08-أكتوبر-2015

أقباط السودان(خالد دسوقي/أ.ف.ب)

من الصعب تحديد تاريخ معين لدخول الأقباط السودان، لكن تأثيرهم في المشهد العام انطلق مع بداية القرن العشرين، وقتها كان السودان مستعمرة إنجليزية، وتحسنت ظروف الأقباط سريعًا بسبب حظهم الوافر من التعليم، فتوسعت إسهاماتهم في كل نواحي الحياة، وظهرت طموحاتهم السياسية عندما طالب الأب فيليو ثاوس فرج في إفطار رمضاني، حضره الرئيس البشير مطلع العام 1997، بمقعد وزاري للأقباط في الحكومة.

احتسب الأقباط "جرجس يسطس" أول ضحايا حكومة الإسلاميين، نهاية ثمانينيات القرن الماضي. وكان جرجس يعمل طيارًا في الخطوط السودانية، واتهمته السُلطة بالمتاجرة بالعملة الأجنبية، ونفذت عليه حكمًا بالإعدام في فبراير/شباط 1990. عندها، شعر العديد من الأقباط بقرب تاريخ المواجهة الحتمية، فتزايدت مشاعر القلق، واختار بعضهم الهجرة خارج الوطن دون أن يخلعوا عنهم سودانيتهم، أو يتخلوا عن حنينهم إلى موطن الآباء والذكريات.

احتسب الأقباط "جرجس يسطس" أول ضحايا حكومة الإسلاميين، نهاية ثمانينيات القرن الماضي

وبالرغم من تلك الإشارة المرعبة، إلا أن العلاقة بين الأقباط والجماعات الإسلامية في السودان لم تشهد انفجارات وصدامات مثل ما هو معهود في مصر. وقد انضم الكثير منهم إلى أحزاب سياسية من ضمنها الحزب الحاكم، والذي دفع خلال الانتخابات الأخيرة بمرشحة قبطية للمجلس التشريعي وهي "مارثا جوزيف". قالت مارثا في عبارة شهيرة لها: "الوطني ليس حكرًا على التوجه الإسلامي"، ونجحت مارثا في تدشين حملتها لتبلغ معظم شوارع وبيوت الخرطوم، وركزت خلال حملتها الانتخابية على ردم الهوة بين جماعتها وحزبها.

اقرأ/ي أيضًا: السودان.. طعنات الإقصاء

يقول نبيل غالي، وهو ناقد قبطي ومدير تحرير صحيفة اليوم التالي، لـ"ألترا صوت": "الأقباط جزء من النسيج الاجتماعي والسياسي السوداني وهم معتزون بانتمائهم للسودان". ويرى نبيل أن الأقباط لا يشعرون بأنهم "أقلية" في السودان، وإنما "هم جزء أصيل من نسيجه"، حسب تعبيره.

ويشير غالي إلى أن "العقيدة لم تمثل في يوم من الأيام حائط صد بين الأقباط والمسلمين"، مؤكدًا التفاعل بينهم سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا في السودان. وقد ضمت العديد من الأحزاب السودانية شخصيات قبطية بارزة، من بينها عبدالله النجيب في قيادة الاتحاديين، ولطيف صباغ في حزب الأمة، وسمير جرجس في الحزب الشيوعي السوداني، بجانب المحامي نبيل أديب في قيادة التجمع الديمقراطي المعارض.

شكل الظهور اللافت للأب فيليو ثاوس في المناسبات الحكومية، ومبايعته للرئيس البشير علامة فارقة في تاريخ الأقباط، حتى أصبح البعض يطلق عليهم "أقباط السودان إخوان المسلمين". وتوسط بعضهم بين حكومة الإسلاميين والإدارة الأمريكية لرفع العقوبات عن السودان منذ عشرات السنين.

لم تشهد العلاقة بين الأقباط والجماعات الإسلامية في السودان صدامات مثل ما هو معهود في مصر

لكن ثاوس مع ذلك لم يتنازل عن عبارته المشهورة، المضادة لشعار "الإسلام هو الحل" وهي قوله "الإنسان هو الحل"، علاوة على ذلك فإن دخول القبطي للإسلام يعرضه لإشكالات عديدة. وقد كشفت في السابق جماعة "الأقباط المسلمون" في السودان عن تعرضهم لمضايقات وملاحقات إثر اعتناقهم الإسلام. ويقدر عدد الأقباط الذين غيروا ديانتهم للإسلام بحوالي 800 من مجموع ثلاثة آلاف قبطي حسب آخر إحصاء لرابطة الأقباط بالسودان.

يستقر الأقباط خاصة في المدن السودانية ذات الطابع التجاري والإداري، وربما يرجع ذلك لاهتمامهم بقطاع التجارة. ويلاحظ وجودهم بكثافة في العاصمة الخرطوم وأيضًا في عطبرة ومدني والقضارف وسنار. ويتضاءل وجودهم في مدن شمال وغرب السودان. أما التواجد القبطي في جنوب السودان فهو شبه معدوم رغم انتشار الديانة المسيحية فيه، وقد يعود ذلك لـ"سياسة المناطق المقفولة" التي أقرتها الحكومة في فترة الاستعمار.

يقول الكاتب طلحة جبريل: "ساد انطباع خاطئ منذ زمن بأن أقباط السودان هم امتداد لأقباط مصر، لكن هذا الانطباع ليس صحيحًا على الإطلاق، ربما يشترك الجانبان في الانتماء إلى الكنيسة الأرثوذكسية، لكن عدا ذلك لا يجمع بينهما سوى ما يجمع السوداني والمصري بصفة عامة".

ورغم اختلاف التقاليد، إلا أن المناسبات الوطنية والأعياد الدينية تجمع الأقباط مع مسلمي السودان ويتزاورون في الأفراح والأتراح، لكن الزواج بين الأقباط والمسلمين، لم يبارح محطة الرغبات الدفينة. وطالما اشتهرت في السودان أغان جميلة كانت تتعرض لقصص حب فتيات قبطيات، ومنها "أنه المجروح" و"ظبية المسالمة" و"قصة ريدة بين مسلم ومسيحية".

 

اقرأ/ي أيضًا: فصول من قصة أيلول السوداني الدامي