عندما اندلعت الحرب بين الجيش والدعم السريع في منتصف نيسان/أبريل 2023 تمكن الطرفان من الوصول إلى منبر جدة بالمملكة العربية السعودية للانخراط في محادثات تركزت على الأوضاع الإنسانية وتوقيع هدن قصيرة للسماح للمدنيين بالممرات الآمنة ومغادرة المناطق الساخنة.
قد يضطر المجتمع الإقليمي والدولي إلى منح بعض التنازلات للجيش لجلبه إلى طاولة المفاوضات
بدأت المفاوضات بين الطرفين المتحاربين مطلع شهر أيار/مايو 2023 اعتمادًا على أنهما قوتان عسكريتان حسب اعتماد الميسرين السعوديين والأمريكيين لهذه الصفة دون إضافة اعتبارات قانونية لكل طرف.
اعتبر الميسرون في منبر جدة الجيش طرفًا عسكريًا مقابلًا لقوات الدعم السريع، وهذا التوصيف الذي وضعته الوساطة والتشديد عليه في منبر جدة أدى إلى "تآكل" ثقة جنرالات الجيش في الوصول إلى وقف إطلاق النار.
إضافة إلى هذه الإجراءات التي اتخذتها الوساطة، أطلق المجتمع الدولي ذات الاعتبارات القانونية تجاه الجيش بوضعه في كفة واحدة مع قوات الدعم السريع، ومضى دبلوماسيون غربيون إلى إطلاق صفة قوتين عسكريتين حكوميتين على الطرفين المتحاربين في السودان.
ربما كان لإجراءات بإلغاء المواد المتعلقة بتبعية الدعم السريع إلى الجيش من الناحية الفنية في حزيران/يوليو 2019 بواسطة خطاب ممهور بتوقيع قائد الجيش نفسه - ربما كان لها تأثيرًا كبيرًا على وضع الطرفين على قدم المساواة في طاولة المفاوضات عقب اندلاع الحرب من جانب المجتمع الدولي والإقليمي، وهذا ما أظهرته جولات دقلو الأفريقية في ست دول وضعت له البساط الأحمر اسوة بالبرهان.
اليوم، بعد تسعة أشهر من القتال المستمر وتراجع الجيش من إقليم دارفور وتركه أربع ولايات من أصل خمس تضم جميعها مقار عسكرية رئيسية، إلى جانب تضعضع تواجده في إقليم كردفان وانتشار قوات دقلو في أجزاء واسعة من العاصمة الخرطوم - هذه جميعها كانت عوامل جعلت المفاوضات في منبر جدة أو وساطة الهيئة الحكومية للتنمية الدولية والسلام (الإيقاد) في كف عفريت.
بالفعل انهارت محادثات منبر جدة مطلع الشهر الماضي دون الوصول إلى نتائج، كما فشلت (الإيقاد) في جمع الجنرالين على طاولة واحدة، وتقطعت الأوصال بينها وبين الجنرال البرهان إلى مرحلة ارساله خطابًا باسم رئيس مجلس السيادة الانتقالي إلى سكرتارية الإيقاد معلنًا تجميد عضوية السودان في المنظمة.
الوضع في أروقة المجتمع الدولي والإقليمي إزاء تجميد عضوية الحكومة السودانية مقعدها في الإيقاد أشبه بـ"تحطم المعبد" على الجميع، وضيق فرص وقف إطلاق النار أكثر مما كانت عليه الشهر الماضي؛ فما هي خيارات الطرفين الإقليمي والدولي إزاء هذه الأزمة؟
اللافت في بيان قمة رؤوساء دول الإيقاد في كمبالا الخميس الماضي أنه قال إن السودان ليس ملكًا للطرفين المتحاربين، ما يعني أن المجتمع الإقليمي بدأ يتحسس الأرض تحت أقدامه من خطورة حرب السودان، خاصة مع تعثر جهود وساطة الإيقاد وهو تلويح بالمضي نحو خيارات أحادية.
الجيش في الوضع الراهن على الأرض في ميدان المعارك لا يمكنه الانخراط في مفاوضات دون إحراز تقدم، وفي ذات الوقت لا يمكن لقوات الدعم السريع أن تقدم تنازلات على الطاولة وهي متقدمة ميدانيًا بفارق كبير عن القوات المسلحة.
بالنسبة للقوات المسلحة وحكومة الأمر الواقع في بورتسودان شرقي البلاد، التفكير السائد أن الطريق نحو التفاوض يمر عبر ميدان المعركة بترجيح كفتها على الأقل في العاصمة الخرطوم، ولذلك اشتدت المعارك العسكرية هذا الأسبوع. كما شوهدت قوات الجيش وهي تحرز تقدمًا في بعض أحياء أم درمان وبعض الشوارع.
بينما يعمل الجيش في أكثر من جبهة قتالية داخل وخارج العاصمة الخرطوم على تحسين موضعه الميداني، تلوح قوات الدعم السريع بالتقدم نحو الولايات المجاورة لولاية الخرطوم وولاية الجزيرة: نهر النيل والشمالية وسنار، وإلى حد ما ولاية القضارف. مرجحًا خيار الانتصار العسكري كما أبلغ حميدتي وفد (تقدم) في أديس أبابا هذا الشهر، بقوله أن السيطرة العسكرية على جميع الولايات خيار لجلب السلام.
في ظل صعود خيارات الحرب وتلاشي أدوات وقف إطلاق النار لدى المجتمع الإقليمي والدولي، ربما يضطران إلى منح بعض التنازلات للجيش حتى يتمكنا من جلبه إلى طاولة المفاوضات، لكن هذه التنازلات التي يبحث عنها الجيش تتعلق باعتباراته القانونية كمؤسسة عسكرية قومية لا كقوات عسكرية متساوية على الطاولة مع قوات الدعم السريع، إلى جانب الوضع في الاعتبار أن رعاة المحادثات يجب عليهم التعامل مع الحكومة السودانية بمؤسساتها ونظمها المعروفة دبلوماسيًا وسياسيًا، وهذه هي المطالب التي يصرح بها مسؤولو الحكومة وكبار ضباط القوات المسلحة.
بينما ترفض الدعم السريع الاعتراف بالمؤسسات القائمة في مدينة بورتسودان بولاية البحر الأحمر وتذهب إلى أبعد من ذلك باشتراطها حضور البرهان إلى اجتماع جيبوتي الذي كان محددًا في مطلع كانون الأول/يناير الجاري بصفته قائدًا للجيش وليس رئيسًا لمجلس السيادة الانتقالي الذي يفتقد للشرعية منذ انقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021 بحسب تصريحات الجنرال دقلو في مؤتمره الصحفي في أديس أبابا على هامش لقاء القوى المدنية (تقدم).
العامل الذي قد يقلب الطاولة على الجميع هو الضغوط الداخلية التي تتعرض لها الولايات المتحدة الأميركية بالاقتراب أكثر من الملف السوداني وحمل الطرفين المتحاربين إلى طاولة المفاوضات
العامل الذي قد يقلب الطاولة على الجميع هو الضغوط الداخلية التي تتعرض لها الولايات المتحدة الأميركية بالاقتراب أكثر من الملف السوداني وحمل الطرفين المتحاربين إلى طاولة المفاوضات، وإلزامهما بتوقيع وقف إطلاق النار وضخ الدماء في مبادرة الاتحاد الأفريقي لإطلاق عملية سياسية واستعادة المسار المدني.