ساد الارتباك في سوق العملات بالخرطوم اليوم الإثنين بالتزامن مع إعلان وزارة الخارجية الأمريكية إلغاء تصنيف السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، حيث أبلغ تاجر عملات "الترا سودان"، قائلًا: "توقف بيع وشراء العملات اليوم، لأن سعر الصرف تأثر بإلغاء العقوبات الأمريكية على الخرطوم، ولا يمكن المجازفة بأسعار عشوائية".
ترعرعت أعمال موازية طرحت نفسها كبدائل في التحويلات المالية واستيراد قطع الغيار والمعدات
وتشير أجوبة تاجر العملة إلى القطاع الرمادي المشترك بين السودان وبعض الدول الإقليمية والمجاورة للتحايل على العقوبات الأمريكية، حيث ترعرعت أعمال موازية ووضعت نفسها كبدائل في التحويلات المالية واستيراد قطع الغيار والمعدات. وعقب مغادرة الخرطوم لائحة الإرهاب رسميًا اليوم الإثنين؛ تنتظرها إجراءات داخلية صارمة للتكيف مع الوضع المالي العالمي وتحطيم هذه القطاعات الموازية للاقتصاد الرسمي.
اقرأ/ي أيضًا: تراجع في أسعار الفول السوداني.. و"الترا سودان" يكشف التفاصيل
ويُقدر محللون اقتصاديون ورجال أعمال خسائر السودان من المقاطعة الأمريكية وبقائه ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب منذ العام 1993 بحوالي خمسة مليار دولار في الفترة بين 2012 و 2019 فقط، لأن قطاع الاستيراد في السودان لجأ إلى السوق الإماراتي والكيني في ميناء "مومباسا" لاستيراد السلع الأوروبية والأمريكية عن طريق شركات وسيطة تضع هامش ربح يتراوح بين (10)%.
ويقول رجال أعمال، أن بعض الشركات الوسيطة تضع هامش ربح يقدر بـ(40)% على السلع التي تقوم باستيرادها نيابة عن المستورد السوداني للتحايل على العقوبات الأمريكية التي فرضت على الخرطوم بعد إيواء الأخيرة لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في العام 1993.
ويرى أمين العلاقات الخارجية باتحاد أصحاب العمل السوداني، أسامة الطيب، في حديث لـ"الترا سودان"، حول إلغاء تصنيف السودان ضمن قائمة رعاة الإرهاب رسميًا اليوم الإثنين، أن القطاع الخاص السوداني تضرر كثيرًا من التحايل على هذه العقوبات، لأنه كان يلجأ إلى أسواق بديلة وحتى هذه الإجراءات أفقدته التكنولوجيا المتقدمة، لأن البدائل دون المستوى.
وتابع: "في تسعينات القرن الماضي كنت وكيلًا لشركة "أوراكل" الأمريكية، وتم إلغاء التوكيل بمجرد انتقال السودان إلى رعاة الإرهاب. أبلغتني الشركة الأمريكية أنني لم أعد مرغوبًا في لاستيراد منتجات جديدة، ومنذ ذلك الوقت أغلقت الوكالة أبوابها".
غادرت توكيلات وعلامات تجارية عملاقة السوق السوداني منذ تسعينات القرن الماضي بسبب العقوبات الأمريكية، واليوم يأمل السودانيون في عودتها رغم الوضع الاقتصادي المتأزم الذي يحتاج إلى مواكبة هذه التطلعات.
اقرأ/ي أيضًا: السودانيون يتفاعلون مع إزالة البلاد رسميًا من قائمة الإرهاب
ويضيف الطيب: "ليس كافيًا أن نغادر قائمة الإرهاب؛ لا بد من عمل داخلي جبار في تحسين الاقتصاد وتحسين سعر الصرف وتهيئة بيئة الاستثمار وإيقاف العملة الوطنية عن التقلبات وابتداع سياسات نقدية واقتصادية مرنة وجديدة".
دعا أمين العلاقات باتحاد أصحاب العمل السوداني إلى إنهاء ما أسماها بـ"الفوضى الاقتصادية" في البلاد
ومن شأن مغادرة الخرطوم للتصنيف الأمريكي إعادة البعثات العلمية بين الخرطوم وواشنطن، علاوة على حصول السودان على تكنولوجيا متقدمة في الاستكتشافات النفطية وإنعاش قطاع التعدين، خاصة الذهب، وذلك عبر استيراد معدات حديثة ومتقدمة.
ويدعو أمين العلاقات باتحاد أصحاب العمل السوداني، أسامة الطيب، إلى إنهاء ما أسماها بـ"الفوضى الاقتصادية" في البلاد، وذلك لجذب الاستثمارات واستعادة الثقة مع العالم الخارجي، لأن الفوضى تؤدي إلى إحجام المستثمرين عن دخول السوق السوداني.
وتابع: "الاقتصاد والمصارف بحاجة إلى عمل حكومي كبير حتى تكون جاهزة للتعامل والتبادل مع العالم الخارجي، لأن الوضع الحالي ناتج عن تكيف مع العقوبات".
ويعتقد أسامة الطيب أن مغادرة السودان لقائمة الإرهاب سيتيح له التعامل مع دول الاتحاد الأوروبي، لأن المقاطعة كانت تشمل هذه الدول والولايات المتحدة واليابان وكوريا في مجالات التكنولوجيا المتقدمة.
وقال الطيب إن: "السودان استورد في العام 2012 من الإمارات سلع ومعدات من السوق الإماراتي تقدر بقيمة 2 مليار دولار. ذهب نصف مليار دولار هامش أرباح للشركات الوسيطة، لأن السودان ليس بإمكانه الحصول على تلك السلع مباشرة من الشركات الرئيسية".
كيف يمكن للسودان أن يقوم بتكييف وضعه للتعامل مع العالم الخارجي في مجال الاستيراد والتصدير والمعاملات المصرفية؟ في إجابته على هذا السؤال يقول عضو اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير، محمد الهادئ، لـ"الترا سودان"، إن: "السودان أصبح مؤهلًا للتعامل مع العالم الخارجي وإلغاء تصنيف الخرطوم من رعاة الإرهاب بواسطة الإدارة الأمريكية يتبعه تعميم إلى السفارات الأمريكية في دول العالم وإخطارهم بأن السودان أصبح دولة طبيعية ولا تمول الإرهاب ولا ترعى أية عمليات تهدد السلم العالمي".
ويضيف الهادئ: "بموجب هذا القرار سيقع عبء كبير على رئيس الوزراء عبدالله حمدوك للنهوض بالقطاع المصرفي وتحسين الاقتصاد واستعادة المال العام إلى وزارة المالية، والتوقف عن الشكوى والعمل على جعل هذه الأمور واقعًا".
وتابع: "القطاع المصرفي في السودان غير مؤهل للعب دور في الاستفادة من إلغاء العقوبات الأمريكية لأنه صمم على تمويل الأفراد والأثرياء، وهو غير مرتبط بالإنتاج والتنمية".
ويشدد عضو اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير، محمد الهادئ، على ضرورة وضع شروط للمصارف الأجنبية للعمل برأس مال لا يقل عن (500) مليون دولار حتى ينتعش الاقتصاد المحلي، إلى جانب أهمية دمج البنوك المحلية وإنشاء مصرف كبير ليقوم بعمليات التصدير والاستيراد وجلب حصائل الصادر.
اقرأ/ي أيضًا: الري تفند تصريحات مدير الرهد الزراعي وتؤكد اكتمال ري كل المساحات بالمشروع
ويرى الهادئ أن قلب الطاولة واتخاذ قرارات ثورية في المصارف وولاية المال العام سيجعل حمدوك يقف على قدميه بدلًا من الوقوف على أمشاطه في اقتصاد يتهاوى بسبب هيمنة الشركات الأمنية والعسكرية على الاقتصاد غير الرسمي.
اللجنة الاقتصادية لـ"قحت": حمدوك مطالب بقرارات اقتصادية ثورية
ويوضح الهادئ، أن العقوبات الأمريكية وسن قانون من الكونجرس لدعم المدنيين يحتاج إلى تحرك من رئيس الوزراء للاستفادة منهما لأقصى درجة ممكنة، لكن إذا استمر بطريقته الراهنة لن يحرز تقدمًا لتحسين الوضع المعيشي والاقتصادي.
ويرجح الهادئ حصول السودان على تمويلات من المؤسسات الدولية على خلفية إلغاء تصنيف الإرهاب، غير أن العالم لن يكف عن مراقبة حركة رؤوس الأموال والأرباح والشركات الرمادية التي تثير توجسه.
وأضاف: "رئيس الوزراء مطالب بتقديم خطة جديدة حول الشركات التي تخضع لسيطرة المدنيين والمصارف حتى يطمئن العالم الخارجي حيال التعامل مع الخرطوم".
اقرأ/ي أيضًا
صور| إضراب تجمع عمال وموظفي هيئة الموانئ البحرية
مدير مشروع الرهد الزراعي يقر بعجز المشروع عن حل مشكلات الري والتمويل الزراعي