يصادف العاشر من أيلول/سبتمبر اليوم العالمي لمنع الانتحار. وبحسب دراسات طبية يفقد شخص روحه عبر الانتحار كل (40) ثانية حول العالم؛ فهل حان الوقت لنشر الوعي حول القضية وتفعيل دور المساعدة لمنع الانتحار؟
خلق الأمل بالعمل
تقدر دراسات طبية أن نحو (20%) من حالات الانتحار العالمية تعزى إلى حالات التسمم بالمبيدات، ومعظمها يقع في المناطق الزراعية الريفية في البلدان منخفضة الدخل أو متوسطة الدخل.
دعت معالجة نفسية إلى منع "الكتابة الانتحارية" علنًا في الميديا لوجود أشخاص آخرين "محفَّزين" للانتحار
تلفت المعالجة النفسية ياسمين إسماعيل إلى أن المنتحر أصبح في الآونة الأخيرة يكتب وصيته. وتضيف: "يمكن لشخص آخر يعاني أعراض الاكتئاب أن يفكر في إنهاء حياته بسبب تعرضه لأفكار انتحارية". ودعت ياسمين إلى منع "الكتابة الانتحارية" علنًا في الميديا لوجود أشخاص آخرين "محفَّزين" للانتحار – على حد تعبيرها.
وتوضح أن الأشخاص المصابين باضطراب "الشخصية الحدية" يحاولون معاقبة أنفسهم. وعزت أسباب الانتحار إلى اضطرابات المزاج وضغوطات العمل والحياة. وقالت إن الشخص يمكن أن يصل إلى مرحلة "الاحتراق الوظيفي"، بالإضافة إلى -والحديث لياسمين- اكتئاب "ما بعد الولادة".
وشددت المعالجة النفسية على أهمية معرفة الأسباب والدوافع الكامنة وراء الأفكار الانتحارية، لمعالجتها وتمكين الشخص من التعامل مع الضغوطات النفسية والحياتية في المستقبل.
الانتحار.. ثاني أسباب الوفاة في العالم
وبحسب إحصاءات، يلقى ما يزيد على (800) ألف شخص حتفه في كل عام جراء الانتحار الذي يحتل المرتبة الثانية بين أهم أسباب الوفاة بين الشباب في الفئة العمرية بين (15-29) عامًا على مستوى العالم. وهناك إشارات إلى أنه مقابل كل شخص بالغ مات منتحرًا، كان هناك ما يزيد عن (20) شخصًا حاولوا الانتحار.
وعلى الرغم من ثبوت الصلة بين الانتحار والاضطرابات النفسية، خاصةً الاكتئاب والاضطرابات الناجمة عن تعاطي الكحول في البلدان مرتفعة الدخل، فإن الكثير من حالات الانتحار تحدث باندفاع في لحظات الأزمة، عندما تنهار قدرة الشخص على التعامل مع ضغوطات الحياة، مثل المشاكل المالية أو مشاكل الانفصال أو الطلاق أو الآلام والأمراض المزمنة.
وفي هذا السياق، يقول المدير الطبي لمركز نقاء للصحة النفسية وإعادة التأهيل الدكتور ياسر أونسه إن العلاج يتمثل في عدد من الجلسات النفسية بعد التقييم الطبي للمريض ومعرفة المهددات والمقابلات مع الطبيب والمعالج النفسي، لتحديد نوعية العلاج سواء بمضادات الاكتئاب أو الجلسات النفسية.
ويضيف في تصريح لـ"الترا سودان": "يستجيب عدد كبير من المرضي لجلسات العلاج النفسي، وتحدد عددها بعد تشخيص الحالة، ومعرفة الحد الذي وصله المرض". ويتابع قائلًا: "يتم تنويم المريض بالمشفى في حالة إذا كان هناك تهديد على حياته أو حياة الآخرين وكان في حاجة إلى المراقبة أكثر من المنزل".
وفيما يتعلق بجلسات العلاج الكهربائي، يقول إن المريض يكون تحت تأثير التخدير ولا يشعر بشيء، لافتًا إلى أنه يتم اللجوء إليها من أجل إحداث "تغيير بسيط في كيمياء الدماغ".
ثمة صلة قوية بين النزاعات والكوارث والعنف وسوء المعاملة أو فقد الأحبة والشعور بالعزلة بالسلوك الانتحاري
حالة طوارئ نفسية
وبالإضافة إلى ما تقدم ذكره، ثمة صلة قوية بين النزاعات والكوارث والعنف وسوء المعاملة أو فقد الأحبة والشعور بالعزلة بالسلوك الانتحاري. وترتفع معدلات الانتحار كذلك بين الفئات الضعيفة التي تعاني من التمييز، مثل اللاجئين والمهاجرين والشعوب الأصلية والسجناء، فيما وُجد أن أقوى عامل لزيادة احتمال الانتحار هو الإقدام على محاولة الانتحار من قبل.
ويشير الطبيب النفسي ورئيس منظمة نبض الحياة والأمل لعلاج الإدمان وإعادة التأهيل الدكتور عامر عبدالرحمن إلى أن الانتحار كلمة يونانية الأصل، وتعني قتل/ إيذاء النفس، لافتًا إلى أنه يأتي في ظروف معينة.
ويؤكد في إفادة لـ"الترا سودان" أهمية معرفة الأسباب والدوافع، مثل الاكتئاب واضطرابات المزاج أو المشاكل الاجتماعية أو فقدان شخص عزيز. وشدد عبدالرحمن على أهمية عامل تعاطي المخدرات خاصةً الكحول و"الآيس" الذي قال إنه انتشر بصورة "واسعة" مؤخرًا. وأوضح أنها تدفع بالشخص نحو الاكتئاب، محذرًا من إمكانية تناول جرعة زائدة أو تسببها في أمراض مزمنة مثل الفشل الكلوي الذي يدخل المريض في "ضغط نفسي عالٍ" – على حد تعبيره.
ويوضح عبدالرحمن أن الأعراض تتمثل في العزلة ومحاولة الشخص توديع الناس والاعتذار لهم والتخلص من الأشياء الثمينة أو أن يكتب رسالة وداع كما في الماضي. ويضيف: "في الآونة الأخيرة يمكن أن تكون الرسالة عبر وسائل التواصل الاجتماعي".
ومضى قائلًا: "لم يعد الانتحار حكرًا على فئة معينة، إذ نلاحظ انتشاره في دول العالم الأول مثل السويد، ما يعني أن ثمة عوامل متداخلة غير الوضع الاقتصادي، مثل الوازع الديني"، مشيرًا إلى تحريم الدين الإسلامي لقتل النفس.
وأردف الطبيب النفسي: "لا بد من التعامل باحتراف ومسؤولية مع حالات الانتحار"، لافتًا إلى أنها تعد من "أعلى مستويات الطوارئ في الطب النفسي". وأوضح أن المريض يخضع لمراقبة من "الدرجة العالية" من كادر تمريض إلى حين اختفاء الأعراض.
طبيب نفسي: تكون المعالجة عن طريق مضادات الاكتئاب، وفي حالة عدم التحسن يتم اللجوء إلى جلسات العلاج الكهربائية
وبحسب عبدالرحمن، تكون المعالجة عن طريق مضادات الاكتئاب، وفي حالة عدم التحسن يتم اللجوء إلى جلسات العلاج الكهربائية.
وليس بعيدًا عن الذاكرة، إقدام شاب سوداني يعاني من الفشل الكلوي قبيل عدة أشهر على إلقاء نفسه من فوق جسر بمنطقة "الحلفايا"، بعد أن بث رسالة وداع واعتذار لأحبائه وأهله.