مع ظهور أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا الجديد في دولة جنوب السودان، لموظفة تعمل لدى المنظمة الأممية، بدأت حالة توجس كبير تنتظم الشارع الجنوبي، وهو شيء طبيعى ومتوقع، ولكن بعد تأكيد اللجنة الحكومية المختصة على وجود حالتين جديدتين لأجانب يعملون أيضًا لدى بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان "أونمس"، بدأت حالة من الغضب تسود في الأوساط العامة، ومجالس المدينة على قلتها، وتعالت الهمسات التي تقول بأن ما حدث هو شيء مدبر قامت به الأمم المتحدة لنقل المرض إلى جنوب السودان، وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي كتابات تطالب بطرد البعثة الأممية، صاحبتها حالة تحريض ضد الأجانب والمنظمة الأممية، وصلت إلى كونها نوعًا من خطاب الكراهية الموجه ضد الأجانب "زينوفوبيا"، وكانت ردة فعل الحكومة والناشطين هي التحذير من الانسياق وراء هذا الخطاب الذي يجرم المصابين بالمرض، الذي هو عبارة عن وباء عالمي لا يميز بين الناس.
ماكور كوريوم: على الجميع التزام الهدوء واتباع الإرشادات الصحية الضرورية للوقاية من المرض، وعلى الجميع الابتعاد عن خطاب الكراهية وتضليل الرأي العام بمعلومات مغلوطة
وقال ماكور كوريوم، وكيل وزارة الصحة عضو اللجنة الحكومية المختصة بمجابهة فيروس كورونا بجنوب السودان، في تصريحات صحفية: "على الجميع التزام الهدوء واتباع الإرشادات الصحية الضرورية للوقاية من المرض، وعلى الجميع الابتعاد عن خطاب الكراهية وتضليل الرأي العام بمعلومات مغلوطة".
اقرأ/ي أيضًا: مواطنو جنوب السودان يتخذون احترازاتهم الخاصة بعد ظهور حالات إصابة بكورونا
هذا وتعود حالة التوجس من المنظمة الأممية في جنوب السودان لطابع الخطاب السياسي التجريمي الذي استخدمته الحكومة في جنوب السودان خلال فترة الحرب الأخيرة بالبلاد، خاصة بعد أن فتحت البعثة الأممية أبوابها للمدنيين الفارين من القتال في العاصمة جوبا وبقية المدن الرئيسية، بعد أن وصل الأمر لدرجة الاستهداف على أساس الهوية العرقية، إلى جانب الدور الذي لعبته البعثة الأممية في الضغط على الأطراف المتحاربة لوقف الحرب وقيامها بكتابة تقارير تكشف تورط الأطراف في انتهاكات حقوق الإنسان، وقد ترتب على ذلك فرض عقوبات أممية على مسؤولين نافذين في الحكومة والجيش.
وقال أدموند ياكاني، رئيس منظمة تمكين المجتمع من أجل التقدم "سيبو" في تصريحات لـ"الترا سودان": "إن الحملة الموجهة ضد الأجانب على مواقع التواصل الاجتماعي مؤسفة جدًا، فالأفضل لشبابنا استخدام تلك المنصات بطريقة إيجابية وبناءة".
وقالت لوسي كيدن، من منظمة "كافح الكراهية الآن" وهي مجموعة مدنية معنية بمناهضة خطاب الكراهية في جنوب السودان: "إن خطاب الكراهية والمعلومات المغلوطة تمثل تهديدًا كبيرًا للضحية وللجهود الوطنية المبذولة لمحاربة المرض واحتوائه".
اقرأ/ي أيضًا: لجنة أطباء السودان تعكف على وضع قانون لحماية الكوادر الطبية والصحية
هذا وقد سارعت مجموعة من الناشطين على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك بعد إعلان تأكيد ظهور الحالة الأولى التي قالت اللجنة إنها دخلت البلاد في يوم 28 شباط/فبراير، إلى الحصول على كشف المسافرين على متن طائرة الخطوط الإثيوبية في التاريخ المعني، ووصلوا لمرحلة تحديد هويتها، بعد نشر الكشف الذي يحوي اسمها، كما قام البعض بالبحث عن صفحتها الشخصية ونشر صورها على مواقع التواصل الاجتماعي باعتبارها أول من قام بإدخال المرض للبلاد التي كانت خالية من وجود أي إصابة.
كما حذر رييح ملوال من منظمة "شاشة الحقوق" الشباب وجميع الناشطين من التحريض ضد موظفي الأمم المتحدة، مشيرًا إلى أن خطاب الكراهية الموجه ضد الأجانب بدأ في التزايد منذ ظهور الحالة الأولى للإصابة بالمرض.
وأضاف بالقول: "ظهرت أصوات في مواقع التواصل الاجتماعي تطالب بمهاجمة مقرات الأمم المتحدة وبعض المنظمات الدولية الأخرى باعتبار أنها هي التي تسببت في دخول المرض للبلاد".
وادان ملوال في بيان باسم المنظمة تلك الدعوات، موضحًا بأن هذا المرض قد دمر جميع المجتمعات الإنسانية دونما تمييز، وأردف قائلًا: "إن نشر الكراهية والتحريض ضد مجموعات بناءً على انتمائها سيقوض جهودنا في القضاء على المرض الفتاك كوفيد19".
لم يكن الأمر محصورًا فقط في مواقع التواصل الاجتماعي، فقد كان هناك استمرار لذات الخطاب على مستوى الشارع، والذي صاحبه النقل المتعمد للمعلومات المغلوطة، مما ترتب عليه إقدام مجموعة من القوات الحكومية ودونما تلقي أي توجيهات رسمية بمنع المواطنين المقيمين بمعسكر حماية المدنيين التابع للأمم المتحدة، غربي العاصمة جوبا، من الخروج من المعسكر ودخول المدينة، بعد أن منع الجنود الحكوميون مجموعة من النسوة اللائي كن في طريقهن إلى المدينة في اليوم التالي لإعلان ظهور الإصابة الأولى، وأخبروهن بأنهم قد تلقوا معلومات تفيد بأن المعسكر الذي خرجن منه عبارة عن منطقة موبوءة بفيروس كورونا الجديد.
إيمانويل كينجي: نعم أنا تابعت تلك الحملة، نحن نتخوف من أن يكون هناك شيء مقصود من ظهور هذا المرض في أوساط موظفي الأمم المتحدة و"الخواجات".
لكن حملات الناشطين والمنظمات الحكومة ضد خطاب العداء للأجانب، قد يصطدم بقناعات تبلورت في الشارع. يقول إيمانويل كينجي، والذي يعمل في محل تجاري بسوق جوبا، في تصريحات لـ"الترا سودان": "نعم أنا تابعت تلك الحملة، نحن نتخوف من أن يكون هناك شيء مقصود من ظهور هذا المرض في أوساط موظفي الأمم المتحدة و"الخواجات"، فقد سبق وأن تسببوا في دخول الكوليرا الى هاييتي. أنا لا استبعد أن يكون هناك مخطط وراء ذلك، على الحكومة أن تفتح عيونها وتهتم بالأمر".
اقرأ/ي أيضًا:
الشرطة تفرق تظاهرة لأنصار النظام البائد وتلقي القبض على 30 منهم