"بالنسبة لنا ككُتاب مثلت ساحة "أتني" منزلنا، كُنا منذ نشأتنا نشعر بالرهبة والقيمة الكبيرة حينما نتواجد في هذه الساحة التي جمعت كبار الكتاب والمثقفين وأهل السياسية"، هكذا وصف الكاتب والشاعر مأمون التلب ساحة "أتني"، والتي تعد أكبر منطقة للتجمعات الثقافية والشبابية في قلب العاصمة الخرطوم.
الساحة التي احتضنت مئات الفعاليات والتجمعات الثقافية والفنية على الهواء الطلق، نعاها روادها بالأمس على مواقع التواصل الاجتماعي
الساحة التي احتضنت مئات الفعاليات والتجمعات الثقافية والفنية وشهدت نقاشات أهل الفن والسياسية على الهواء الطلق ووسط صفير الحمام، نعاها روادها بالأمس على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تداولت الأنباء تحذيرًا "بأمر المُلاك" يمنع التواجد في الساحة وإقامة أي انوع الفعاليات أو التجمعات، دون إبراز أسباب، ما قاد إلى ردود أفعال تُعبر عن حزن واستياء شديدين، وسط زوارها، الذين وصف بعضهم الواقعة لـ"الترا سودان" بأنها ستعيد الفعل الثقافي إلى مواقع "صفوية"، بعد أن تحول إلى فعاليات شعبية يرتادها الناس في الشارع العام.
بؤرة للفن والثقافة.. جوار القصر الرئاسي!
تقع ساحة "أتني" التي انطلقت منها مبادرة "الحركة الشعرية"، على مقربة من القصر الجمهوري في الخرطوم، وتعتبر من أشهر مناطق تجمُع المثقفين السودانيين من مختلف مشاربهم من موسيقيين ونحاتين ورسامين وكُتاب وصحافيين وناشطين في العمل الطوعي والإنساني، وبتلك اللقاءات التي استمرت عبر عقود من الزمان، تحول المكان إلى ساحة للتثقف وتبادل الأفكار بين رواده وكل جديد في شتى مناحي الحياة.
اقرأ/ي أيضًا: أصوات نسائية من القضارف
ويخبرنا "علم الدين عبدالله" أحد رواد ساحة "أتني"، أن سر التسمية يعود تأسيسه إلى عهد الحكم الإنجليزي، وأنشئ بواسطة "جورج" اليوناني، وتعود التسمية، بحسب حديثه، إلى العاصمة اليونانية "أثينا"، التي كانت تمثل تجمعًا للسيّاح والسياسيين آنذاك، غير أن الموسوعة الحُرة "ويكيبيديا" تشير إلى أن تسمية "أتني"، تعود إلى مقهى إغريقي قديم بالمنطقة كانت تمتلكه سيدة يونانية ثم حمل اسمها لاحقًا.
ويضيف علم الدين في حديثه لـ"الترا سودان"، أن الساحة الأثرية مثلت منبرًا مفتوحًا لهواة الأدب وأهل الفن والسياسية للتجمع والتفاكر وتبادل الآراء حول قضايا الثقافة والأدب والفن والسياسية، مشيرًا إلى أن ملكية الساحة تعود إلى "إحدى الأسر العريقة في العاصمة الخرطوم، والتي حاولت لأكثر من مرة محاصرة التجمعات بالساحة".
واعتبر عبدالله ساحة "أتني" بؤرة لنشر الأدب والثقافة، ويتابع: "ونحن في مقتبل العمر، كنا نرتاد ساحة أتني يوميًا وتُشكل بالنسبة لنا مساحة لتطوير التفكير وإدارة الحوار مع بعضنا، بغض النظر عن الدين، العرق أو التنظيم السياسي".
وحذّر مُلاك ساحة "أتني" الشهيرة بالخرطوم، الأحد الماضي، روادها من إقامة أي نشاطات أو تجمعات مستقبلية، بالإشارة إلى إن الساحة ملكية خاصة.
رمزية تاريخية.. ساحة "لا تعرف الطبقية"
بالعودة للكاتب والروائي مأمون التلب، عضو مجموعة "عمل" الثقافية، يرى أن ساحة "أتني" مثلت مساحة "للمقاومة الثقافية"، ويتابع الكاتب أن الساحة العريقة ذات رمزية تاريخية كبيرة وترتبط أيضًا بالثورة السودانية، ويضيف أن "أتني" تعبر عن تجمع للوعي والاستنارة على مدى تاريخ السودان، كما تمثل جزءًا من تاريخ الثورة وأجيال كثيرة ارتبطت بالمكان وجدانيًا وصار قبلة لهم.
ويروي مأمون بدايات إقامة فعاليات "مفروش"، وهي فعالية دورية لقراءة وتداول الكتب في ساحة "أتني"، قائلًا: "عندما تحول مفروش إلى فعالية ثابتة، طلبوا منا إصدار تصريح لإقامة الفعالية، وكانت "جماعة عمل" تُصدر التصاريح لكل فعالية من وزارة الثقافة والإعلام". وأضاف: "تابعنا إصدار التصاريح لإقامة فعالية مفروش بالساحة لأكثر من ثلاث سنوات".
اقرأ/ي أيضًا: قضية الطلاب ذوي الإعاقة بكسلا.. إهمال حكومي متواصل وقمع
وبحسب إفادة التلب، فهذه ليست المرة الأولى التي يطالب فيها المُلاك بمنع التجمع في الساحة وإقامة الفعاليات، يقول مأمون: "إن الفعاليات، أوقفت بأمر الملاك لثلاث مرات"، قبل أن تقاطع آخر مرة سلطات الأمن فعالية مفروش وتعترض على إقامتها بدعاوى أن "بعض الكتب المعروضة لا تلبي متطلبات المصنفات الأدبية في السودان"، لتطالب منظمي الفعالية بـ “تقديم قائمة تتضمن أسماء كل الكتب المعروضة" قبل منحهم أي تصديق لإقامة الفعالية، الأمر الذي اعتبره شرطًا تعجيزيًا.
المنع المتكرر بواسطة مُلاك الساحة، قاد إلى نقل فعالية "مفروش" إلى المتحف القومي بدلًا عن ساحة "أتني"
ودعا مأمون، منظمات المجتمع المدني والمهتمين بالشأن الثقافي، للتواصل مع مُلاك الساحة والعمل على إعادة "آتني" كساحة للفعاليات الثقافية والأدبية.
وأشار الكاتب، أن المنع المتكرر بواسطة مُلاك الساحة، قاد إلى نقل فعالية "مفروش" إلى المتحف القومي بدلًا عن ساحة "أتني" سابقًا، ما تحسر عليه مأمون واعتبره عودة إلى نمط الفعاليات "الصفوية" بعد أن تحولت لفعاليات شعبية، وختم بالقول إن "أتني" كانت ساحة "لا تعرف الطبقية".
اقرأ/ي أيضًا
هل يعيد التاريخ نفسه؟.. تساؤلات حول سد بوط بولاية النيل الأزرق