسخة المهرجان من العام الجاري.
وحصد الفيلم سبعة ترشيحات في جوائز سبتيموس الدولية في أمستردام العاصمة الهولندية، وتتضمن أفضل فيلم أفريقي، أفضل مخرج، أفضل سيناريو، وفي جانب التمثيل رشحت الممثلتان إيمان يوسف وسيران رياك للقب أفضل ممثلة أفريقية، فيما حصد الفيلم الترشيح أيضًا لأفضل تصوير سينمائي وأفضل موسيقى تصويرية.
وتولى إنتاج الفيلم المخرج أمجد أبو العلا، والتأليف والإخراج تولى أمرهما محمد كردفاني، وكانت البطولة لكل من إيمان يوسف في دور منى، وسيران رياك في دور جوليا، ونزار جمعة في دور أكرم، وغير دواني، وفي المونتاج كانت هبة عثمان، وخلف الكاميرات كان المصور بيير دي فيليرز.
شهد قطاع السينما في السودان انتعاشًا ملحوظًا عقب اندلاع "ثورة ديسمبر"
وشهد قطاع السينما في السودان انتعاشًا ملحوظًا عقب اندلاع "ثورة ديسمبر"، حيث برزت عدد من الأعمال أظهرت مستوى عالٍ من الإبداع والاحترافية، من بينها "ستموت في العشرين" للمخرج أمجد أبو العلا الذي حظي بالتكريم في مهرجان فينيسيا، وفيلم الحديث عن الأشجار لصهيب قسم الباري والذي حصل على جائزة في مهرجان برلين.