17-مايو-2024
يغادر السودانيون إلى إثيوبيا عبر معبر القلابات على الحدود مع ولاية القضارف

يغادر السودانيون إلى إثيوبيا عبر معبر القلابات على الحدود مع ولاية القضارف (الترا سودان)

كشف السكرتير الثقافي للجالية السودانية بدولة إثيوبيا، مناضل الطيب عن وفاة نحو (60) سودانيًا في أديس أبابا، جراء إيقاف إجراءات سفرهم بسفارة دولة الهند بالعاصمة الإثيوبية.

وتحيط مشاكل جمة بالسودانيين الذين قرروا الذهاب إلى إثيوبيا المجاورة بعد اندلاع حرب 15 نيسان/أبريل 2023 في السودان، ووضعت الظروف الاقتصادية السيئة والإجراءات التي تفرضها السلطات هناك، السودانيين في موقف حرج.

اختار عدد كبير من السودانيين دولة إثيوبيا المجاورة للسودان من الناحية الشرقية ملاذًا بعد اندلاع الحرب، لكن لم تكن حياتهم سهلة هناك، ليواجهوا ثالوث الموت والنزوح والإجراءات

وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في تقرير صادف الثاني من أيار/مايو الجاري، إن خلال عام من النزاع في السودان، فرَّ أكثر من (8.7) مليون شخص من منازلهم، بما في ذلك (4.6) مليون طفل. وكانت إحصائيات أممية قد قالت إنه قد وصل إلى إثيوبيا منذ اندلاع الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع ما يقرب من (100) ألف شخص، حوالي نصفهم لاجئون أو طالبوا لجوء، بينما كانت إثيوبيا تستضيف بالفعل حوالي (50) ألف لاجئ سوداني منذ ما قبل الحرب الحالية.

ثالوث الموت

اختار عدد كبير من السودانيين دولة إثيوبيا المجاورة للسودان من الناحية الشرقية ملاذًا بعد اندلاع الحرب، لكن لم تكن حياتهم سهلة هناك، ليواجهوا ثالوث الموت والنزوح والإجراءات، ويجدوا واقعًا مريرًا يتمثل في إغلاق سفارات دول مختلفة كانت تقوم بإكمال إجراءاتهم، وإجراءات وصفت بالقاسية من قبل السلطات الإثيوبية تجاههم.

وتفرض السلطات في إثيوبيا على السودانيين تجديد التأشيرة السياحية شهريًا بواقع (100) دولار للفرد الواحد، في مقابل لاجئين آخرين موجودين في ثلاثة معسكرات على الحدود.

ويؤكد محمد إبراهيم من الجالية السودانية، أن المئات من اللاجئين السودانيين فروا من معسكر "أولالا" بالقرب من قندر، ويعيشون حاليًا في العراء منذ بداية الشهر الجاري ظروفا إنسانية وأمنية قاسية، ويرفضون العودة للمعسكر، لأنهم يتعرضون للنهب والمضايقات من المسلحين المحليين.

وكشف إبراهيم، في حديث لـ"الترا سودان" عن لقاء جمع السودانيين مع السلطات الإثيوبية ومفوضية اللاجئين، حيث تم تهديدهم بإعادتهم قسريًا للمعسكر، لكنهم رفضوا الاستجابة للتهديد، واشترطوا إما ترحيلهم لمعسكر آخر آمن أو إعادتهم إلى السودان، ولم يبت وفد المفوضية في هذه المطالب تحت زعم أنه قرار يتطلب أخذ رأي من جهة أعلى.

وأوضح  أنّ نحو (2000) سوداني معظمهم من النساء والأطفال يعيشون في غابة، وتهطل الأمطار الغزيرة فوقهم طيلة الوقت، وهم محاصرون بالقوات الإثيوبية من كل الجهات - حد قوله.

وفي السياق نفسه، أفاد أدهم عبد الرحمن، وهو أحد السودانيين المقيمين بإثيوبيا، بأن السودانيين الذين لجؤوا لدولة إثيوبيا هم فئتان؛ الأولى سلمت أمرها لمفوضية شؤون اللاجئين شمالي إثيوبيا وفتحت لهم معسكرات للجوء؛ بينما الفئة الثانية -وفق عبد الرحمن- دخلت العاصمة أديس أبابا وبعض المدن الأخرى، واصطدمت بقرارات الحكومة الإثيوبية التي تمنح التأشيرة السياحية عند الدخول بمبلغ (80) دولارًا، وتجدد شهريًا بمبلغ (100) دولار للشخص الواحد.

طريق سفري في إثيوبيا
طريق القلابات قندر حيث تبدأ رحلة السودانيين القادمين من القضارف في إثيوبيا (الترا سودان)

وتابع: "الفئتان تواجهان صعوبات كبيرة، حيث يوجد العشرات من الحالات الإنسانية الصعبة التي تدمي القلوب بسبب التوهان الذي يعيشه بعضهم حاليًا في أديس أبابا".

ولفت إلى ارتفاع دائرة معاناة الأسر المقيمة أو التي جاءت للعاصمة الإثيوبية بعد الحرب، إبان شهر رمضان المنصرم، حيث ارتفع عدد الحالات المحتاجة إلى المساعدة "سلة رمضان"، من معدل (10) حالات في الأعوام السابقة، إلى (300) أسرة في رمضان هذا العام، بحسب حصر داخل حي واحد في أديس أبابا.

كوارث محتملة

أبو طارق المقيم في أديس أبابا مع أسرته منذ (10) أعوام، يدير مطعمًا يقدم أصناف الطعام السودانية، فذهب إلى نفس الاتجاه، قائلًا إن أوضاع السودانيين المقيمين في أديس أبابا كانت مستقرة في  السابق، لافتًا إلى أن الصورة تبدلت تمامًا عقب اندلاع الحرب، وارتفعت أعداد السودانيين كثيرًا. مشيرًا في حديثه مع "سودان الترا"، إلى أن المطعم يتردد عليه سودانيون أوضاعهم مأساوية ويتضورون من الجوع. وأضاف: "لو لا مساعدة سودانيين مقتدرين لحدثت كوارث".

وزاد أبو طارق قائلًا: "نحن في العمل تأثرنا بظروف اللاجئين غير المسجلين للمفوضية، لأن السيولة عندهم تكاد تكون معدومة، والحرب أثرت على جميع السودانيين، فكل خيارات السودانيين باتت صعبة؛ وجودهم بالسودان يجعلهم عرض لخطر الموت أو الإهانة والسرقات والترويع، وإذا لجأوا إلى دول الجوار فإن الظروف لا ترحمهم .. هكذا يعيشون بين خيارين صعبين" - يضيف.

ويقول الطالب الجامعي إلياس عمر لـ"الترا سودان" بإحدى أحياء أديس أبابا، إنه هرب من جحيم الحرب في إثيوبيا عبر رحلة صعبة بالبر، مضيفًا أنه أنفق كل لديه من مال حتى يستطيع أن يعيش بكرامة.

أكمل قائلًا: "واجهت مصاعب كثيرة أبرزها كيفية سداد الرسوم الشهرية للفيزا الإثيوبية التي تبلغ قيمتها مئة دولار أمريكي، بجانب مشكلة السكن، بالإضافة لعدم وجود فرص عمل تعينني على سد رمق العيش وفقدان الدراسة بعد توقف الجامعات". لافتًا إلي أنه يعيش مع أحد معارفه في حي شعبي بأديس أبابا.

وناشد عمر السفارة السودانية في إثيوبيا بالتدخل والقيام بواجبها تجاه الرعايا السودانيين الفارين من جحيم الحرب، ووضع حل لمشكلة رسوم تجديد فيزا الدخول، والتواصل مع السلطات الإثيوبية لمنح السودانيين معاملة مماثلة للإثيوبيين الذين كانوا يعيشون في السودان.

والأسبوع الماضي، التقى السفير حسين عوض علي وزير الخارجية المكلف بالسفير مسغانو أدغا وزير الدولة بالخارجية الإثيوبية، وبحثا أوجه التعاون المشترك بين البلدين وسبل دعم وتطوير العلاقات الثنائية وتنسيق وجهات النظر في المحافل الإقليمية والدولية.

دعت الخارجية السودانية السلطات الإثيوبية لمعاملة السودانيين على أراضيها بالمثل

وجدد وزير الخارجية التزام السودان بسياسة حسن الجوار مع إثيوبيا وكل دول جواره. كما أشار إلى المعاملة الطيبة التي يلقاها الإثيوبيون في السودان، حاثًا الحكومة الإثيوبية على معاملة السودانيين الموجودين على أراضيها بالمثل، خاصة الذين لجأوا إلي إثيوبيا بسبب الحرب.

من جهته جدد الوزير مسغانو أدغا التزام بلاده بالوقوف إلى جانب السودان في الأزمة التي يمر بها، معربًا عن أمله في أن تنجلي قريبًا ويعود الأمن والسلام والاستقرار في السودان.

كابوس الإجراءات

ويرى السكرتير الثقافي للجالية السودانية بإثيوبيا، مناضل الطيب في حديثه مع "الترا سودان"، أن اندلاع الحرب في نيسان/أبريل من العام الماضي، فرضت على غالبية السودانيين مغادرة الوطن إلى دول الخليج، فكانت إثيوبيا المعبر الأساسي. وبعض منهم كانت إثيوبيا المحطة الأخيرة له.

وينوه مناضل إلى فتح ثلاث معسكرات للاجئين السودانيين تقع بين المتمة وقندر شمال إثيوبيا، حيث اصطدم السودانيون بأوضاع مغايرة عما كانت في أذهانهم. وقال: "السودانيون خرجوا من منازلهم دون استعداد مسبق، لأن الحرب باغتت الجميع". وأضاف: "حدثت احتيالات للأسر من سودانيين ومن غير سودانيين من أجل السفر إلى أوروبا أو دول الخليج".

وأشار سكرتير الشؤون الثقافية للجالية السودانية، إلى معاناة السودانيين عندما أغلقت سفارة الهند في أديس أبابا الأبواب في وجه السودانيين، الأمر الذي أدى إلى وفيات تجاوزت الـ(60) شخصًا، لأن غالبية الذين يودون السفر إلى الهند من المرضى الذين يبتغون العلاج.

السكرتير الثقافي للجالية السودانية بإثيوبيا:واجهت بعض السودانيين العديد من الصعوبات، أبرزها توفيق الأوضاع القانونية في الدولة، ورسوم تمديد التأشيرة في إثيوبيا

وأتم قائلًا: "واجهت بعض السودانيين العديد من الصعوبات، أبرزها توفيق الأوضاع القانونية في الدولة، ورسوم تمديد التأشيرة في إثيوبيا، والتي تصل إلى مئة دولار شهريًا. بالإضافة إلى صعوبة تكمن في تعليم أبناء الأسر التي اصطحبت معها أبناءها، وقال: "لدينا اتجاه في الجالية لإنشاء مدرسة سودانية غير ربحية تستوعب أبناء السودانيين بأديس أبابا لأن أمد الحرب قد يطول".

وذهب مناضل بإشارته إلى أن الوضع في أديس متجه نحو التعقيد ونحو مزيد من الصعوبات، خاصة مع ضعف الموارد المالية للجالية التي تعتمد على الدعم الذاتي ومن بعض السودانيين في دول المهجر. لافتًا إلى أن ظروف السودانيين فوق طاقة الجالية، لا سيما موضوع العلاج.

ويقول إن أعداد السودانيين اللاجئين في المعسكرات بلغت (68) ألف لاجئ سوداني، أما المتواجدون في أديس أبابا أعدادهم غير معروفة لأن بعضهم مقيم والآخر يصل للمغادرة لوجهة أخرى، وقدر عددهم بأكثر من (20) ألف سوداني.