عقب وصول الدعم السريع إلى "ود مدني" وسيطرتها جزئيًا على هذه المدينة الواقعة بولاية الجزيرة في وسط السودان، تدهورت الأوضاع الأمنية تدهورًا غير مسبوق في أحياء المدينة المأهولة بالسكان.
تقول باحثة النوع في منظمة دولية في السودان إن الانتهاكات الجنسية التي وقعت خلال الحرب لم يظهر منها سوى جزء صغير
وتستمر المعارك بين الجيش والدعم السريع منذ أربعة متوالية في الأجزاء الشرقية من ولاية الجزيرة. وقال مسؤولون ميدانيون في الدعم السريع إن قواتهم تمكنت من الوصول إلى بعض مناطق الجزيرة بما فيها مدينة "ود مدني".
ووضعت التجارب المريرة لمواطني العاصمة الخرطوم، عقب اندلاع الحرب ووقوع انتهاكات – وضعت المجتمعات أمام تجربة جديدة في مدينة "ود مدني" بخبرة تراكمية، وسط إرشادات على الشبكات الاجتماعية للتعامل مع الأزمة ولا سيما الانتهاكات الجنسية، خاصة مع الاتهامات التي تلاحق الدعم السريع بارتكاب نسبة كبيرة من جرائم العنف الجنسي خلال الحرب.
ومن بين النصائح المبذولة على الشبكات الاجتماعية في السودان مثل "فيسبوك" و"إكس" (تويتر سابقًا): أخذ جميع الأوراق الثبوتية وإخفاء التطبيقات البنكية عند المرور بنقاط التفتيش العسكرية إلى جانب نصائح أخرى "أكثر شجاعة" تتحدث عن ضرورة شراء الفتيات "حبوب منع الحمل" لأخذها في حال تعرضهن للاغتصاب.
احترازات منطقية
يقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في تحديثاته المستمرة بشأن الحرب في السودان إن الانتهاكات بحق المدنيين ما تزال مستمرة مع غياب الحماية إلى جانب استمرار العنف الجنسي وتجنيد الأطفال والإخفاء القسري للمواطنين.
وبلغت حالات العنف الجنسي في حرب السودان في الفترة من منتصف نيسان/أبريل الماضي حتى تشرين الأول/أكتوبر 2023 ضد النساء والفتيات – بلغت (136) حالة موثّقة، بينهن (14) طفلة، وسُجلت (68) حالة في الخرطوم، و(47) في نيالا، (21) في الجنينة، في حين وصلت حالات "الاسترقاق" (الاستغلال) الجنسي إلى (29) حالة.
وتقول الناجيات من الانتهاكات الجنسية إن مرتكبيها "أشخاص يرتدون زي الدعم السريع" حسب وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية.
وتقول مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل سليمى إسحق تعليقًا على الدعوات المنتشرة للفتيات والسيدات بأخذ حبوب منع الحمل ضمن الاحترازات الصحية حال حدوث انتهاكات جنسية في مناطق الحرب خاصة المناطق التي تشهد معارك عسكرية في "ود مدني" – تقول إنها طريقة صحيحة وتعد ضمن التدابير الوقائية في حال تعرض الفتيات والنساء لاعتداءات جنسية من "المليشيات المسلحة".
وعبرت سليمى إسحق في حديث إلى "الترا سودن" عن قلقها من أن مقاومة القوات العسكرية خاصة "الدعم السريع" في حالة الانتهاكات الجنسية قد تؤدي إلى فقدان الضحايا لحياتهن، لافتةً إلى أن الحياة "قيمة جدًا" ويجب الحفاظ عليها بأخذ جميع التدابير الممكنة للنجاة من الحرب. وتضيف: "حتى إن قررت الفتيات والسيدات البقاء في المنازل، فإنهن قد لا يكن بمعزل عن الانتهاكات الجنسية من مليشيات الدعم السريع".
وعملت سليمى إسحق قبل تعيينها في إدارة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة في عهد حكومة عبدالله حمدوك في منظمات وطنية وجامعة الأحفاد للبنات في أم درمان، وهي ناشطة مهتمة بقضايا النساء والأطفال، وكانت شاهدة على فض اعتصام القيادة العامة في الثالث من حزيران/يونيو 2019 بالقرب من وزارة الدفاع بالخرطوم.
مزاعم غير صحيحة
وتوجه "الترا سودان" بالتقارير التي تتحدث عن وقوع انتهاكات جنسية في مناطق تقع تحت سيطرة الدعم السريع إلى مسؤول سياسي في هذه القوات، لكنه نفى صحة هذه التقارير، قائلًا إن الاتهامات تلاحق قوات الدعم السريع من كل الاتجاهات دون ضبط المعلومات، ومشيرًا إلى وجود "جهات ترتدي الزي العسكري للدعم السريع لارتكاب جرائم".
وقال إن قوات الدعم السريع نقلت جميع الأفراد الذين ارتكبوا انتهاكات ضد المدنيين خلال الحرب إلى سجن "سوبا" شرق الخرطوم خاصةً بعد تشكيل "لجنة عصام فضيل" قبل شهرين.
وأعربت الأمم المتحدة أكثر من مرة عن قلقها من الانتهاكات الجنسية في حرب السودان. ويقول عاملون في منظمات دولية إن منظمات أممية تعاقدت مع بعض المستشفيات في الولايات غير المتأثرة بالحرب لعلاج الناجيات من العنف الجنسي على نفقتها وتقديم الاستشارات النفسية.
تفادي تكلفة أكبر
وترى سوسن عبدالكريم وهي تعمل في منظمة دولية في السودان في حديث إلى "الترا سودان" أن الانتهاكات الجنسية التي وقعت في حرب السودان مثل جبل الجليد، مرجحةً أن تتزايد الأرقام كلما توقفت المعارك وعاد الناس إلى حياتهم الطبيعية، فحينها سيتحدثون عن "كل شيء" – حسب سوسن.
وتعتقد سوسن عبد الكريم أن النصائح المبذولة على الشبكات الاجتماعية للفتيات والسيدات بأخذ حبوب منع الحمل احترازًا حال تعرضهن لانتهاكات جنسية خاصة في مناطق سيطرة الدعم السريع – تعتقد أنها تبدو منطقية، لافتةً إلى أن المراكز الصحية والمستشفيات في "ود مدني" قد لا تتمكن من تقديم الخدمات في الوقت الحالي.
وتنصح سوسن أي فتاة تعرضت لاعتداء جنسي من مجموعة مسلحة باللجوء إلى أقرب مركز صحي لأخذ التدابير اللازمة في مثل هذه الحالات للتخفيف من "مضاعفات الاعتداء". وتضيف: "خلال الحرب لا توجد ضمانات باستمرار عمل المستشفيات، ولذلك فإن من الأفضل أخذ حبوب منع الحمل"، لافتةً إلى أن الناجيات قد يتجاوزن الصدمة مع مرور الوقت بالعلاج النفسي، بيد أن "الآثار المادية قد تكون أكثر تدميرًا لهن خاصةً في حال حدوث حمل" – حسب سوسن.