لم تفلح الأقفال ذات الجودة العالية والتي اشتراها المواطن محمد الطاهر في منع قوات الدعم السريع من احتلال منزله، والذي قال إن أحد جيرانه بالقرب من المدينة الرياضية حيث يسكن هو وأسرته قد اتصل عليه لإبلاغه بأن عددًا من أفراد قوات الدعم السريع قد استباحوا منزله بالكامل، ينامون على أسرّته، ويستخدمون أمتعته الخاصة كأنهم يسكنون في هذا المنزل منذ عشرات السنين. يصف محمد لـ"الترا سودان" معاناته طوال عشرين عامًا ليقوم بتأسيس هذا المنزل، فالأمر لم يكن سهلًا بطبيعة الحال، بل كلفه سنوات من الاغتراب في عدد من دول الخليج، ولحظات مهمة في حياته الأسرية لم يكن حاضرًا فيها.
أكد شهود عيان أن قوات الدعم السريع قد احتلت عددًا من المنازل في مختلف أحياء الخرطوم منذ اندلاع الحرب بينها وبين الجيش السوداني
وأكد شهود عيان أن قوات الدعم السريع قد احتلت عددًا من المنازل في مختلف أحياء الخرطوم منذ اندلاع الحرب بينها وبين الجيش السوداني منتصف نيسان/أبريل الماضي، والجدير بالذكر أن الجيش السوداني شدد على ضرورة إخلاء قوات الدعم السريع لمنازل المواطنين كشرط أساسي منذ بداية مفاوضات جدة والتي جاءت برعاية من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، ولم تلتزم قوات الدعم السريع بتنفيذ هذا البند بجانب إخلاء المستشفيات والمرافق الخدمية.
إخلاء قسري
في مدينة الدوحة بأمدرمان تبدو الحكايات مختلفة بعض الشيء، حيث تقول المواطنة هادية صديق لـ"الترا سودان" إن قوات الدعم السريع طلبت من المواطنين هناك إخلاء مساكنهم قسريًا، مؤكدة أن الدعم السريع في ذلك اليوم قام بذبح عدد من المواشي وفرق لحومها على المواطنين قبل إجبارهم على إخلاء المنازل ومغادرتها إلى أماكن أخرى، مبدية استغرابها الشديد من هذه الواقعة.
وتقول هادية إن مصير منازلهم صار مجهولًا حتى هذه اللحظة، بعد مغادرتهم وجيرانهم المنازل خوفًا من وقوع أي اشتباكات بينهم وبين قوات الدعم السريع، وتضيف أنهم قاموا بإخلاء منزلهم من كل ما غلا ثمنه وخف وزنه، وحدها الذكريات كانت ثمينة جدًا لكن السنوات الطويلة أثقلتها فتركوها بالمنازل آملين أن يعودوا إليها في القريب العاجل.
حملات إعلامية
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي نظم نشطاء سودانيون حملات إعلامية واسعة فيما يتعلق باحتلال قوات الدعم السريع لمنازل المدنيين وانتهاكات أخرى ذات صلة بهذا الشأن، كانت تحمل وسم الدعم السريع يستبيح بيوتنا، والذي شهد مشاركات واسعة من قبل المواطنين المدنيين الذين تعرضت منازلهم أو منازل ذويهم للانتهاك، ويأتي ذلك بعدد مقدر من المقاطع والصور التي توثق لاستباحة قوات الدعم السريع لمنازلهم في محاولة لتبصير الرأي العام بما فعلته هذه القوات.
ويقول الخبير الاجتماعي الصادق محمد، إن مثل هذه الحملات من شأنها أن تلعب دورًا مهمًا في توثيق انتهاكات الحرب، وأن مواقع التواصل الاجتماعي تعتبر أحد أهم أضلع الإعلام في الوقت الراهن، خاصة مع انتشار الهواتف الذكية والتي لديها مقدرات ممتازة في التوثيق سواء كان ذلك بتقنية الفيديو أو الصورة. وذلك إضافة إلى إمكانية انتشار هذه المواد على نطاق واسع ولعدد كبير من المتابعين وبشكل مباشر وفوري.
ويشدد الصادق على ضرورة متابعة مثل هذه الحملات على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل منظمات حقوق الإنسان والجهات المسؤولة، وذلك لأنها تعتبر أدلة على الانتهاكات ووسيلة ضغط على المجتمع الدولي، إضافة إلى كونها وسيلة لرفعي الوعي العام بما يدور في البلاد. ويضيف: "لا بد أيضًا من التعامل معها بحذر والتحري عن مصداقيتها".
احترام الممتلكات الخاصة
يقول المتخصص في القانون الدولي عادل الطيب إن هناك عددًا من المقومات الأساسية للقانون الإنساني الدولي فيما يتعلق بالمنازل والممتلكات الخاصة، والتي جاءت من أجل تنظيم سلوك الدول والأطراف المتحاربة أثناء وقوع النزاعات المسلحة، أهمها هي ضرورة احترام الممتلكات الخاصة بما فيها المنازل وحياة المواطنين الخاصة، وليس ذلك فحسب بل يجب احترام المنازل كملاذ آمن للمواطنين، فلا يصح الاحتماء بها من قبل القوات المتنازعة أو عمل مطاردات عسكرية داخلها، الأمر الذي من شأنه أن يعرض حياة المدنيين للخطر، ناهيك عن الاحتلال العسكري والذي يعتبر مخالفًا للقانون الدولي.
متخصص في القانون الدولي: قوات الدعم السريع ستعرض نفسها للإدانة الدولية إن استمرت في احتلال منازل المواطنين دون سبب قانوني واضح
وأكد عادل أن قوات الدعم السريع ستعرض نفسها للإدانة الدولية إن استمرت في احتلال منازل المواطنين دون سبب قانوني واضح، مشددًا على ضرورة إخلاء منازل المواطنين بشكل فوري.
ويمكن القول أن احتلال قوات الدعم السريع لمنازل المدنيين يعتبر أحد الانتهاكات الصارخة منذ اندلاع الحرب، حيث تعتبر هذه المنازل أحد أهم الحقوق الأساسية والتي يجب على جميع الأطراف المتنازعة احترامها تحت كل الظروف.