الحديث عن الفوط الصحية والدورة الشهرية عند النساء لا يزال محرمًا وعيبًا في نظر كثير من المجتمعات داخل السودان. أما بالنسبة للمرأة، فالعادة الشهرية لا تقل أهمية عن الطعام والأمان، وبالتالي برزت الدعوات لتوفير بيئة صحية للنساء عن طريق توفير الفوط الصحية ووضعها في متناول يد كل امرأة.
من الصعب اختراق مجتمعات داخل السودان لا تزال ترفض الحديث عن مفاهيم النسوية، فما هي المداخل لطرح قضية الفوط الصحية لها؟
تجيب الناشطة الاجتماعية سيدة محمد، بأن التوعية هي الطريق، مؤكدة على دور التعيير الهرمي والبدء بتوعية الأجيال الناشئة، لأن لديهم قابلية للتعلم واكتساب معلومات جديدة وأكثر انفتاحًا. تقول: "التوعية عن طريق الحملات الإرشادية والوصول للقرى وتبادل الحديث مع النساء في جلسات القهوة، بلغة بسيطة"، وتوقعت حدوث صد في البداية أو رد فعل عنيف لعدم تقبل تغيير المفاهيم، بينما سيظهر الأثر على المدى البعيد.
ناشطة اجتماعية: تظل التوعية هي الخيار الأمثل، مع اختيار الطرق المناسبة للوصول للمجتمعات بصورة جماهيرية
وشددت محمد على أهمية العمل في المدارس والإعلام المحلي عبر الإذاعة والتلفاز ليصبح الحديث عن القضية عاديًا، مع أهمية نطق المفردة "الدورة الشهرية" كما هي لتصبح عادية، واللجوء للنظار والعمد وأصحاب الكلمة المسموعة في المجتمعات للمساعدة في إيصال صوت النساء. تقول: "تظل التوعية هي الخيار الأمثل، مع اختيار الطرق المناسبة للوصول للمجتمعات بصورة جماهيرية".
وتضيف لـ"الترا سودان"، إن الدورة الشهرية تخص النساء من الناحية الفسيولوجية، لكن مهما حاول الرجل أن يبعد سيجد أنه جزء من القضية، وذكرت بمقولة "الخاص عام والعام خاص"، بمعنى أن القضايا الخاصة بالنساء هي في الأصل عامة، لكن المجتمع الذكوري يحاول أن يحصرها في المجتمعات النسوية، مشيرة إلى أن الحديث العام عن الفوط الصحية لفت انتباه الدولة لأهميتها ومن ثم دخولها في مظلة التأمين الصحي.
فوطة نازحة.. الدورة الثالثة
ما تزال كثير من المجتمعات داخل السودان تعاني الفقر وخطر المجاعة، بجانب الظروف الاقتصادية المتدهورة والتعقيدات الاجتماعية والنزاعات القبلية، لذلك تنظر إلى قضية الفوط الصحية التي تطرحها عدد من المجموعات النسوية كقضية ثانوية وجانبية.
وترد على تلك الاتهامات عضو المكتب الإعلامي في مبادرة فوطة تسد الخانة وعد فائز بقولها إن القضايا النسوية تسير في خط واحد وجميع احتياجات النساء لها أولوية حقوقية. وحكت فائز لـ"الترا سودان" عن حادثة قال فيها شاب عند إطلاق مبادرة فوطة نازحة، إن الناس في القرى وجدوا بدائل للفوط الصحية، كما أن القضية لم تأتِ في الوقت المناسب لانشغال الأهالي بقضية الحرب؛ تقول وعد، إن سيدة في إحدى القرى كانت تستخدم اسفنج المراتب لإبنتها أثناء الدورة الشهرية، الشيء الذي عرض الفتاة لاستئصال الرحم لاحقًا. قالت: "المرأة تحتاج لأن تكون بصحة جيدة لتقاوم وليس لتموت".
وفي الإشارة لتوجه بعض المجموعات النسوية لتسييس قضية الفوط الصحية، تؤكد وعد أن الأمر ليس مبادرة من منظمات المجتمع المدني بالسودان وحده، إنما ثمة اتجاه لتخفيض الفقر الواقع على النساء بتضمين الفوط الصحية في التأمين الصحي، وأن يكون الهدف الوصول لكل ملجأ وسجن ومنزل، وتعد رسالة للفتيات في الجامعات وفي المؤسسات.
ومضت قائلة: "نهدف لإزالة وصمة الدورة الشهرية، وتعريفها كاحتياج حقيقي للنساء من خلال المنصات والنقاشات والندوات. وبعد إزالة الوصمة سنرى النساء أكثر التزامًا في العمل والمدارس، وهو ما يؤكد ضرورة تواجد النساء في مواقع التغيير واتخاذ القرار، للمساعدة في تذليل العقبات".
تشير فائز إلى أن فوطة نازحة كانت الدورة الثالثة وجاءت في وقت طارئ "الأحداث العنيفة التي شهدها إقليم النيل الأزرق"، واستمرت الحملة لأسبوع، مع تواجد الدعم المادي والعيني للمبادرة.
فوطة تسد الخانة في الشارع والزنزانة
بينما لا يزال الحديث عن الفوط الصحية يمرر سرًا بين كثير من الفتيات، وتجد مجموعة كبيرة من النساء حرجًا في الحديث عن قضايا الدورة الشهرية ومناقشة التحديات التي تعترض طريقهن للحصول على حياة صحية آمنة؛ ماذا عن الأدوار التي تلعبها مبادرة فوطة تسد الخانة؟
تقول المنسق العام للدورات في مبادرة فوطة تسد الخانة نبأ صلاح، إن الفكرة بدأت من منصة "شغل العالم"، وهي مجموعة لنساء سودانيات حول العالم، تهدف لتحقيق أهداف التنمية المستدامة تماشيًا مع إعلان ومنهاج عمل بكين في تحقيق الإنصاف للمرأة وكل ما يخص تحديات تواجدها في الفضاء العام. وتعني المجموعة بتبادل الفرص والتدريب والتطوير والتنوير المعرفي والتدريب الحرفي وبناء القدرات في كافة المجالات، وتمكين المرأة اقتصاديًا ورفع الفقر من خلال التسويق للمشاريع الصغيرة ودعم ريادة الأعمال، ويعد نواة لشبكة مستقبلية شاملة لدعم النساء.
وتكمل حديثها بأن نزلت في المجموعة حاجة لسيدة، وقامت رئيس المنصة فاطمة أوشيك بعمل صندوق شهري لتوفير الفوط الصحية للتبرع العيني، وعندما بلغ عدد أعضاء المجموعة (10) آلاف عضوة، تم عمل بازار في مطعم بالخرطوم، وتذكرة الدخول كانت فوطة صحية لدعم متضرري دورة الفيضانات أيلول/سبتمبر 2020.
في اليوم العالمي للمرأة 8 آذار/مارس 2021 زارت المبادرة سجن النساء بمدينة أم درمان، وكانت تحت مسمى "دورة السجون"
وبحسب صلاح تواصلت المبادرة مع المتضررات من الفيضانات وخاصة المعسكرات في محلية الفاو بولاية القضارف، ولبت المبادرة نداء الاستغاثة وفتح باب التبرعات لدورة المعسكرات، والتي حظيت بدعم من شركات وأفراد، وكانت الدورة الثانية في شباط/فبراير 2021.
وواصلت قائلة: "في اليوم العالمي للمرأة 8 آذار/مارس 2021 زارت المبادرة سجن النساء بمدينة أم درمان، وكانت تحت مسمى "دورة السجون" للفت الانتباه بقضايا النساء داخل السجون وتوفير المرافق الصحية الملائمة لهن وتلبية احتياجاتهن الصحية مثل الفوط الصحية والصابون وغيرها، تحت شعار "فوطة تسد الخانة في الشارع والزنزانة"".
وبعد تلبية نداء استغاثة ولاية النيل الأزرق، تقول صلاح بأن الدافع من تسييس الدورة الشهرية هو ملاحظة غياب الطالبات بسببها وغياب اليوم الصحي في كثير من المؤسسات. وتعد الدورة الشهرية جزءًا من الصحة الإنجابية -وفقًا لنبأ صلاح- وجزءًا من الإنتاج والمورد البشري. كما تهدف المبادرة لخفض الفقر المرتبط بالدورة الشهرية، وتخفيض الضرائب على الفوط الصحية، تقول: "بدأت خطوات جادة لإدراج الفوط الصحية في التأمين الصحي، لكن توقفت عقب انقلاب 25 تشرين الثاني/أكتوبر".
